منتدى العمق

معالم العدالة الضريبة تغيب عن مشروع قانون المالية لسنة 2021

يعد قانون المالية من بين القوانين المرنة أو المطاطية حسب منظور الأستاذ سيريل لوران في أطروحته عن ” التأطير المعياري للسياسات الموازنية على عهد الجمهورية الخامسة”. بحيث يعتبر هذا الأخير أن قانون المالية هو مجموعة من القواعد التي تبقى قانونيتها محل للنقاش، و بصيغة أكثر تبسيطا فإن قانون المالية يصنف من بين القوانين المرنة لكونه لا يتضمن التزامات قانونية مرتبطة بالجزاء كما هو الشأن مثلا بالنسبة للقانون الجنائي، بل هو عبارة عن تجسيد رقمي لتصور الدولة للتدبير العمومي داخل سنة مالية معينة. وعندما نقول تصور الدولة للتدبير العمومي فنحن نقصد أن قانون المالية هو تلك المرآة التي تعكس لنا صورة واضحة عن منحى التدبير العمومية لسنة مالية معينة و نستشف منه أيضا أولويات الحكومة في تلك السنة …الخ، وانطلاقا من هذا فان قانون المالية يتقاطع بشكل أفقي مع مختلف القطاعات كانت اقتصادية، اجتماعية أو استثمارية .. الخ، وهذا ما يجعله محلا للنقاش العمومي والأكاديمي والسياسي والنقابي أيضا ، هذا النقاش الذي يبرز في الفترة الفاصلة بين الاعلان عن مشروع من قبل الحكومة وكذا المصادقة النهائية عليه من قبل البرلمان، بحيث تعد تلك الفترة بمثابة فرصة سامحة بالنسبة لكل المتدخلين رسميين كانوا أم غير رسميين كي يمارسوا ضغطهم قبل المصادقة النهائية عن المشروع من قبل البرلمان ومن ثم اعتماده.

ولم يعرف مشروع قانون المالية رقم 65.20 ، للسنة المالية 2021 استثناء من هذه القاعدة بل كان له نصيب من النقاش العمومي، خصوصا والسياق الاستثنائي والمميز الذي يعرفه المغرب حاليا والناتج عن موجة الجفاف التي يعاني منها البلد بالإضافة الى الازمة الناتجة عن جائحة كورونا ، وقد حصد الشق المتعلق بالمساهمة الاجتماعية للتضامن على الارباح والدخول حصة الأسد من ذلك النقاش العمومي والذي سوف نتطرق للحديث عنه بالتفصيل من خلال هذا المقال.

ان احتلال المساهمة الاجتماعية للتضامن على الأرباح والدخول قسم بالكامل من المدونة العامة للضرائب بناء على ما جاء في مشروع قانون المالية لسنة 2021 يعكس حجم الأهمية التي توليها الحكومة لهذا المشروع المجتمعي الهادف إلى تعميم نظام التغطية الصحية بالمغرب ولعل هذا التنصيص في مشروع قانون المالية لسنة 2021 يشكل ترجمة للتوجيهات العامة التي تضمنها الخطاب الملكي السامي أمام مجلسي البرلمان والذي شكل خارطة طريق بالنسبة للحكومة جراء إعدادها لمشروع قانون المالية لسنة 2021 ، ولعل فكرة تعميم نظام التغطية الصحية لم يلقى أي اعتراض من قبل مختلف الفاعلين الرسميين وغير الرسميين، بل على العكس من ذلك لقي المشروع ترحيبا كبيرا من قبل الأغلبية نظرا لكونه يخدم مصلحة فئة كبيرة من المجتمع لاسيما الهشة والتي لا يحتويها نظام التغطية الصحية، والذي أبانت لنا الأزمة الوبائية الناتجة عن تفشي فيروس كورونا مدى أهميتها، والسؤال الدي قد يتبادر في ذهن الكثيرين الآن هو، بما أن مسألة تعميم نظام التغطية الصحية يخدم الصالح العام ومرحب به من قبل الأغلبية فما الفائدة إذن من هذا النقاش المثار حاليا حول هذا الموضوع ؟ ولعل الجواب عن هذا السؤال يجب أن يستهل بتوضيح بسيط ، وهو أن النقاش المثار حاليا في الساحة العمومية لا يدور حول تعميم نظام التغطية الصحية كفكرة، وانما يدور حول الكيفية التي تنوي الحكومة اعتمادها من اجل جمع المساهمات وكذا الانتقائية التي اعتمدتها في تحديد الأشخاص المفروضة عليها هذه المساهمة ، فان فكرة تبني هذا النوع من الضرائب التضامنية في مشروع قانون المالية لسنة 2021 هو أمر محمود انطلاقا من وجهة نضرنا المتواضعة، وذلك لاعتبارين أساسيين أولهما الظرفية التي يمر منها المغرب حاليا جراء الجائحة والتي جعلتنا في وضعية تحتم على الجميع ان يتحمل وبصفة تضامنية وكذلك بشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها التكاليف التي تطلبها تنمية البلاد وكذا تخطي هذه المرحلة وذلك طبقا للفصل 40 من دستور المملكة لسنة 2011 ، ومن جهة ثانية وبمنظور انطروبلوجي فان معظم المغاربة لديهم قابلية واستعداد للمساهمة وتقديم كل ما بوسعهم تقديمه بغية المضي قدما نحو تخطي الأزمات الاستثنائية وكذا تحقيق التنمية التي نأملها جميعا لهذا البلد، وروح التضامن هذه هي متجذرة في الثقافة المغربية منذ القدم، بحيث نستحضر ضريبة المساهمة في اعادة بناء مدينة أكادير بعد زلزال أكادير، و كذلك حجم المساهمات المقدمة لصندوق كورونا الى غير ذلك من المناسبات التي اعرب من خلالها مختلف المغاربة عن روح وطنية وتضامنية عالية، لكن ما لم نتفق معه في هذا النطاق هو نفس الشيء الذي لم يتفق معه الكثيرون وهو ما يتعلق بعدم مراعات المقدرة التكليفية للملزمين المعنيين ب هذه المساهمة المنصوص عليها في الفصل 39 من الدستور، وكذا مخالفة الفصل 40 من نفس الدستور عند اعتماد اسلوب الانتقائية في تحديد الاشخاص المعنيون بهذه المساهمة في حين ينص مستهل الفصل المذكور على أنه ( على الجميع أن يتحمل بصفة تضامنية التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد وكذلك الناتجة عن الأعباء الناتجة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد)، وفي هذا مساس بأهم مبدأين من مبادئ الضريبة ألا وهما المساوات والعدالة الضريبيتين وسوف نعلل وجهة نظرنا هذه في الآتي:

أولا يجب التعامل مع مشروع مجتمعي ضخم ومهم كهذا والذي يهم شريحة مهمة من المجتمع، مساهمة كانت أم مستفيدة بنوع من التبصر و البرمجة المتعددة السنوات، فكيف يمكننا الحديث عن صندوق دائم في حين أن الطريقة التي يمول بها الصندوق مطبوعة بعدم الثبات؟ ! بحيث يمكن أن تتغير طريقة التمويل هذه في قانون المالية لسنة 2022 أو 2023 …، وهذا من شأنه أن يجرد هذا المشروع من مصداقيته بحيث تبقى طريقة تمويله معلقة بيد وإرادة الحكومة وفقا لما تراه مناسب.

كما أنه يجب التفكير في التمويل الذاتي والدائم للصندوق بحيث لا يعقل أن تستمر الحكومة في إثقال عبء الملزمين الضريبيين ولاسيما ذوي الدخل المتوسط والذي يقدر دخلهم الشهري ب 10 آلاف درهم، بشكل مطلق ودائم مقترن بديمومة الصندوق، بل على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها من خلال ابتداع طرق أخرى لتمويل هذا الصندوق خصوصا وأن هناك ما يقارب حسب تعبير الوزير المكلف بالمالية 22 مليون مواطنة ومواطن مغربي أي أزيد من 50 بالمئة من عدد المغاربة الذين سيستفيدون من نظام التغطية الصحية بفضل هذا الصندوق، ويجب أن تتذكر الحكومة دوما على أن النظام الضريبي بالمغرب هو في حاجة ملحة إلى إصلاح جوهري وتنزيل فعلي وفعال لما خلصت اليه المناظرات الوطنية الثلاث من توصيات، ويجب أن تعلم أيضا أنه حان الوقت لاعتماد نظام ضريبي تصاعدي يشمل كافة الضرائب وذلك إعمالا لمبدأ العدالة الضريبية، خصوصا وأن تاريخ الضريبة في العالم أنتج لنا معادلة مهمة وهي لا سبيل للإصلاح الضريبي الى بتبني نظام ضريبي تصاعدي يؤدي من خلاله الكل بحسب مقدرته التكليفية وذلك بناء على عدة تجارب في العديد من الدول.

كما أن المادة 6 من مشروع قانون المالية لسنة 2021 والمعدلة للمادة 267 من المدونة العامة للضرائب نصت على أنه سوف يتم إحداث مساهمة اجتماعية للتضامن، هذه المساهمة سوف يتم فرضها على الأرباح والدخول، كما حددت نفس المادة، من هم الأشخاص أصحاب الأرباح والدخول المعنيون بهذه المساهمة، والذي يمكن تصنيفهم إلى نوعين الأشخاص الذاتيون من جهة والشركات من جهة ثانية ، فبخصوص الشركات فليست كلها معنية بهذه المساهمة بل تستثنى منها تلك المعفاة من الضريبة على الشركات وكذا الشركات التي تزاول نشاطها ضمن منطقة التسريع الصناعي، وأخيرا شركات الخدمات التي تستفيد من النظام الجبائي المنصوص عليه لفائدة القطب المالي للدار البيضاء، و نستشف مما سلف على أن الشركات التي تستفيد مسبقا من الإعفاء الكلي أو الجزئي من الضريبة على الشركات هي معفاة أيضا من هذه المساهمة وكأنها مستثناة من قاعدة التضامن المنصوص عليها في الفصل 40 من الدستور والذي جاء فيه، ” على الجميع أن يتحمل بصفة تضامنية … الى نهاية الفصل “، وفي نفس الوقت تم فرض هذه المساهمة على الشركات التي تساهم في تغطية الأعباء العمومية بشكل أو بآخر من خلال أدائها للضريبة على الشركات، أما فيما يخص الأشخاص الذاتيون المعنيون بهذه المساهمة وفقا لما جاء في نفس المادة فهم:

_الأشخاص الذاتيين الذين يحصلون على دخول مهنية

_ الأشخاص الذاتيون الذين يحصلون على دخول فلاحية مفروضة عليها الضريبة

_ الأشخاص الذاتيون الذين يحصلون على دخول الأجور والدخول المعتبرة في حكمها

_ الأشخاص الذاتيون الذين يحصلون على دخول عقارية

وهذا ما يعكس لنا وبصورة واضحة عدم التكافؤ والانتقائية المعتمدة في فرض هذه المساهمة بين الشركات وشريحة الأشخاص الذاتيين من جهة وبالنسبة للأشخاص الذاتيين فيما بينهم من جهة أخرى، حيث أن أصحاب الأجور سوف يؤدون لا محال هذه المساهمة لأن دخلهم معلوم ، كما أن الضريبة تقتطع من المنبع بالنسبة لهذه الشريحة ، بينما أصحاب الدخول الغير معلومة والذين يؤدون الضرائب بناء على تصريحاتهم، فهناك امكانية لعدم تصريحهم بالدخول أو حرصهم على أن يكون تصريحهم تحت العتبة التي تجعلهم معنيون بهذه المساهمة وهي 10 آلاف درهم شهريا، وهذا ما يدفعنا لطرح التساؤل الآتي:

كيف يمكننا تصور مشروع مجتمعي كهذا يهدف الى تحقيق نوع من المساواة بواسطة الضريبة من خلال ضريبة لا تبدو عليها أدنا معالم المساواة أمام الضريبة؟

كما جاء أيضا في نفس مشروع قانون المالية على أن الشركات التي يقع ربحها الصافي في شريحة 5 ملايين الى 40 مليون درهم سوف تؤدي نسبة 2.50% من ذلك الربح كمساهمة في الصندوق أما الشركات التي يفوق ربحها الصافي 40 مليون درهم فسوف تؤدي 3.50% من ذلك الربح كمساهمة، أما بالنسبة للأشخاص الذاتيين الذين يعادل أو يفوق مبلغ دخلهم السنوي 120 ألف درهم فقد تحتسب مساهمتهم وفق سعر 1.50% من قيمة ذلك الدخل، وبصورة أكثر تبسيطا فإن الأشخاص الذاتيون المعنيون بالمساهمة والدين يقدر دخلهم الشهري ب 10 آلاف درهم على الأقل سوف يؤدون نسبة 1.50% من ذلك الدخل أي 150 درهم عن كل شهر بينما الشركات المعنية بالمساهمة لا تؤدي الى اذا بلغ ربحها الشهري الصافي تقريبا 416666.7 درهم على الأقل، أي ما يعادل ضعف 42 مرة دخل الأشخاص الذاتيين المفروضة عليهم الضريبة.

ذلك ناهيك عن الاستناد في فرض هذه المساهمة على الأسعار النسبية بدلا من الأسعار التصاعدية مما يجعلنا بعيدين بأشواط عن مفهوم العدالة الضريبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *