ملف

“مملكة التناقضات.. المغرب في مئة سؤال”: ما هو المخزن؟ (ح 47)

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 47: ما هو المخزن؟

المخزن هو مجموع أدوات السلطة في المغرب والعالم العربي، حتى لو كان في مصطلحاته يشير الآن إلى جهاز الدولة أو النظام السياسي المغربي. هذه الكلمة شائعة في المغرب حيث لها نفس المعنى كما في الفرنسية. جذرها فعل خزن وكانت يعني في البداية بالفرنسية “magasin” وهو” المستودع” أو المتجر كما تعني الخزينة العامة التي تودع فيها حصيلة الضرائب العينية أو النقدية .

قدم المقيم العام ليوطي (1912-1925) نفسه على أنه خادم وحامي السلطان الشريف، ولهذا الغرض أنشأ نظام حكم مزدوج: المخزن القديم، المعروف أيضاً باسم “الإدارات الشريفة”، الذي يتكون من النواة التاريخية لجهاز الدولة قبل الاستعمار الذي يدور في فلك السلطان، ومن ناحية أخرى الإدارات الشريفة الجديدة التي تتبع للمقيم العام.

وقد منح تقسيم المهام للقصر تقريباً المجالات الإسلامية ومنح كل المجالات الأخرى للإقامة العامة ومنها الأمن الداخلي والخارجي، والدبلوماسية، والعدالة غير الإسلامية، والاقتصاد والبنية التحتية وعند عودة الاستقلال، استوعب المخزن الإدارات الجديدة من خلال إعادة توحيد الدولة المغربية.

وقد تغير هذا الوضع كثيراً مقارنةً مع القرن التاسع عشر، فأصبحت دولة بيروقراطية حديثة لها سلطة على كامل التراب الوطني، ولم تترك أي مساحة لأية سلطة مستقلة أخرى. هذه الهيمنة المطلقة على الأرض وعلى الناس من صميم طبيعة المخزن، لكنه لم تكن لديه الوسائل لتفعيلها منذ فترة السلطان مولاي إسماعيل.

ويعتمد إرث المخزن على وظيفة ومكان الفاعلين على أرض الواقع، وبالنسبة للشعب المغربي، فالمخزن مرادف للسلطة المطلقة: كل ما هو علني، من العداد الكهربائي إلى الطريق، ومن لواء الدرك إلى القصر الملكي. ويرتبط به مزيج غريب من الشعور بالخوف والحسد.

لا يجب على المواطن العادي أن يقترب من المخزن، لأنه يعرف المخاطر التي تنطوي عليها هذه المغامرة، ولكن في حالة وقوع أعمال شغب أو احتجاج فإن المواطن يستهدف رموزه (البنوك وسيارات الشرطة والفنادق الكبيرة وغيرها) بهذه الطريقة.

فالدولة حاضرة في كل مكان وتفرض الخوف لكنها تثير الحسد لأن أي مسؤول أو موظف، حتى ولو كان بسيطاً، يساند جهاز المخزن لأن هذا الأخير هو الذي يتكلف بإعادة توزيع المنافع والامتيازات.

وبالنسبة للمعارضين والأحزاب السياسية المستقلة، وللصحافة الحرة وبالنسبة لبعض الباحثين الأجانب، يجسد المخزن الجهاز السياسي والاقتصادي والديني والأمني الذي يتبع لسلطة الملك ويأتمر بأوامره. ويشمل القصر وكبار موظفي الإدارات المدنية وأرباب الشركات والعلماء وكبار ضباط الجيش والشرطة، إنه هيكل سياسي استبدادي وتعسفي يوجد في قلب المؤسسات، لا هو ديمقراطي ولا يعرف التناوب، وتسانده عائلات تضع نفسها تحت تصرف القصر منها القديمة جدا أو التي التحقت بهذه الخدمة مؤخرا.

بالنسبة لحاكمي المغرب، الذين غالبًا ما يقدمون أنفسهم على أنهم تكنوقراط حداثيون وضامنون للحريات العامة، وخاصة الأمن، فإن المخزن هو فكرة خبيثة عفا عليها الزمن: ولم تعد موجودة. ومع ذلك، يبقى عليها إقناع الجهات الفاعلة الأخرى في المغرب بهذا الطرح.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *