وجهة نظر

لا خيار للعرب فيما تبقى من زمن العولمة غير التكتلات الاقتصادية القوية

الظاهر أن صناع العولمة أخلفوا وعدهم، حين أوهموا دول الجنوب، والعرب جزء مهم منهم، أن العولمة تسمح بتنافسية متكافئة يفوز فيها الأفضل، وستمكن الدول المتخلفة من تجاوز تخلفها.

لقد فند الواقع، ما ذهبت إليه أمريكا، حيث ربطت تحقيق السلام في العالم وفي الشرق الأوسط خاصة بنجاح العولمة، إذ قال رئيسها السابق ” كلينتون” وهو يقود حملة العولمة: ” إن العولمة هي التي تحقق السلام العالمي، فالذين يبرمون صفقات تجارية رابحة بينهم لا يدخلون أبدا في حرب “.

لكن ما وقع، ومازال يقع، في الشرق الأوسط من تقتيل وتجويع للشعب الفلسطيني الأعزل، بيد إسرائيلية ودعم وسلاح أمريكيين. وما يقع من تشتت وتفتيت على مستوى هذه المنطقة الغنية بنفطها، دلائل قوية على أن ” نظام” العولمة قام ويقوم على ” قانون الغاب”. وكلما وجد صناعه مداخل، لخلق الصراع، والفتن، والتقتيل الداخلي، والحروب الأهلية، كلما سارعوا لتحقيق ذلك للهيمنة في المنطقة، لأنهم يعرفون قيمة الزمن السياسي والاقتصادي فيما يخص مصالحهم الاستراتيجية.

لقد أكد ” ميشيل جوبير ” وزير خارجية فرنسا سابقا في حديث له بعد مرور أسبوع على حرب الخليج الأولى، نقلته صحيفة ” الاتحاد الاشتراكي” المغربية في 02 فبراير 1991، أن من أهداف حرب الخليج:

فرض المراقبة المباشرة على منطقة الشرق الأوسط. وعبر مراقبة نفطها سيتوفر الأمريكيون على عناصر قوتهم العالمية.

إعادة تنظيم الشرق الأوسط تحت الوصاية الأمريكية.

مراقبة توزيع وتسعير البترول.

نزع سلاح المنطقة ومراقبة القنابل النووية.

وقد أضاف قائلا: ” لكن من الصعب تصور قبول اسرائيل أدنى تنازل فيما يخص الدولة الفلسطينية، والمراقبة النووية (…) “.

إن هذه المعطيات وغيرها كثير، مما يبدو للعيان عبر الفضائيات ووسائط التواصل الاجتماعي والانترنت، تؤكد حقيقتين:

أولهما- أننا مطالبين نحن العرب بالاستيقاظ من غفلتنا، والخوف كل الخوف إن استمر تغاضينا عن هذه الحقيقة، فنحن اليوم في مرحلة ضعف لم يسبق لها مثيلا. وقد أثار الانتباه إليها قبل عدة سنوات، عالم المستقبليات الدكتور المهدي المنجرة (رحمه الله) من خلال كتابه ” الإهانة “.

وثانيهما- أن لا خيار لنا للخروج من مآزقنا الاقتصادية والسياسية غير التكتلات الاقتصادية القوية: فكل شروط التكامل الاقتصادي، مازالت قائمة. إن القوي اقتصاديا، هو من يفرض شروطه دوليا ويهيمن إذا وجد الطريق السياسي معبدة لذلك.

وما من شك، أن قراءة متمعنة في تاريخ أوروبا الغربية وكذلك في تجارب النمور الأسيوية وغيرها، وأزماتها، تفيدنا كعرب، سواء تعلق الأمر بدور الدولة، أو بكيفية التعامل مع القطاعين العام والخاص، أو مع المستثمرين الوطني والأجنبي. وهي تؤكد أن لا كلمة في الساحة الدولية، إلا للقوي.

إن تصالح العرب فيما بينهم بناء على قاعدة ” لا غالب ولا مغلوب “، وتنظيم صفوفهم في إطار تجمعات اقتصادية قوية، حل يفرضه المستقبل العربي. فلا مستقبل للدول وللشعوب العربية، في غياب وحدة كلمتهم السياسية.

التكتلات الاقتصادية العربية، هي التي بإمكانها مع توفر شرط الإرادة السياسية أن تجبر أمريكا وروسيا وأوروبا وغيرها من الدول القوية على تغيير سياساتها تجاه العرب. كما أن هذه التكتلات تفرضها ضرورة الدفاع عن الهوية العربية الإسلامية، لأن صناع العولمة يحاولون جادين توحيد نمط الاستهلاك. وبمعنى أوضح، يهدف صناع العولمة المتوحشة إلى عولمة القيم الاستهلاكية ضاربين بعرض الحائط احترام الأديان والتاريخ والجغرافيا والثقافات العالمية، وذلك لتحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي لشعوبهم. وسيلتهم لتحقيق ذلك، وسائل الإعلام، وكل ما من شأنه أن يحقق مصالحهم الاستراتيجية.

والغريب، أنهم يتبنون خطاب الديمقراطية وحقوق الإنسان، في حين أنهم يعتبرون الفلسطيني معتديا، والاسرائيلي مدافعا عن حقه.

إن الشعوب العربية تتوق إلى توحيد الكلمة العربية، ونهج السبل الكفيلة لتحقيق تنقل الإنسان، والسلع، ورؤوس الأموال، داخل الوطن العربي، دون قيود. وهي تريد أن ترى المال العربي مستثمرا في الأرض العربية.

وكم هي السعادة كبيرة، ونحن نرى إخواننا الليبيين يجتمعون في المغرب، ويكررون اجتماعاتهم، من أجل إعادة قوة ليبيا بالنفط وبثروتها البشرية. وستكون السعادة أكثر لدى كل شعوب المنطقة المغاربية حينما سترى ” اتحاد المغرب الكبير” حيا، وواقعا معاشا. ولدى شعوب دول الخليج العربي، حينما سترى دولها تلتئم وتلتحم من جديد وتعيد القوة ل ” مجلس التعاون الخليجي “.

إن الشعوب العربية تقول، إنه من دون الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ومن دون الحريات العامة، حرية الصحافة أساسا. وبدون تحقيق لدولة الحق على أرض الواقع، لن يكتب لأي دولة عربية أن تقلع اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا.

مجمل القول، لن يتأتى لنا نحن العرب تجاوز تحديات وإكراهات ما تبقى من زمن العولمة الجارفة، والتفاوض بقوة، وحفظ كرامة الإنسان العربي والمسلم، إلا بوجود تكتلات اقتصادية قوية. وشرط وجودها، توفر إرادة سياسية عربية حقيقية.

فهل ستتظافر الجهود من أجل تصالح العرب مع ذواتهم؟

* إعلامي وباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *