وجهة نظر

قدرة المغرب على تغيير موقف موريتانيا

تعرف العلاقات المغربية الموريتانية تململا نحو الإيجابية و الحوار بعد فترة برود كبيرة مع القيادة السابقة التي خضعت بشكل جلي للرغبة الجزائرية، التي تضغط على الجار الجنوبي للمغرب من أجل الاكتفاء بالحد الأدنى للعلاقات بفعل المجهود الكبير الذي تبدله الجزائر من أجل إضعاف المغرب جراء مشكلة الصحراء المغربية و اتضح دلك جليا في مواقف الرئيس السابق لموريتانيا محمد ولد عبد العزيز “يحاكم حاليا في قضايا فساد” الذي داب على الاقتراب من الجزائرعلى حساب المغرب.لكن الاقتصاد يفعل بالعلاقات بين الدول أكثر ما تفعله السياسة ،فالمغرب تحول تقريبا إلى سلة غذاء موريتانيا عبر معبر الكركرات حيث أن حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل إلى 250مليون دولار حيث يصدر المغرب 220مليون دولار و تصدر موريتانيا نحو 30مليون دولار، يعني الكفة تميل تجاريا لصالح المغرب، و هذا الأمر أقلق الجزائر و دفعها سنة 2018لفتح معبر حدودي بري مع موريتانيا لغرض التبادل التجاري لكن دلك لم يحقق النتائج المرجوة، فالجزائر تستورد كل حاجيتها سواء الفلاحية أو الصناعية من الخارج و القطاع الخاص في الجزائر ضعيف جدا بفعل عدم قدرة الدولة على التحول الفعال نحو اقتصاد السوق، على عكس القطاع الخاص المغربي الذي اتبث حضورا كبير في القارة السمراء،حيث أن المغرب هو المستثمر الأول من القارة الأفريقية بموريتانيا،والقطاع المصرفي المغربي يحتل المرتبة الثالثة على المستوى الأفريقي ناهيك على أن موريتانيا دولة سنية على مذهب الإمام المالك تلتقي دينيا بصفة شبه مطلقة مع المغرب،يعني هناك قواسم متعددة تسمح لموريتانيا بالاندماج الاقتصادي مع المغرب لأن الأمر يخدم الدولتين في ظل المحاولات المتكررة للمغرب للدخول بقوة للسوق الأفريقية ، و بالضبط الغرب الافريقي،فهناك حديث يرجح بناء طريق سريع بين المغرب و الجارة الجنوبية،و هناك خطط مستقبلية لبناء جسر على نهر السنغال يربط المغرب و موريتانيا بدول الغرب الأفريقي إلى نيجريا التي تعتبر أكبر سوق افريقية.و قد حاولت الجزائر ان تبني طريقا صحراوية عبر النيجر للتواصل أفريقيا و قطع الطريق على المغرب، لكن تواجد التنظيمات الإرهابية بمنطقة الساحل عرقل البناء، زد على دلك غياب التمويلات بسبب تراجع اثمنة النفط و دخول الجزائر في أزمة اقتصادية غير مسبوقة، ناهيك عن تردد المؤسسات المالية الخاصة في تمويل مشروع مكلف ماديا و يحتاج لعدد من الضمانات الأمنية في ظل عدم الاستقرار التي تعرفه المنطقة.

لكن الأفعال الدبلوماسية الأخيرة كانت مؤشرا كبيرا على التوجه السياسي الذي عرفته موريتانيا اتجاه المغرب،حيث أن وزير الخارجية إسماعيل ولد الشيخ زار المغرب كأول محطة أفريقية بعد توليه لرئاسة الدبلوماسية الموريتانية،و ظهرت الخطابات و التصريحات الودية بين الطرفين بعد جمود طويل،و حينما عرقلت جبهة البوليزاريو معبر الكركرات لم تدعم موريتانيا الانفصاليين خاصة ان تضرر مواطنيها كان كبيرا، حيث أن بعض اثمنة الخضر تضاعف ثمنها خمس مرات مما ساهم في خلق غضب موريتاني غير معلن من الخطوة التي قام بها البوليزاريو،و حتى بعد تدخل المغرب لتصحيح الوضع لم تنتقذ موريتانيا خطوة المغرب و بعدها مباشرة جاءت المكالمه الهاتفية بين الملك محمد السادس و الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، و قد أصدر الديوان الملكي بيانا في الموضوع مما يوحي بأن المكالمة كانت مهمة و قد تتبعها زيارة رئيس موريتانيا للمغرب و زيارة ملكية لموريتانيا، و في حالة حدوث دلك سيكون بمثابة انفكاك موريتاني رسمي من القبضة الجزائرية التي تحولت أي الجزائر إلى معرقل للتكامل المغاربي و للبناء الأفريقي ،و حتى زيارة ما يعرف بوزير خارجية البوليزاريو إلى نواكشوط بعد تدخل المغرب لفتح المعبر كانت باردة جدا و البيان الموريتاني كان بسيطا لا يوحي بوجود دعم للانفصاليين.

فموريتانيا مساحتها هي ضعف مساحة المغرب،و عدد سكانها اقل من خمسة ملايين نسمة،وامتدادها كبير على المحيط الأطلسي،لكنها تعاني من ضعف التنمية و هشاشة البنيات الاقتصادية لأنها راهنت على الجزائر بصفة أساسية، فالقيادة الجديدة التي تم انتخابها لها توجه متوازن في العلاقات المغاربية، لأن رفع معدل التنمية و توسيع قاعدة المبادلات التجارية لا يسمح بالرهان على دولة وحيدة في عالم يؤمن بالتكثلات الاقتصادية و مع الوقت سيتحول مشكل البوليزاريو إلى قضية ثانوية بالنسبة للجيران لأنه كما قال الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي “لا يمكن أن نرهن مستقبل مائة مليون مواطن بمشكل 200 ألف صحراوي”.

* الغازي هيلال من أمريكا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *