وجهة نظر

ترمب ولعنة كوفيد‎

تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، وصل دونالد ترمب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية في يناير2017، وهو يعتبر الرئيس الخامس والأربعون لأمريكا، جمهوري الحزب شعبوي الطبع والهوا عكس سلفه الأول، الذي يعتبر أول رئيس من أصول أفريقية، باراك أوباما الذي سلك طريق أكثر ليونة في عدة قضايا وملفات دولية، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط، تحديدا الملفين النووي الإيراني والربيع العربي الذي اجتاح عدة دول عربية (تونس، ليبيا، مصر …..).

انطلق ترمب و حلق الصقر الأمريكي معلنا عن شعاره أمريكا أولا وأمريكا العظيمة كما روج لها الوافد الجديد للبيت الأبيض، أعطى للجانب الاقتصادي حيزا مهما من سياسته، فرض ضرائب جديدة على البضائع الصينية الموجهة لسوق الأمريكي من أجل حرمان جمهورية الصين الشعبية من سوق كبيرة ومستهلكة، بل المقابل قام بتشجيع المنتوج الأمريكي، كما قاد كذلك حملة على بعض الشركات الصينية أبرزها ما عرف بأزمة الهواتف الذكية الصينية ” هواوي” وخطرها على الأمن القومي الأمريكي كما روج لها.

بفعل قراراته وخياراته الإقتصادية ارتفع الناتج الداخلي الأمريكي بنسبة ٪2.3 عام 2019 وارتفعت الأجور بنسبة 2.9٪، وانخفض معدل البطالة بنسبة 3.6٪، هذا ما يقع داخل الولايات المتحدة داخليا، أما خارجيا فقد نهج سياسة أكثر صرامة وتشددا، خصوصا تجاه الملف النووي الإيراني، حيث انسحب من الاتفاق النووي سنة 2018 ما ترتب عنه من إعادت هذا الملف إلى نقطة الصفر، وخنق الإقتصاد الإيراني بفرض المزيد من العقوبات عليها، وعزز من عزلتها خارجيا ووجه ضربة قاسمة للنظام الإيراني باغتياله للجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الذي يعد أحد دعائم نظام ولاية الفقيه في إيران دون اللجوء لحرب شاملة معها.

أما بالنسبة لدول الخليج، قام بالضغط عليها لتقديم المزيد من الإتاوات والاستثمارات الضخمة داخل أمريكا من أجل حماية عروشها وأمنها القومي من خطر عدوها التقليدي إيران الشيعية ودفع بعض هذه الدول للتطبيع القسري والجماعي مع إسرائيل، هذا كله دون أن يحرك أي أسطول أو بارجة أمريكية، كلها مكاسب سياسية و دبلوماسية محسوبة لترمب و إدارته بحكم خبرته ودهائه في عالم المال و الأعمال.

كل هاته العوامل والإنجازات لم تدفع بساكن البيت الأبيض إلى ولاية رئاسية ثانية بطريق معبد وسلس، خصوصا أن ما حققه عجز أسلافه عن القيام به، فجورج بوش الإبن زج بالولايات المتحدة الأمريكية في حروب أفغانستان والعراق التي كبدتها تريليونات الدولارات.

جاء كوفيد و اجتاح دول العالم، انطلق من ووهان الصينية بآسيا ثم أوروبا حيث عصف بإيطاليا وإسبانيا و فرنسا، و لم تكن أمريكا بعيدة عنه، ظل الرئيس الخامس و الأربعون ينعته بالوباء الصيني لإثارة بروبغندا ضد الصين، وحث المواطنين على عدم ارتداء الكمامات و تشجيعهم على حياة طبيعية و إعطاء الأولوية للاقتصاد و أسواق البورصة والمال حتى أصبحت أمريكا بؤرة عالمية يتساقط فيها ضحايا الوباء اللعين، بعد كارثة تفشي الوباء، سارع ترمب لطلب النجدة من العالم المغربي منصف السلاوي لإيجاد مصل مضاد فعال قبل بدأ الحملة الانتخابية، والتي يستغلها غريمه الديمقراطي جون بايدن للإيقاع به، من خلال إبراز اخفاقاته وتدبيره للأزمة الصحية، دون نسيان الحادث الذي راح ضحيته المواطن الأمريكي اسمر البشرة جورج فلويد على يد الشرطة الأمريكية، هذا الحادث الذي أساء إلى سمعة الولايات المتحدة الأمريكية داخليا و خارجيا كدولة عريقة بديمقراطيتها والتي تضمن حقوق مواطنيها على حد السواء، مما لاشك فيه، الرئيس ترمب فقد كتلة من الناخبين الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية، وهذا ما يظهر من خلال نتائج الإنتخابات، حيث انهزم ترمب بفارق ضئيل أمام غريمه جون بايدن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *