العطور المقلدة.. عبوات أنيقة تخفي وراءها مخاطر صحية على الإنسان والبيئة

تشهد الأسواق المغربية والعالمية انتشارا واسعا لظاهرة العطور المقلدة، التي تُباع بأسعار منخفضة وتغري المستهلكين بمظهرها المماثل للمنتجات الأصلية. ورغم جاذبيتها الشكلية، تحمل هذه المنتجات في عبواتها الأنيقة مخاطر جدية تمس صحة الأفراد وتلحق أضرارا بالبيئة.
غالبا ما تحتوي العطور المقلدة على مواد كيميائية مجهولة المصدر، تتسبب في تهيجات جلدية حادة واضطرابات تنفسية، بل وأحيانا تسممات خطيرة، نتيجة غياب معايير السلامة والجودة. كما أن المواد المستعملة في تركيبها وطرق التخلص غير الآمنة من بقاياها وعبواتها تساهم في تلويث المياه والتربة، وتزيد الضغط على المنظومات البيئية الهشة.
ولا يقتصر خطر العطور المقلدة على انخفاض جودتها أو ضعف ثبات رائحتها، بل يتجاوز ذلك ليشكل تهديدا مباشرا لصحة المستهلك، فغياب الرقابة على مكوناتها وطرق تصنيعها يجعلها بيئة خصبة لاستخدام مواد كيميائية خطيرة وغير مطابقة لمعايير السلامة المعتمدة في صناعة العطور الأصلية.
وفي هذا السياق، أكدت لمياء ذات الـ 24 ربيعا، في تصريح لجريدة “العمق” على معاناتها خلال اشتراء عطر مقلد من سوق شعبي بسعر أقل بخمس مرات من سعره الأصلي، وبعد ساعات من الاستخدام، ظهرت على بشرتها بقع حمراء وحكة شديدة، مما استوجب مراجعة مستعجلة لدى طبيب الأمراض الجلدية.
وأضافت لمياء أن الطبيب أكد لها على أنها تعاني من تفاعل تحسسي ناتج عن مركبات كيميائية في العطر تحتوي على نسب عالية من الميثانول والأصباغ الصناعية، مما استوجب أسابيع من العلاج بالمراهم الطبية والأدوية المضادة للحساسية للتعافي.
أنس هو الآخر، ذو 13 سنة، تلقى عطرا كهدية من أحد أصدقائه في عيد ميلاده دون أن يعلم أنه مقلد، وبعد أول استعمال، شعر بصداع قوي وضيق في التنفس استدعى نقله إلى المستشفى، لتظهر الفحوصات بعد ذلك أنه تعرض لتفاعل تحسسي حاد في مجرى التنفس بسبب الأبخرة المتطايرة من مواد تثبيت الرائحة الموجودة في العطر، مما استدعى علاج فوري بالأكسجين قبل أن تستقر حالته.
وتعتبر ظاهرة العطور المقلدة إشكالا متعدد الأبعاد، فهي ليست مجرد منتجات زهيدة الثمن تسوق في الظل، بل منظومة من المخاطر تمس الإنسان وبيئته في آن واحد، وهذا ما أوضحه المهندس في الصناعات الغذائية أيوب خوياني، نظرا لاحتوائها على مواد كيميائية غير خاضعة للرقابة، مثل المذيبات الصناعية والكحوليات غير الصالحة للاستعمال البشري.
وأكد المتحدث ذاته في تصريح له لجريدة “العمق”، أن هذه المكونات تسبب تهيجات جلدية، واحمرارا، وكذا طفحا جلديا أو حتى حروقا كيميائية، خاصة لدى أصحاب البشرة الحساسة، مضيفا أن استنشاقها قد يؤدي إلى تهيج الجهاز التنفسي، أو مشاكل مزمنة لمرضى الربو والأمراض الصدرية، بل وقد تحتوي على مواد مسرطنة على المدى البعيد، نتيجة استعمال مواد مجهولة المصدر وتفتقر لأي ضمانات مراقبة، تحت ذريعة الأسعار المنخفضة.
وفي ما يتعلق بالإجراءات الواجب اتباعها عند التعرض لمضاعفات صحية بسبب هذه العطور، شدد أيوب خوياني على ضرورة التوقف الفوري عن استخدامها، وغسل المنطقة المصابة بالماء والصابون برفق للتقليل من امتصاص المواد الضارة، مع التوجه الفوري للطبيب في حالة ظهور أعراض حادة مثل ضيق التنفس، إضافة إلى الإبلاغ عن المنتج للسلطات المختصة ومصلحة المستهلك من أجل سحبه من الأسواق.
من جهته حذر حسن أيت علي رئيس المرصد المغربي لحماية المستهلك، المواطنين من المخاطر الصحية والاقتصادية المترتبة عن استعمال العطور المقلدة المنتشرة في الأسواق المغربية، والتي غالبا ما تصنع من مواد كيميائية رخيصة ورديئة الجودة، قد تحتوي على مركبات سامة أو مهيجة للجلد والجهاز التنفسي.
وأبرز أن جهل المستهلك بمخاطرها الصحية، وغياب وعي كاف حول كيفية التمييز بين الأصلي والمقلد، فضلا عن انتشار البيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون مراقبة صارمة، من الأسباب الواضحة التي تساهم في انتشار هذه العطور واستعمالها.
وأوضح أيت علي، أن التدابير التي يتخذها المرصد لمحاربة هذه الظاهرة، تكمن في القيام بحملات توعوية عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل للتعريف بأضرار العطور المقلدة، إضافة إلى المطالبة بتشديد المراقبة على نقاط البيع، خاصة في الأسواق الشعبية والمتاجر الإلكترونية، ثم التعاون مع السلطات والجمارك لمنع دخول هذه المنتجات إلى السوق الوطنية، وكذا تشجيع المستهلكين على الإبلاغ عن أي مخالفات أو منتجات مشبوهة عبر قنوات الاتصال الخاصة بالمرصد.
معاناة قد تصيب أي مستهلك ينجذب للإغراء السعري دون وعي بالمكونات الخفية التي تحملها هذه العبوات، شأنه شأن الحالات التي صرحت لجريدة العمق المغربي بما آلت إليه تجاربهم مع العطور المقلدة، دون الإغفال عن الجانب البيئي، من خلال تسرب هذه المواد الكيميائية إلى الهواء والماء والتربة، لتشكل تهديدا طويل الأمد للنظم البيئية التي نعتمد عليها في حياتنا اليومية.
إن التصدي لهذه الظاهرة يتطلب وعيا فرديا يسبق قرار الشراء، وتشديدا رقابيا من السلطات، وتعاونا بين الجهات الصحية والبيئية والاقتصادية. فالعطر الذي يبدو بريئا في شكله وسعره قد يحمل ثمنا باهظا يدفع من صحة الأفراد وسلامة البيئة.
اترك تعليقاً