ملف

“مملكة التناقضات”: لماذا أفلت المغرب من حرب أهلية مثل الجزائر؟ (ح 50)

العشرية السوداء الجزائرية

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 50: لماذا أفلت المغرب من حرب أهلية مثل الجزائر؟

من يناير 1992 إلى تاريخ بين عامي 2000 و2003، عاشت الجزائر حربا أهلية رهيبة بين الدولة العسكرية وتمرد الجهاديين وقدرت خسائرها البشرية بحوالي 200,000 قتيل و7,000 مفقود (وأكثر من 500,000 منفي وملايين النازحين) وقد استبقت هذه الحرب الجهاد الثوري في بلاد مسلمة سنية، كما حدث في العديد من البلدان منذ ذلك الحين.

هذه هي العشرية السوداء الجزائرية. ولكن بالمنظار الأوروبي كانت البلاد المغاربية كلها مضطربة بينما كانت الحرب الأهلية محصورة في شمال الجزائر، وخاصة بالقرب من مدينة الجزائر العاصمة.

على الورق، لم يكن لدى المغرب فرصة كبيرة للإفلات من هذا الاضطراب الثوري والقاتل: الأزمة والجفاف الكبير في الثمانينيات، وصعود الإسلام السياسي الذي يواجه “سنوات الرصاص”، وجهاز الدولة القمعي والبطالة، بما في ذلك بالنسبة لأصحاب الشواهد الجامعية، والأزمة الاجتماعية التي تنخر الآفاق وتدمّر وعود الاستقلال، إلخ.

غير أن هذا الأمر كان معقداً بالنسبة لبلد له جغرافية مشابهة للجزائر بالنسبة إلى جزء كبير من أراضيه: الغابات والجبال ومناطق الأحجار الجيرية والكهوف ويشكو نقصا في التجهيزات حتى في المناطق المكتظة بالسكان (إمدادات الماء والكهرباء وشبكات الطرق)، ولديه انفتاح على البحر الأبيض المتوسط وعلى الجزائر المجاورة مع وجود قبائل تعيش في المناطق الحدودية من الجهتين.

ومع ذلك، وباستثناء الهجوم على فندق أطلس أسيني في مراكش، الذي شنه كوماندوس جزائري-مغربي في عام 1994، وتسلل العصابات الجزائرية بحثا عن ملاذ آمن، لم تحدث العدوى المتعلقة بالحرب الأهلية، وخاصة بما أن الوزير إدريس البصري كان قد أغلق الحدود بين المغرب والجزائر آنذاك.

لقد اكتفى المغرب باستيعاب هذه المأساة بالوكالة وكان الخطاب الرسمي حريصا في كل مناسبة على الإشادة بمؤسسة إمارة المؤمنين التي عملت على حماية المغرب من العنف الديني، بل إن بعض المراقبين ذهبوا إلى حد إنكار وجود تيار محلي من الإسلام السياسي.

ولكن صعود الإسلام السياسي أبطل هذه الخلاصات المتسرعة. ولعل الشيء الرئيسي هو الاختلاف في الثقافة السياسية الوطنية. فالمغاربة يُربّون منذ الصغر على تقديسٍ الملكية لكونها ملازمة لتاريخ المغرب منذ قرون بينما الجزائريين يُتعلَّمون تمجيد الثورة والكفاح المسلح.

لقد قرر الإسلاميون الجزائريون إعادة إنتاج الثورة التأسيسية، والفرق هذه المرة هو أن دور جبهة التحرير الوطني انتقل إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ. لا شيء من هذا القبيل حدث في المغرب الذي لم يشهد ثورة قط. يربط المؤرخ الجزائري محمد حربي “ثقافة العنف” في الجزائر خلال الحرب الأهلية بصفتها تركة مرتبطة بفترات الحكم التركي ثم الفرنسي.

لكن غياب العدوى يرجع أيضاً إلى سياسات المخزن. لقد استطاعت اليد الحديدية الأمنية التي تمارسها شرطة إدريس البصري وقف المخاطر. وقد شجع هذا النظام ما يقرب من مليوني شاب مغربي على الاستقرار في أوروبا في الثمانينات والتسعينات؛ كثير منهم استوردوا الإسلام السياسي إليها. وهكذا، نجا المغرب، تحت المراقبة، من الانهيار الاجتماعي والسياسي المروع.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *