حوارات، مجتمع

سعدون: الكثير من مقتضيات قانون محاربة العنف ضد النساء لم تجد طريقها بعد للتطبيق

كشف أنس سعدون، الدكتور في الحقوق، وعضو نادي قضاة المغرب، عددا من الإكراهات التي ظهرت خلال تنزيل قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، وأبرز في حوار مع موقع “العمق” الإلكتروني، حول قانون العنف ضد النساء بعد سنتين من التطبيق، أن هذا القانون قدم عدة إجابات لإشكاليات كانت مطروحة واقعيا، إلا أن الممارسة الفعلية له تؤكد ضرورة الوقوف على بعض الثغرات لضمان معالجة فعالة لقضايا العنف ضد النساء.

بعد سنتين من التفعيل، هل ظهرت ميدانيا المستجدات التي جاء بها قانون محاربة العنف ضد النساء؟

دخل قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء حيث حيز التنفيذ في سبتمبر 2018، بعد انتظار طويل، ومسار تشريعي حافل بالنقاش، وقد تضمن العديد من المستجدات، منها وضع إطار مفاهيمي جديد لتعريف كل أشكال العنف ضد المرأة بما في ذلك العنف الجسدي، والجنسي والنفسي والاقتصادي.

هذا، فضلا عن تجريم مجموعة من الأفعال التي لم تكن مجرمة من قبل، من بينها الطرد من بيت الزوجية أو الامتناع عن ارجاع الزوج المطرود من بيت الزوجية؛ والتحرش الجنسي في الفضاءات العمومية والفضاء الرقمي، والاكراه على الزواج و تبديد أو تفويت الممتلكات الخاصة بسوء نية اضرارا بالأسرة فضلا عن تشديد العقوبات على أفعال كانت مجرمة من قبل، من أبرزها عقوبة العنف اذا ارتكبت ضد امرأة بسبب جنسها أو ضد امرأة حامل اذا كان حملها بينا، أو معلوما لدى الفاعل، أو في وضعية اعاقة أو معروفة بضعف قواها العقلية، أو اذا ارتكبه الفاعل ضد شخص له ولاية أو سلطة عليه أو مكلف برعايته، أو ضد طليق أو بحضور الأبناء أو أحد الوالدين.

وقد تضمن القانون أيضا مقتضيات إجرائية أخرى تهتم بالوقاية وآليات التكفل وتدابير الحماية، وعموما يمكن القول أن هذا القانون الجديد جاء ليقدم عدة إجابات لإشكاليات كانت مطروحة على أرض الواقع مردها عدم كفاية الاطار القانوني الوطني مقاربة مع ما تقتضيه المعايير الدولية.

أمام هذه المستجدات، هل استطاع قانون محاربة العنف ضد النساء الحد من هذه الظاهرة؟

في غياب إحصائيات محينة حول حصيلة تطبيق قانون العنف ضد النساء بعد سنتين من تطبيقه، من الصعب الإجابة بشكل دقيق على هذا السؤال، علما بأنه لو افترضنا ارتفاعا في عدد قضايا العنف المسجلة في المحاكم بعد صدور هذا القانون، فإن الأمر سيكون له مدلول إيجابي، وهو وجود وعي مجتمعي بخطورة هذه الظاهرة بعد عقود من التطبيع معها، وتشجيع النساء على التبليغ عن العنف.

ومهما كانت هناك أرقام رسمية، أو أرقام تقدمها منظمات المجتمع المدني الفاعلة في المجال، يبقى هناك رقم أسود لهذه الجريمة، يتمثل في عدد كبير من القضايا التي لا تصل الى علم السلطات المكلفة بانفاذ القانون نتيجة عراقيل ثقافية اجتماعية اقتصادية ونفسية تحول دون التبليغ عن هذه الجرائم .

ما هي الإكراهات التي ظهرت خلال تنزيل هذا القانون؟

هناك عدة إكراهات واجهت تطبيق القانون الجديد، بعضها يتعلق بالجانب التحسيسي فكثير من المقتضيات المتقدمة التي جاء بها قانون محاربة العنف ضد النساء لم تجد طريقها بعد للتطبيق بسبب عدم التحسيس بهذه المستجدات، وأحيانا عدم إيجاد الطرق الكفيلة بتنزيلها، ويمكن أعطاء نموذج لذلك اذا استحضرنا تدابير الحماية التي أقرها قانون العنف، مثل ابعاد المعنف من بيت الزوجية، ومنعه من الاتصال بالضحية او الاقتراب منها، مع تجريم أي خرق لهذا التدبير، فهذا المقتضى الجديد ورغم أهميته في حماية الناجيات من العنف يبقى محدود التطبيق.

هناك مشكل آخر يتعلق بعدم تواجد مراكز الإيواء، والتي لا تغطي كافة ربوع المملكة حتى وإن وجدت، فضلا عن إشكالية عدم تفرغ الجهات المكلفة بإنفاذ القانون، فلحد الان لا يوجد عناصر متفرغة حتى وان كانت متخصصة في قضايا العنف ضد النساء، ناهيك عن الإشكاليات المتعلقة بالولوج الى العدالة، نتيجة عدم إقرار المساعدة القانونية والقضائية بقوة القانون للناجيات من العنف رغم ان نسبة مهمة منهم تنتمي الى الفئات الهشة ولا تتوفر على الاستقلال الاقتصادي، ويبقى وصول النساء المعنفات الى التعويض المدني العادل محدودا في غياب صندوق يحل محل المحكوم عليهم العاجزين عن أداء المبالغ المحكوم بها، مما يحول دون وصول عدد كبير من النساء المعنفات الى حقهن في الانتصاف.

هل تكفي العقوبات السجنية للحد من تعنيف النساء؟

بطبيعة الحال، العقوبة السجنية غير كافية، فالمرأة الناجية من العنف أو الضحية، تحتاج الى اعمال تدابير للحماية، وتحتاج أيضا الى التأهيل النفسي والعلاج والى خدمات أساسية مواكبة ولاحقة للدعوى العمومية، وتحتاج الى تعويض مدني لجبر الضرر اللاحق بها، وأعتقد أن هناك تركيز على الجانب الزجري أكثر من الجانب الوقائي أو تدابير الحماية التي أقرها القانون الجديد.

بعد سنتين من تطبيق القانون على أرض الواقع، ما هي مقترحاتكم لضمان معالجة فعالة لقضايا العنف ضد النساء؟

ينبغي الاشتغال على عدة اوراش بشكل متزامن، فالورش التشريعي مهم رغم أنه غير كاف، وأعتقد أنه آن الأوان للمصادقة على اتفاقية مجلس أوروبا للوقاية من العنف ضد النساء والعنف المنزلي ومكافحتهما المعروفة باتفاقية إسطنبول، والتي تقدم عدة مقتضيات مهمة لتعزيز الترسانة التشريعية الوطنية.

أعتقد أيضا، أن الإطار المفاهيمي لجريمة الاغتصاب مثلا في القانون الجنائي يبقى متخلفا عن المعايير الدولية ذات الصلة، خاصة وأن القانون ما يزال يصنف هذه الجريمة، ورغم خطورتها كاعتداء على نظام الأسرة والأخلاق، ولا يتعامل معها كانتهاك لحق الفرد في السلامة الجسدية، وأقترح توسيع نطاق الخدمات المقدمة الى النساء المعنفات لتشمل المساعدة القانونية والقضائية بقوة القانون، ومجانية التنقل الى المحاكم عبر وسائل النقل العمومية، ومجانية التطبيب، كما ينبغي تشجيع التبليغ عن طريق اعتماد وحدات للتبليغ عن قرب في الأحياء بالمدن وكذلك بالقرى، كما ينبغي اخراج صندوق دعم الضحايا الناجيات من العنف، والإسراع بإحداث مراكز الايواء، ولا تفوتني فرصة الدعوة الى نشر الأحكام القضائية المبدئية في مجال حماية وانصاف النساء المعنفات وزجر المعنفين لأن للحكم القضائي أثر تربوي أيضا، ويمكن أن يسهم نشر الأحكام القضائية في التعريف بمستجدات هذا القانون الجديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *