اقتصاد، ملف

مصفاة “سامير” .. القصة الكاملة لإعدام الشركة بتواطئ من الكل (الجزء 2)

المراحل التي مرت منها مصفاة “سامير”، مسارها وحيوتها ضمن النسيج الاقتصادي الوطني، قيمتها وأهميتها في ضمان الأمن الطاقي المغربي وكيف توقفت؟ ما هي خبايا الخروقات والتجاوزات التي ارتكبت في حق “لاسامير” وتسبب في إعدامها؟ وكيف يتم تسييرها اليوم؟ تحملاتها وكلفة اشتغالها وكلفة توقفها؟

جملة من الأسئلة تطرحها “العمق” في ملف “القصة الكاملة لإعدام مصفاة “سامير”، في محاولة للإجابة عنها عبر أجزاء تكشف خلالها خبايا معلمة اقتصادية مغربية أريد لها أن تموت قبل الموعد، وتأتي بعد ذلك محاولات للإنقاذ قبل أن تنتهي مؤخرا بقرار الحكومة القاضي بكراء خزانات شركة لاسامير.

خوصصة “مغشوشة”

اعتبر التقرير الذي أعدته الجبهة الوطنية لإنقاذ “سامير”، أن الطريقة التي تمت بها خوصصة الشركة غير شفافة، ذلك أن الوزير المعين قرر تفويت المصفاة الوطنية إلى مجموعة “كورال القابضة” في إطار عملية بيع توافقي وبتعتيم شامل، في حين أن لجنة التفويت هي الجهة الوحيدة المختصة بتحديد مساطر نقل الشركات العامة إلى القطاع الخاص وإجراء المناقصة لخوصصة الشركة.

وكشف التقرير أن برنامج الخوصصة يسعى إلى المضي قدما في أربعة مراحل؛ وهي اكتتاب عن طريق العرض العمومي للبيع يغطي 25 في المائة من الرأسمال الاجتماعي أي ما يعادل 5 ملايين و160 ألف و375 سهما، بسعر 243 درهما للسهم الواحد كمرحلة أولى، ثم إحالة 3 في المائة من الرأسمال للعاملين في المصفاة كمرحلة ثانية، وبيع حصة ما بين 35 إلى 51 في المائة من رأس المال عن طريق المناقصة، إلى كونستريوم من حملة الأسهم كمرحلة ثالثة، واكتتاب عام ثاني يغطي الجزء المتبقي من رأس المال أو نسبة 21 إلى 37 في المائة من إجمالي الأسهم كمرحلة رابعة وأخيرة.

وأكد التقرير أنه كان على الدولة الحفاظ على حصة وزانة من رأس المال بعد بيع المصفاة إلى مشتر مختص في مجال التكرير، حيث ستحضر في رأسمال الشركة وتحافظ على مقعد في مجلس إدارة الشركة والتحقق من مدى ملائمة الخيارات الإستراتيجية للمساهمين الجدد وطريقة تسييرهم ومدى احترام الالتزامات التعاقدية، خاصة فيما يتعلق بالاستثمارات الصناعية كأداة تأهيل وتطوير وسائل الإنتاج.

ويورد التقرير، أنه في المرحلة الرابعة من مخطط التفويت انسحبت الدولة بشكل كامل من رأسمال الشركة في ماي 2007، وتفويت حصتها بالكامل للمجموعة القابضة البترولية كورال، التي انتقلت حصتها في رأس مال سامير إلى 67.7 في المائة وإلى 73.9 في المائة من رأسمال الشركة الشريفة للبترول.

وكان سعر التفويت الذي دفع خلال سنتين يناهز 380 مليون يورو، أي ما يقارب 4 ملايير درهم. وأثناء عملية الدمج لهياكل المصفاتين في عام 1999، تعهدت مجموعة كورال بإنجاز برنامج استثمارات قيمتها تقدر بـ 4.6 مليار درهم والتي لم تنجز قط. وحسب التقرير، فإن انسحاب الدولة وغيابها عن مجلس الإدارة سهل المأمورية لمجموعة كورال لتنتهك التزاماتها التعاقدية وتتنصل من واجباتها فيما يتعلق بالاستثمار.

خرق في تحملات الخوصصة

سجل التقرير وجود جملة من الخروقات التي همت دفتر التحملات المتعلق بعملية التفويت، حيث إن عقد التفويت بالتراضي لم يطابق دفتر التحملات الذي حددته لجنة التفويت ومصالح وزارة المؤسسات العمومية والخوصصة. ولم يستبعد التقرير أن تكون هناك تسهيلات منحت في الخفاء، إذ احتفظ جزئيا بالشروط الواردة في دفتر التحملات، وهو ما اعتبر التقرير امتيازا غبر مبرر للمفوت له.

تلاعب في سوق الأسهم

أشار التقرير إلى أن الاكتتاب العام الذي هم شركة سامير في مارس 1996 وتفويت الشركة إلى مجموعة كورال لمالكها محمد حسين العمودي في ماي 1997، يكاد يكون متزامنا مع الشروع في استغلال نظام التجارة الاليكترونية في مارس 1997 في سوق الأسهم في الدار البيضاء. وقرر مجلس إدارة بورصة القيم، حينها، أن المعالجة الاليكترونية بالنظام الجديد ستهم فقط الأسهم ذات السيولة، أما الأسهم الأخرى الأقل سيولة، فستظل في حكم التقييم بالمزاد العلني.

إقرأ أيضا: مصفاة “سامير” .. القصة الكاملة لإعدام الشركة بتواطئ من الكل (الجزء 1)

كانت عملية إدراج سامير أهم عملية اكتتاب في تاريخ سوق الأسهم بالدار البيضاء (1.25 مليار درهم) وكان سهم سامير الأكثر سيولة. وحددت خوارزمية نظام التقييم الاليكتروني، بحسب التقرير، تطور سهم سامير نحو الانخفاض، أخذا بعين الاعتبار حالة دفاتر الطلب الشيء الذي لم يوافق انتظارات وزير الخوصصة حينها. وبقرار سياسي وبأسلوب إداري و”تواطؤ” مع الإدارة العامة لسوق الأسهم، تم سحب سهم سامير من منظومة التقييم الاليكترونية وظل خلال عدة شهور تحدد قيمته إداريا إلى حين استكمال الصفقة الرضائية مع مجموعة كورال.

إخفاق مؤسسات الرقابة

كانت وزارة الاقتصاد والمالية ووزارة الخوصصة، حينها من المؤسسات التي وقعت عقد سامير إلى جانب مجموعة كورال، لذلك كان من اللازم أن تعملا على ضمان احترام شروط بالعقد، غير أن الشروط لم يتم الوفاء بها من طرف مجموعة كورال التي اقتنت شركة سامير، خاصة فيما يتعلق بالتزامات الاستثمار والتي تغطي برنامجا بـ 4.6 ملايير درهم مقابل الحماية التعريفية لمدة خمس سنوات إضافية.

ويورد التقرير أنه تم اكتشاف إخلال بالتزامات الاستثمار في نونبر 2002، وهي السنة التي عرفت مدينة المحمدية هطول أمطار غزيرة تسبب في فيضانات وحريق في مرافق شركة سامير، وحرمان المغرب من جميع قدرات التكرير لعدة أشهر.

ولم يكن الحل حينها سوى اللجوء إلى الموزعين، حيث تم تمكينهم من الخفض التدريجي للرسوم الجمركية وحصلوا على التصريح بالاستثمار في وحدات التخزين، كما تم التوقيع على اتفاقية مع الدولة لإعادة تأهيل المصفاة في سنة 2004 من أجل تنفيذها ابتداء من انجاز استثمار يناهز 6 ملايير درهم، تمول الأبناك حصة بـ 4.8 ملايير درهم.

مسؤولية وزارة الطاقة

حمل التقرير مسؤولية غياب الرقابة أيضا إلى وزارة الطاقة والمعادن، حيث إنها لم تقم بواجبها فيما يتعلق باليقظة واتخاذ الاحتياطات اللازمة، حيث تعتبر هذه الوزارة مسؤولة عن أمن المواقع الصناعية لقطاع النفط واحترام المعايير البيئية، غير أنه منذ سنة 1997 إلى سنة 2002 لم يكن هناك أي تحذير لمالكي شركة سامير أو إدارتها، ولم يتخذ أي إجراء.

ديون الجمارك  

تقدر الديون الإجمالية لشركة سامير بأكثر 44 مليار، بما في ذلك 13.5 مليار درهم كقرض الحيازة من إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة. ويمثل هذا المبلغ ما يقرب من 20 في المائة من رقم معاملات الدولة فيما يتعلق بالقيمة المضافة على الواردات، والضريبة الداخلية على الاستهلاك المطبقة على المواد الطاقية والتعريفات الجمركية (68.8 مليار في عام 2015، و75.7 مليار درهم عام 2017).

فشل التسيير الخاص

اتخذت الدولة في سنة 1997 قرار تفويت شركة سامير إلى الخواص، حيث آلت إلى مجموعة  صغيرة وليدة القطاع الخاص ولم يكن الأمر يتعلق بمجموعة الشيخ محمد حسين العمودي الحالية التي تملك 8 ملايير دولار من الأصول مما يجعل منها الثروة الثانية بالمملكة العربية السعودية والمصنفة في الرتبة 80 حسب بيانات سنة 2014، بعد أن كانت مرتبتها 43 من بين أكبر الثروات في العالم سنة 2009 وفق تصنيف مجلة فوربس.

وبدل تفويت شركة سامير إلى شركة من الشركات البترولية الكبرى، وضعت الدولة مستقبل صناعة التكرير المغربية في يد مجموعة صغيرة غير معروفة حينها. ولم يف الشيخ العمودي بالتزاماته بخصوص الاستثمار والزيادة في رأس المال، حيث إنه في سنة 2011 اكتملت مرحلة الاستثمار بسامير، لكن الصعوبات المالية التي تواجهها الشركة أصبحت ثقيلة.

وبلغت الديون مستويات كبيرة لم يعد بالإمكان التحكم فيها، وأصبحت المصارف تطالب بخطة لإعادة جدولتها. وصادقت الجمعية العامة على زيادة الرأسمال بـ 1.75 مليار في ماي 2012، غير أن ذلك لم ينفذ بسبب عدم التزام العمودي، وعدم وفائه بديونه اتجاه دائني الشركة.

يتبع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *