وجهة نظر

لهذا المغرب متفوق أخلاقيا على الجزائر في نزاع الصحراء

إن النظام الجزائري متورط في دعم الانفصال في الصحراء المغربية منذ حوالي نصف قرن، ومن اليوم الأول لظهور جبهة البوليزاريو وحتى اليوم. ويحاول نظام العسكر التغطية على موقفه العدائي هذا بمجموعة من الشعارات من قبيل دعم “حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره”، ومناصرة قضايا التحرر.. غير أن هذه الشعارات وفي أحسن الأحوال هي حق أريد به باطل. وفيما يلي جملة من الأسباب التي تظهر تهافت خطاب النظام الجزائري وبؤس موقفه:

1- إن مبدأ تقرير المصير الذي اشتهر بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وأصبح أساسا لاستقلال الشعوب المستعمرة، كان المقصود به الشعوب التي عانت من نير الاستعمار الامبريالي في أواخر القرن 19 وحتى منتصف القرن 20، ولا يوجد من بين هذه الشعوب شيء اسمه الشعب الصحراوي، كما أن تاريخ الغرب الإسلامي على الأقل منذ الفتح الإسلامي وحتى سبعينيات القرن الماضي يخلو من أي كيان يمكن أن يشكل أساسا مستقلا لهوية سياسية خاصة سواء كانت صحراوية أو أمازيغية.. في المنطقة ومن ثم، فالاتكاء على هذا المبدأ لتأييد أطروحة الانفصال باطل وفاسد.

ومن ناحية أخرى، إذا كانت الجزائر صادقة في الدفاع عن هذا المبدأ، لماذا لا تدافع عنه في حالة نزاع الطوارق مع مالي في جنوب الصحراء، حيث تعمل وسعها من أجل تسوية سياسية تحت السيادة المالية؟ ولماذا لا تطبقه مع النَّزعات الانفصالية في منطقة القبائل؟ ولماذا لا تؤيده في كتالونيا؟ ولماذا لا تدافع عنه في تركيا مع الأكراد؟.. وإذا تعلق الأمر بكون أن الأمر يتعلق بالأمم المتحدة وتصنيفها لنزاع الصحراء على أنه استعمار، فاتركونا وشأننا مع الأمم المتحدة. ثم أن -وهذا الأهم- هل الأمم المتحدة هي معيار الحق من الباطل في القضايا العادلة، ويكفي في هذا الباب النظر إلى قصة الأمم المتحدة مع فلسطين؟

2- يقول البعض، أن أهل الصحراء في فترة الاحتلال الإسبانب قاموا للدفاع عن أراضيهم، وهم الذين حرروها من الاستعمار الإسباني، وبالتالي لا حق للمغرب فيها، بعدما حررها أهلها من الاستعمار، وأن المسيرة الخضراء هي مجرد مسرحية لشرعنة الاحتلال..، وهذا أيضا كلام باطل وفاسد. يعلم المؤرخون أن الكفاح المسلح من أجل تحرير الصحراء لم يكن صحراويا محضا، بل شارك فيه الكثير من أهل الشمال، والذين لا زال بعضهم حيا إلى اليوم، كما أن أسلوب المقاومة الذي نهجه المغاربة ضد الاستعمار كان -دائما- يعتمد في جانب كبير منه على سكان المناطق المحتلة، وهذا حال مقاومة الريف وجبالة والأطلس، وبالتالي القول بأن أهل الصحراء قاوموا الاحتلال -وهو أمر صحيح ولو أنهم لم يكونوا وحدهم- لا يعني أبدا شرعية الانفصال بما قاموا من أجله، وإلا أمست كل قرية وقبيلة وناحية مستقلة بدعوة أنها قاومت الاحتلال؛

3- إن المغرب ضحى برجاله وسيادته وماله.. من أجل الجزائر المستقلة، ولعل أكبر الشواهد حرب إسلي سنة 1844م، وما بعدها، التي كانت السبب في احتلال جزء من المغرب من طرف فرنسا انطلاقا من التراب الجزائري، وذلك بسبب دعمنا الواضح لمقاومة الأمير عبد القادر، وأيضا دعمنا القوي لثورة التحرير التي شارك فيها المغاربة بكل فعالية، لكن للأسف الشديد -وهذا ما لايعرفه الكثيرون- أن قادة الثورة الجزائرية لم يعتبروا أبدا هذه التضحيات، بل أكثر من ذلك خانوا التعهدات التي تعهدوا بها للمغرب في فترة الثورة، وفي مقدمتها العودة إلى الحدود السياسية التي كانت بين البلدين قبل الاحتلال الفرنسي، ورفضوا رفضا باتا إعادة النظر في الحدود الشرقية التي ورثوها عن الاستعمار الفرنسي، والتي اقتطعها المحتل من التراب المغربي خلال القرن 19م، وهو ما كان سببا مباشرا في حرب الرمال، وبالرغم من كل ذلك فقد تنازل عن المغرب عن حقوقه التاريخية في الصحراء الشرقية، وغلّب مبدأ الاستقرار وحسن الجوار على غيره، وهو ما لم يعتبره حكام الجزائر، واعتبروه ضعفا؛

3- كيف تسمح الجزائر، وهي البلد الجار، لمجموعة انفصالية بممارسة أعمال عدوانية ضد المغرب انطلاقا من أراضيها؟ كيف تجند كل دبلوماسيتها، ولعلها القضية الدبلوماسية الأولى للجزائر، لمعاكسة مصالح المغرب والنيل من سيادته في كل المحافل، مستعملة المال وثروة النفط؟ هل هذه الممارسات مقبولة بميزان الأخلاق وحسن الجوار؟ ألا تتوجب هذه السياسة العدوانية الرد من الطرف المغربي، والحال أنها تلحق أضرارا بالغة بحوالي 40 مليون مغربي من الشمال إلى الجنوب؛

4- إن إمعان الجزائر في دعم الانفصال في الصحراء، وجعل هذا الأمر ثابت من ثوابت سياستها الخارجية يقدم خدمة جليلة للقوى الإقليمية التي تستغل هذا المشكل لابتزاز الطرفين سياسيا واقتصاديا، هاته القوى التي تعمل وسعها من أجل استمرار المشكل وسوء التفاهم بين البلدين خدمة لأجندتها، ما أدري هل يتساءل الجزائريون كم أنفقت دولتهم على مدى نصف قرن على مشكلة لا ناقة ولا جمل للشعب الجزائري فيها؛

5- إن المغرب أبدى استعداده أكثر من مرة للتجاوب مع مصالح الجزائر في المحيط الأطلسي، ويتفهم هذا التطلع، لكن لا يمكن أن يتحقق هذا الأمر على حساب سيادة المغرب على كامل ترابه؛
6- إن مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب كأرضية لتسوية نزاع الصحراء، مقترح جدي، ومتقدم، وجريء، ويكاد يكون الأول من نوعه في البيئة العربية، ويشكل أساس تسوية عادلة ومنصفة لأهل الصحراء وتطلعاتهم في ممارسة السلطة السياسية والاقتصادية..، لكن وللأسف الشديد، تقف الجزائر موقفا سلبيا من هذا المقترح، ولا تسمح للبوليزاريو بممارسة حقه في تقرير مصيره بخصوص هذه النقطة..

وإجمالا؛ إن مبادئ حسن الجوار، وأواصرا الدين، والتاريخ، والامتداد البشري.. المشترك بين المغرب والجزائر.. تجعل موقف حكام الجزائر موقفا غير مقبول أخلاقيا، وغير مقنع سياسيا، ومرفوض شعبيا. وأتمنى أن يأتي اليوم الذي يسمح فيه للشعب الجزائري بممارسة سيادته، واحترام إرادته في التخلص من مشكل يسمم العلاقات بين الشعبين، ويعوق جهود الوحدة والتعاون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *