مجتمع، ملف

“مملكة التناقضات”: لماذا لا يصوت المغاربة كثيرا؟ (ح 54)

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 54: لماذا لا يصوت المغاربة كثيرا؟

لقد استخلص المغاربة الدروس من ضعف تأثيرهم على عمل سلطات الدولة؛ إذ تتراوح نسبة المشاركة في الانتخابات بين 10 و20 في المائة من الناخبين، ولا توجد لدى العديد من البالغين بطاقة انتخابية.

وهذه الرغبة الضعيفة في المشاركة السياسية من ميزات الأنظمة الاستبدادية، حتى عندما تدعو إلى التحول الديمقراطي. قبل عام 2011، لم تتجاوز نسبة المشاركة الفعلية في مصر أو سوريا 10%، أي نسبة الموالين للسلطة الحاكمة.

لكن تجربة الربيع العربي تعلمنا أن الديمقراطية هي أيضا ثقافة، وأن ممارسة التصويت ليست عفوية بين الناس الذين لا يتوقعون شيئا من الدولة، حتى عندما تبدو الظروف مواتية.

في انتخابات المجلس التأسيسي التونسي، لم يسحب ما يقرب من مليوني تونسي البطاقة الانتخابية، ولم يصوت سوى 52% من الناخبين المسجلين ولا يوجد سبب يجعل الأمور في المغرب مختلفة، خاصة وأن لهذا البلد خصوصياته.

بعضها مرتبط بقرارات السلطات العمومية: مثلا لا يحق للمغاربة في الخارج التصويت، مما يقلل من حجم الهيئة الناخبة. ويخشى النظام من ميلهم إلى التصويت لصالح الإسلاميين. ثانياً، وزارة الداخلية حذرة من شباب الفئات الشعبية وقد مارست منذ فترة طويلة الاحتفاظ بالبطاقات الانتخابية؛ على الأقل، لا تروج كثيرا للتسجيل في اللوائح الانتخابية والنتيجة هي العزوف الكبير عن التصويت من طرف شريحة الشباب والطبقات العاملة: ثم إن ثلث المغاربة لا يزالون أميين، ومن بينهم ملايين النساء الناطقات باللغة الأمازيغية اللواتي ينزعجن من الخطاب السياسي.

وفي عام 2011، انخُفض حجم الهيئة الناخبة إلى 13.5 مليون ناخب مسجل من أصل 32.5 مليون نسمة (باستثناء المهاجرين) وهو ما يعني وجود 10 مليون غير مسجلين أصلا في اللوائح الانتخابية.

أصرت السلطات بشدة على نسبة المشاركة العالية في استفتاء عام 2011 (75.5٪ وفقا لوزير الداخلية)، ولم يتردد البعض في التلميح إلى أن الإدارة كان عليها تصحيح الوضع، والسماح بتكديس أوراق الانتخاب في الصناديق المحلية… وعلى أية حال، فإن نسبة المشاركة أعلى بكثير مما كانت عليه في الانتخابات السابقة: 37% في الانتخابات التشريعية لعام 2007 و51% في الانتخابات الجماعية لعام 2009.

هل كان للربيع العربي ثم الإصلاح الدستوري تأثير قوي على هذه السلوكيات الانتخابية؟ هذا أمر مشكوك فيه. في عام 2016، بلغ عدد المسجلين 2 مليون مقابل حجم سكاني يتجاوز 34.5 مليون نسمة.

ومن ناحية أخرى، انخفضت نسبة المشاركة إلى 42.29 في المائة (2.5 نقطة أقل من عام 2011). وقد رفع حزب العدالة والتنمية الذى يحتل الصدارة رصيده إلى 1.6 مليون صوت، كما رفع منافسه حزب الأصالة والمعاصرة رصيده إلى 1.2 مليون صوت. وبالتالي فإن النخبة السياسية المغربية منتخبة من طرف حوالي 5 ملايين مغربي (الأحزاب الخمسة أو الستة الرئيسية).

إن الإقبال ضعيف والمشهد السياسي مشتت المسؤولون المنتخبون ليست لديهم تمثيلية قوية، مما يضعهم في موقف ضعيف أمام قوة المخزن.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *