منوعات

العلام يكتب: عوامل تعيق تطبيع المغرب مع “إسرائيل”

في سياق المحاولات الأمريكية لدفع الدول العربية نحو التطبيع مع “إسرائيل”، شرعت بعض التحليلات في التكهن بالدول التي ستخطو الخطوة الموالية، ومن هذه الدول التي يتم ترشيحها من بعض المتابعين للقيام بهذا المسلك السياسي، يحضر اسم المغرب. ولأن التحليلات لا تأتي من فراغ، فإنه من المؤكد أن هناك عناصر استند عليها “المتكهّنون” لتعضيد تصوراتهم، إذ من الوارد الاستناد إلى عاملين أساسيين على الأقل؛ يتمثل الأول في سابقة التطبيع الرسمي الذي كان قبل سنوات من خلال مكتب الاتصال المغربي “الإسرائيلي”، والذي أغلقه المغرب سنة 2000 استجابة للمطالب الشعبية، والاحتجاجات المتواصلة على الدبلوماسية المغربية من أجل وقف التطبيع، سيما في ظل الجرائم “الإسرائيلية” ضد الفلسطينيين. أما العامل الثاني، فهو امتلاك الولايات المتحدة الأمريكية عناصر ضغط قوية من شأنها التأثير على الموقف المغربي سيما قضية الصحراء.

ولئن كان من شأن العوامل المتحدث عنها أعلاه، أن تشكل معطيات يمكن البناء عليها من أجل استنتاج إمكانية التطبيع بين المغرب و”إسرائيل”، فإن هناك عوامل أخرى تجعل التطبيع صعبا، وقد تعيقه، وحتى إذا تحقق فإن إمكانية صموده ستكون شبه مستحيلة، والتي من ضمنها:

رئاسة لجنة القدس حائل قويّ

قد تبدو، لمن لا يُمعِن النظر، أن رئاسة المغرب للجنة للقدس مسألة ثانوية، يمكن تجاوزها إذا ما أراد النظام السياسي التوجه نحو التطبيع مع “إسرائيل”. غير أن تعميق النظر، لا يجعل الأمر على هذا النحو، وذلك بالنظر إلى الرمزية الكبيرة التي تحوزها هذه الرئاسة، سيما في ارتباطها بالمؤسسة الملكية، وفي قلبها “إمارة المؤمنين”، وما يستتبعه ذلك من تأثير خارجي وأكثر منه داخلي، في إطار التدافع مع بعض القوى السياسية التي تستثمر في الرأسمالي الديني. لذلك نرى أن هذه الحيثية قد تحول دون إضفاء الكثير من الحماسة على التطبيع، بصرف النظر عن عائداته الديبلوماسية، سيما في ظل تحولات القوة في العالم، ومتغيرات السياسة في الولايات المتحدة نفسها.

ضخّ دماء جديدة في التنظيمات المناهضة للتطبيع

قد لا تخطئ العين الراصدة، ضعف العديد من الهيئات التي كانت تجعل من مناهضة التطبيع، محور اشتغالها، وعنصر انتعاشها، وذلك بعد أن سُحبت منها العديد من العناصر التي كانت توظفها في سبيل حشد الدعم للفلسطينيين، وإخراج التظاهرات المناهضة للجرائم الإسرائيلة، وأيضا – وهذا هو الأهم في هذا التحليل – حجم التوظيف السياسي للتطبيع في سبيل معارضة النظام السياسي المغربي سواء بخصوص سياسته الداخلية أو الخارجية. إذ لطالما استثمرت الجماعات السياسية، التي هي في خصومة مع النظام السياسي، في العلاقة الرسمية العلنية، التي كانت بين المغرب و”إسرائيل”، الأمر الذي تم تجاوزه، بفعل إغلاق مكتب الاتصال في كل من الرباط و”تل أبيب”، مما أدى إلى سحب ورقة مهمة من يد هذه الهيئات.

وبالتبع، فإن من شأن أي خطوة رسيمة، في اتجاه التطبيع العلني مع “إسرائيل”، أن تُدبّ الحياة في جسم الهيئات المناهضة للتطبيع، وتُمكّن الجماعات السياسية المعترضة على النظام السياسي المغربي، من ورقة قوية تساعدها في عملية حشد المزيد من الأنصار، وتقوية عناصر النقد الموجهة ضد السياسة الرسمية المغربية.

تطرف ديني ينتظر في الزاوية

تتخذ مواجهة التطرف الديني في المغربي عدة أوجه، وتسلك مختلف المقاربات، لأن السلطة في المغرب تعي جيدا أن المقاربة الأمنية وحدها غير كافية من أجل مواجهة المد المتطرف، لذلك تركز على مقاربات أخرى مساعدة بل تكاد تكون أكثر تأثيرا، والتي من أهمها سحب مقومات التحريض من يد الجماعات الدينية المتطرفة، ومنعها من استقطاب الشباب بناء على تجييشهم ضد الحكم في المغرب، وتصويره على أنه “ضد الدين”، و”موالٍ للصهاينة”، وغيرها من العبارات التي قد تشكل حطب الاستقطاب والتحشيد.

لذلك، لا نتوقع أن يقدم المغرب على التطبيع، ليس خوفا من التنظيمات المتطرفة، لكن من أجل الاستمرار في استراتيجية مجابهة التطرف على مختلف الصعد، وسحب أية عناصر مساعدة على انتعاشه.

دول الجزائر، تونس وليبيا..حاضرة أيضا

إذا كانت رياح التطبيع قد جرت في صالحه خليجيا، فإنها بالتأكيد أتت معاكسة له في الدول المغاربية، مما يحول دون أن يستفرد المغرب بخطوة التطبيع بعيدا عن جيرانه، خاصة جاره الداعم لـ”جبهة البوليساريو”؛ إذ من غير الوارد أن تقدم الجزائر على خطوة التطبيع، وقد تكون آخر دول إسلامية أو عربية تقوم بذلك، نظرا لاعتبارات تاريخية وسياسية لا مجال للتفصيل فيها، تجعل النظام السياسي الجزائري يفكر مليون مرة قبل مصافحة أي سياسي “إسرائيلي”، وبالتالي لا يمكن للمغرب أن يسقط في فخ التطبيع، ويمنح الجزائر فرصة للاستثمار في الموضوع داخليا وخارجيا، سيما لدى مريدي الزوايا التي يحاول المغرب أن يجعل من أرضه مركزا روحيا لها. وأما تونس فإنه من الصعب تصور إقامة علاقات “إسرائيلية” معها، نظرا لقوة التيارات المناهضة للتطبيع داخلها سواء كانت يسارية أو يمينية، إضافة إلى أنها تعيش عديد مشاكل تجعل التطبيع آخر همومها، خاصة في ظل وجود رئيس دولة مناهض لإسرائيل، وحكومة قطب رحاها حزب النهضة، ويعارضها تيار يساري علماني مناهض للتطبيع. بينما تبقى ليبيا آخر دولة يمكن لحكام الولايات المتحدة الأمريكية الضغط عليها من أجل جرها إلى دائرة المطبّعين؛ فحتى لو اضطرا تيار “حفتر” التطبيع بسبب ضغوطات نظام “السيسي” في مصر، فإنه لن يستطيع القيام بذلك علنا، حتى لا يمنح فرصة للتيار المناوئ له، لكي يزايد عليه.

في ظل هذه الظروف، وسواء من حيث المبدأ أو من حيث البراغماتية السياسية، فإنه من غير الوارد أن يُطبّع المغرب رسميا وعلنيا مع “إسرائيل”، بينما جيرانه في أوجه مقاومتهم للتطبيع، أخذا في الاعتبار أيضا، أن المغرب منخرط في المساعي الحميدة لتقريب وجهات النظر بين أفرقاء الصراع في ليبيا، وأن أي خطوة تطبيعية لا محالة ستبعد قادة ليبيا عن أجوائه وترميهم في الحضن الجزائري، وربما لا داعي للتذكير بمزايدة نظام “القذافي” سنة 1986 عندما انتقد خطوة استقبال الحسن الثاني لـ “شمعون بيريز”. الأمر الذي أدى إلى انفكاك عقد “الاتحاد العربي الإفريقي”، الذي كان القذافي قد شكله مع الحسن الثاني سنة 1984، والذي كان محور بحث جامعي لمحمد السادس ولي العهد آنذاك بعنوان: “الاتحاد العربي الإفريقي واستراتيجية التعامل الدولي للمملكة المغربية”، الذي أنجزه رفقة زميله رشدي الشرايبي، سنة 1985؛ أي بعد مرور عام واحد على توقيع معاهدة الاتحاد.

وقد ورد في خاتمة البحث: “لقد سجلت ديباجة معاهدة وجدة إدراك الطرفين للأخطار التي تتعرض لها الأمة العربية والعالم الإسلامي عامة وفلسطين السليبة، والقدس الشريف بوجه خاص، نتيجة سياسة العنف والعدوان التي ما فتئ الصهاينة ينتهجونها عابثين بحرمات الإسلام ومقدساته، ومنتهكين لحقوق المسلمين والعرب بعد أن أخذتهم العزة بالإثم وأعماهم الكبرياء وتمكن منهم الغرور، فصاروا لا يأبهون بالمبادئ والمثل العليا التي يقوم عليها المجتمع الدولي، ولا يعيرون اهتماما للقرارات الصادرة عن المنظمات والمحافل الدولية على اختلاف مستوياتها”.

ومن أجل ذلك، اقترح ولي العهد محمد السادس وزميله في الدراسة: “لا شك في أن تحقيق هذه المقاصد يتطلب قيام تنسيق بين سياسة الدولتين تجاه الصراع العربي الإسرائيلي. فالصهيونية وإسرائيل تمثل خطرا مباشرا يهدد أمن وسلامة الدول العربية خاصة والعالم الإسلامي عامة. كما أنها تمثل نوعا من الاستعمار البغيض الذي يعرف بالاستعمار العنصري الاستيطاني. ولذلك، فإن إسرائيل، التي ساعد الاستعمار على وضعها في قلب الوطن العربي، هي حليفة للدول الاستعمارية وحامية لمصالحها في الشرق الأوسط وتعمل بشتى الوسائل لوضع العقبات أمام أي نوع من التقارب أو الوحدة بين البلدان العربية؛ لأن ذلك يؤدي إلى إحكام الحصار عليها ومنعها من التوسع على حساب الدول العربية المجاورة لها”.

في ختام هذا المقال، يجدر التنويه بأن ما ورد فيه يبقى تحليلا مستخلصا من وقائع تاريخية، ومستندا على بعض الاستنتاجات، غايته استشراف مستقبل موجة التطبيع المفروض أمريكيا (في عهد الرئيس ترمب)، بينما ستكون الأيام القادمة حاسمة في استمرار الضغوط الأمريكية على العرب من أجل التطبيع أو تخفيفها، سيما إذا نجح الديمقراطيون في دخول البيت الأبيض، إضافة إلى تحولات موازين القوى في منطقة ما يسمى بـ “الشرق الأوسط”، في ظل التقاطبات الإقليمية والدولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *