وجهة نظر

الجزائر تدق طبول الحرب عبر “البوليساريو” !

ليس جديدا بالبت و المطلب أن تعيث البوليساريو في الأرض فسادا، و تشغل الناس و تملأ الدنيا تخريبا و ترهيبا، فهذا ديدنها وذلك مسعاها منذ أن “رأت النور” على يد “التقدمي الثائر” معمر القذافي، الذي كان يخاصم الملك الراحل الحسن الثاني، “الممثل” لمحور الملوك “الرجعيين المنبطحين” حسب زعمه، و لا نتعجب من البلطجة الانفصالية بالغة الخطورة و هي تمارس “حرفة” الناهبين و قطاع الطرق، و تعتدي على وسائل النقل و تعرقل بصفاقة قل نظيرها، حركة المرور في أهم نقطة تصل المملكة المغربية بباقي الدول الإفريقية الأخرى، و تتمنى بكل جوارحها عودة الصدام العنيف و الحرب الجهنمية، خاصة بعد عودة المغرب إلى بيته الإفريقي الدافئ، و اعتراف عدد كبير من الدول العالمية الوازنة بمغربية الصحراء .. لكننا نستغرب أيما استغراب من الحشد الإعلامي غير المسبوق للنظام الجزائري و اصطفافه، وراء و جنب و أمام مليشيا الانفصاليين المغاربة، و مطالبته المغرب “بضبط النفس”، و العالم كله يدرك أن هؤلاء الانفصاليين اتخذوا من معبر الكركرات الحيوي رهينة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، معرضين حياة سائقي عربات السلع إلى الخطر المحدق، و النشاط التجاري إلى الشلل !

كنا نمني النفس أن يقف النظام الجزائري و لو مرة واحدة في حياته إلى جانب حق المغاربة “الأعداء”، و أن يطالبوا المعتدي الأول ميليشيا البوليساريو بالكف عن لعبة الموت ، و التوقف عن التصعيد في منطقة قابلة للانفجار في أية لحظة، لكن للأسف الشديد برهن النظام الجزائري أن عداءه للمغرب هدف استراتيجي و عقيدة لاهوتية لا انفكاك عنها. و ما يثلج الصدر أن الشعب الجزائري الرائع فهم الرسالة و أبان عن وعي أخلاقي رفيع ، إذ عبر عدد غفير من المواطنين الأحرار داخل أرض المليون شهيد وخارجها، أنهم غير معنيين جملة و تفصيلا بمعركة مفتعلة، و صراع مفبرك بين الجار الغربي و مليشياته الانفصالية، و أنه يفترض أن يترك الموضوع بين يدي الأمم المتحدة ومجلس الأمن و الاتحادين الأوروبي و الإفريقي، كما عبر غيرهم بأن مشكل الجزائر هنا و الآن، يتمثل في البحث عن التدابير و الإجراءات الكفيلة بالتعاطي الإيجابي مع تدني أسعار النفط، والاستجابة لمطالب أفضل حراك عربي تحضرا و استقامة و تنظيما !

لقد خصصنا لهذا الموضوع بالغ الحساسية مقالات صحفية مختلفة ، أبرزنا فيها رباط الوئام والأخوة الذي يفترض أن ينهض عليه البناء المتين للجارين الكبيرين و دول المغرب العربي ككل ، و نجد أنفسنا أحيانا نعيد نفس الأمنيات و ذات الأحلام، و عين الكلام في غد تعم فيه قيم السلم و المحبة و التضامن و التطبيع الكامل. و في هذا المنحى لا يسعنا إلا أن نستحضر ما سبق و أن نشرناه في صفحات هذه الجريدة العربية الغراء مادام لا جديد تحت شمس الحال و المقام. فما من شك في أن الدولتين العظميين في المغرب العربي ( المغرب و الجزائر ) عاشتا ، و منذ حصولهما على الاستقلال وضعا بالغ الغرابة . فبعد أن كان هذان القطران العربيان مضرب المثل في التضامن و التآخي و العمل العربي الميداني المشترك ، لمواجهة أطماع الاستعمار الفرنسي ، و التضحية من أجل الحرية و الاستقلال ، و تمكين الشعبين الشقيقين من رغد العيش والحياة الكريمة ، أصبحا للأسف الشديد خصمين لدودين ، يسعى كل منهما إلى الإيقاع بالطرف الآخر من أجل إضعافه و القضاء عليه ، والنيل من تاريخه و راهنه و مستقبله ، و لحسن الحظ أن شعبي البلدين في وئام منقطع النظير ، و محبة و تفاهم استثنائيين ، و كأنهما يبعثان إلى أصحاب القرار السياسي برسائل غير مشفرة، مفادها أنه مهما تماديتم في إغلاق الحدود وأمعنتم في اختلاق الأزمات ، و اقتناء مختلف أنواع أسلحة الدمار و الخراب ، فإننا مصرون على مد يد المحبة إلى بعضنا البعض ، والتعبير بكل لغات العالم عن الرغبة في الدفاع عن مصيرنا المشترك و حلمنا الثابت بالوحدة و التقدم و التنمية البنيوية .

و بين الفينة و الأخرى نسمع بعض الأصوات العاقلة تصدح هنا و هناك مطالبة بالتوقف النهائي عن المناكفة المعيبة ، و تجنب إضاعة مزيد من فرص البناء و التشييد في شتى الميادين، و وضع حد للخلافات الكيدية غير المجدية . و في فترات سابقة عبر مسؤولون من الطراز الرفيع في الخارجية الجزائرية عن استعداد بلادهم للعمل من أجل التعاطي الأفضل مع المشاكل التي تقف في وجه التطبيع بين البلدين الشقيقين خارج قضية الصحراء . و في واقع الأمر لا يسع المهتم بالشأن العربي و المغاربي تحديدا إلا أن يشيد بهكذا رغبة ، تجنح نحو السلم و حل كل الخلافات السياسية أقلها فتح الحدود الوحيدة المغلقة في العالم، بهذه الكيفية الفريدة منذ سنة 1994 و مواجهة مخاطر الإرهاب، و الجريمة المنظمة و مراقبة الحدود ، و إقامة المشاريع العظمى التي بإمكانها أن تجعل من اتحاد المغرب العربي فضاء جيوبوليتيكيا واقتصاديا مفصليا .

بيد أن مثل هذا الكلام الصادر عن مسؤولين جزائريين و مغاربة سبق وأن تم التعبير عنه في أكثر من مناسبة، تماما كما هو الشأن بالنسبة لسياسيين و اقتصاديين و مثقفين من كلا البلدين ، فلا يكفي الإفصاح عن النوايا الطيبة لبلورة إنجاز سياسي ملموس ، إذ لا بد من تهيئة التربة الملائمة لاستنبات أزهار الوحدة و الأخوة و الرقي ، و لعل أبرزها في سياق الأزمة التي عمرت أكثر من اللازم بين المغرب والجزائر ، الكف العملي والميداني عن تدخل كل دولة في شؤون دولة أخرى ، و القطع مع سياسة المحاور و الأحلاف الهادفة إلى تطويق الطرف ” الخصم ” ، و الزج به في المربع الضيق .. و معلوم لدى المعنيين بالشأن السياسي للمنطقة المغاربية ، أنه ما لم يتم التعامل الإيجابي مع موضوع الصحراء في إطار توافقي راجح و متوازن ، لا يمكن أن ترى شعوب المغرب العربي النور في آخر هذا النفق المظلم ، و مادام المغرب يعتبر أن الصحراء جزء لا يتجزأ من أرضه ، فمن حقه أن يدافع عن وحدته الترابية بكل الوسائل القانونية و النضالية ، التي يراها كفيلة بتحصين وحدة الأمة ، كما هو الشأن في كل بقاع العالم . تماما كما أن الجزائر من حقها أن يكون لها رأي مخالف للمملكة المغربية، تعبر عنه في الهيئات والملتقيات الدولية لكن دون أن يتعدى ذلك إلى استعداء المغرب ، و وضع الإعلام و المال و السلاح و المساندة اللوجستيكية .. في خدمة أعداء المملكة من الانفصاليين، و الاصطفاف إلى جانب المؤسسات و القرارات الدولية المتسرعة الهادفة إلى تقسيم الدول العربية و تجزيء مجزئها ، إذ كيف تستقيم الدعوة إلى العمل الثنائي المشترك ، و طي صفحة الخلافات في ظل مسلكيات سياسية عدائية ! أمام البلدين فرصة العمر للخلاص من شرنقة التجاذبات الدراماتيكية ، و الانتقال إلى ضفة النجاة و الإقلاع التنموي غير المسبوق عربيا ، فليجربا من أجل الشعوب المغاربية التي انتظرت عقودا ثمار النضال، طريق السلام و المحبة و الوفاق ، بدل الصراع و التعنت و باقي المسلكيات السياسوية المتقادمة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *