سياسة

هل يعيش المغرب حالة استثناء غير معلنة ؟

مرت 4 أشهر على انتهاء مهام الحكومة السابقة، دون أن تخرج للوجود الحكومة الجديدة بقيادة عبد الإله بنكيران بعد تكليفه من طرف الملك، فيما تقوم حكومة تصريف الأعمال بعدد وزراء جد محدود، بتسيير شؤون البلاد بدون أي برنامج أو ميزانية واضحة، وهو ما دفع محللين إلى تشبيه الوضع الحالي بأنه “حالة استثناء غير معلنة” تمر بها البلاد.

متتبعون للشأن السياسي طرحوا مؤشرات اعتبروها تجليات لحالة استثناء غير معلنة يمر منها المغرب، وذلك في ظل توقيع عشرات الاتفاقيات الدولية دون الرجوع للبرلمان، وإصدار الداخلية قرارات دون الرجوع إلى رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، على رأسها منع بيع النقاب، والاتهامات الموجهة لوزارة حصاد بترسيب أساتذة متدربين، إضافة إلى البلاغات التي أصدرها الديوان الملكي ووزارة الخارجية ضد بعض الأمناء العامين للأحزاب.

وعاش المغرب في الستينيات، حالة استثناء أعلنها الملك الراحل الحسن الثاني بعد حل البرلمان، وذلك خلال فترة تسارعت فيها الأحداث السياسية، فبعدما تم التصويت على دستور 1962 وتنظيم أول انتخابات تشريعية عام 1963، قدمت المعارضة ملتمس رقابة ضد حكومة ابا حنيني في 1964، ليتم حل البرلمان والإعلان عن حالة الاستثناء في 1965، حيث احتدم الصراع حينها بين المؤسسة الملكية والأحزاب السياسية، خاصة الاتحاد الاشتراكي الذي كان يشكل أكبر حزب معارض حينها، بعد أن قام الملك بتجميع كل السلط بيده.

فهل فعلا يمر المغرب اليوم مجددا من حالة استثناء، لكنها غير معلنة؟.

أزمة بين القصر والبيجيدي

المحلل السياسي المعطي منجب، وصف الوضع السياسي الحالي للمغرب بأنه حالة “استثناء غير معلنة”، مشيرا إلى أن هناك أزمة سياسية في الظرفية الراهنة بين القصر وحزب العدالة والتنمية، تتمحور حول مساحة تحرك حزب المصباح في الحكم.

وأضاف أستاذ العلوم السياسية، في تصريح لجريدة “العمق”، أن القصر لم يكن راضيا على سياسية بنكيران “المنبرية” خلال الخمس السنوات من عمر الحكومة السابقة، خاصة في ظل الخطابات التي كان يلقيها رئيس الحكومة ويتحدث فيها عن كل شيء.

واعتبر المتحدث، أن “المخزن” يريد فرض شروطه على بنكيران قبل تشكيل الحكومة، بفرض الأحزاب الرباعية (الأحرار والحركة والدستوري والاتحاد) من أجل تحقيق أغلبية داخل الأغلبية الحكومية، وذلك بهدف دفع بنكيران إلى التشاور مع أخنوش قبل اتخاذ أي قرار، باعتبار رئيس التجمع الوطني للأحرار “زعيما مفروضا” في الحكومة.

وتابع قوله: “ما يحاول المخزن فرضه في تشكيل الحكومة هو مخالف للواقع السياسي الذي أعطى لأخنوش عددا قليل من المقاعد مقارنة بحزب رئيس الحكومة، وبنكيران هو المخول له دستوريا تحديد الأحزاب المشكلة للأغلبية”.

وأشار إلى أنهم “يحاولون إهانة بنكيران وإضعافه أمام الرأي العام وإظهاره أن لا سلطة له وأنه منزوي في منزله ولا حول ولا قوة له، وأن المخزن هو من يقرر وليس الناخب”، مضيفا بالقول: “قد ينتظرون انتهاء التمديد الذي منحه حزب العدالة والتنمية لبنكيران على رئاسة الحزب، وتنظيم انتخابات جديدة بعد 6 أشهر بدون بنكيران”.

كل هذه الأوضاع، يضيف منجب في تصريحه لجريدة “العمق”، تدل على أن المغرب يعيش حالة استثناء غير معلنة، في ظل غياب حكومة منتخبة من طرف الشعب، رغم مرور ما يقارب على 4 أشهر من انتخابات السابع من أكتوبر.

حكومة تصريف أعمال غائبة

أستاذ العلوم السياسية عبد الرحيم العلام، وصف بدوره الوضع الذي يعيشه المغرب منذ 4 أشهر، بأنه يشبه إلى حد بعيد حالة الاستثناء أو حالة الطوارئ، حتى ولو لم يتم الإعلان عنها رسميا، حسب قوله.

وأوضح أن هناك العديد من المؤشرات على هذا الموضوع، أبرزها عدم تمرير أكثر من 500 اتفاقية دولية على البرلمان، وتوقيعها دون إعلان تفاصيلها والجهات المستفيدة منها، ومردوديتها على عموم المواطنين.

واعتبر المتحدث في تصريح لجريدة “العمق”، أنه بالرغم من وجود حكومة تصريف الأعمال، “إلا أنها غائبة في الواقع ولا يشتغل فيها إلا وزيري الخارجية والداخلية، فحتى رئيس الحكومة تحول إلى ساعي بريد يرسله الملك لتبليغ بعض الرسائل للخارج، أو منشط سياسي لبعض اللقاءات والمناسبات”.

وأضاف أن “عددا من القرارات التي اتخذتها وزارة الداخلية دون وجود نص قانوني، مثل منع بيع البرقع، ومنع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من تنظيم أنشطتها في المؤسسات العمومية، ومنع مواطنين من ولوج الوظيفة العمومية بعد ترسيب 150 أستاذا متدربا وإقصاء عدد من الأساتذة المتعاقدين، بناء على تقارير وزارة الداخلية، وهي سابقة لا مثيل لها منذ ربع قرن أو أكثر، دليل على أن المغرب يمر من وضع استثنائي”.

وتابع قوله: “منذ ما يقارب نصف العام والميزانية تُصرف من دون رقيب ولا حسيب، والأحزاب السياسية يتم تهميش أعملها وإشاعة أجواء الخوف والرعب، حيث تم اصدار بلاغات وتصريحات – دون حق الرد – ضد أمناء عامين لأحزاب سياسية، حتى أنه لم يعد أحد يقدر على قول كلمة واحدة لا تسير وفق التوجه العام”، وفق تعبيره.

العلام قال إن اتخاذ مثل هذه القرارات والإجراءات والبلاغات من طرف وزارتي الداخلية والخارجية دون وجود نص قانوني، تعكش أن حالة الاستثناء لا تختلف كثيرا عن الوضع الحالي، حسب قوله.

انتظارية سياسية

بالمقابل، اعتبر المحلل السياسي محمد شقير، أن الوضع الذي يمر به المغرب حاليا هو “مسألة جاري بها بالعمل، وهي ليست المرة الأولى التي تقع، بل حدثت أيضا مع بنكيران خلال تشكيل حكومته الأولى في 2011، مع تفاوت في المدة الزمنية بين الحالتين”.

وأضاف شقير في تصريح لجريدة “العمق”، أن ما يعيشه المغرب الآن هو حالة “انتظارية سياسية”، مشيرا إلى أنه من الصعب القول بوجود حالة استثناء، على اعتبار أن حالة الاستثناء تتطلب أساسا الإعلان عنها بعد حل البرلمان، وهذا ما لا يوجد في الظرفية الراهنة، بل بالعكس كان هناك انتخاب رئيس مجلس النواب، حسب قوله.

وأوضح المحلل السياسي، أن عوامل عدة كانت وراء هذه “الانتظارية السياسية”، أبرزها عودة المغرب للاتحاد الإفريقي الذي جعل التركيز ينصب على الدبلوماسية الخارجية للمملكة، وهو ما أفقد التركيز على تشكيل حكومة بالمعايير التي أعلنها الملك في خطاب دكار.

وأضاف المتحدث ذاته، أن رهان تشكيل الحكومة تراجع أمام رهان العودة للاتحاد الإفريقي، وهو ما أدى إلى خلق هذه الانتظارية، خاصة وأن الزيارات المتتالية للملك إلى الدول الإفريقية، ودعوته في خطاب دكار إلى التركيز على القضايا الإفريقية في العمل الحكومي، لعبت دوار كبيرا في تشكيل الحالة الراهنة.

وأشار شقير في التصريح ذاته، إلى أن الفراغ الدستوري بخصوص مدة تشكيل الحكومة، ساهم أيضا في حالة “الانتظارية” التي تمر بها البلاد، وهو ما ظهر كذلك في تشكيل الحكومة السابقة، إلا أن المدة طالت أكثر في الفترة الراهنة، وفق تعبيره.

وتابع المحلل السياسي قوله، إن انتهاء حالة الانتظارية الحالية رهين بعودة الملك إلى أرض الوطن، وتحقيق توافق بين مختلف المكونات السياسية حول التشكيلة الحكومة الجديدة.