وجهة نظر

لماذا لم تدرج أمريكا الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي؟

بداية ينبغي التأكيد على أن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين كان تظيما وسطيا يؤمن إيمانا تابثا بالمرجعية الاسلامية منذ تأسيس التنظيم على يد المرشد الأول حسن البنا. و قد كان التنظيم حريصا طوال مسيرته على السلمية و التدافع و المشاركة في المؤسسات و الإصلاح من الداخ، و رغم تعرض منتسبيه لموجات متواصلة من القمع و المحاكمات و الاعدامات و المنع، لكنه لم يسقط في ردود الأفعال العنيفة بل حافظ على الحد الأدنى للاحتجاج السلمي، وكل هذاه أعطاه ميزة التفوق السياسي في الربيع العربي حينما فاز بالرئاسة و البرلمان في أول انتخابات نزيهة عرفتها مصر في تاريخها الممتد لأزيد من سبعة الاف سنة،لكن دلك لم يدم إلا سنة واحدة حيث تدخل الجيش و أعاد البلاد الى المربع الأول مع نهج قمع غير مسبوق لم يشمل فقط الإخوان المسلمين بل امتد الى كل أطياف المعارضة ،و أقرت القيادات الجديدة في الشرق الأوسط و بالضبط السعودية و الإمارات و مصر بان جماعة الإخوان المسلمين تنظيم إرهابي يتساوى مع القاعدة و داعش امام القانون.لكن لماذا فشلت هذه الدول في إقناع الرئيس الامريكي ترامب لكي يقوم بإدراج التنظيم على لائحة الإرهاب؟ على الرغم من أن الرئيس الامريكي و أركان إدارته لم يعادوا التنظيمات الاسلامية بل عداوتهم للإسلام المحافظ نفسه منشورة و لا يخفيها أحد من جماعة ترامب.

السبب الأول هو أن الدولة العميقة و الأجهزة الأمنية التقليدية و مؤسسات صناعة القرار لا تعول كثيرا على استنتاجات الدول القمعية التي لا تعرف تعددية حزبية، و المنزعجة من كل صوت معارض سواء كان محافظا أو حداثيا،فالمجتمع السياسي الأمريكي في عمومه لا يعاني من عقد الدين في صناعة القرار ،فالمصالح أولا و أخيرا و قد تفاوضت الإدارة الأمريكية مع الطالبان الأفغانية التي تقف على يمين الإخوان المسلمين و رفعت السلاح في وجه امريكا لمدة سبعة عشر سنة،لكن كل دلك لم يثن ادارة الرئيس ترامب عن التخلص من وجع قديم كلف دافع الضرائب الامريكي ملايير الدولارات.

السبب الثاني هو وجود الإخوان المسلمين في السلطة أو جزء منها في دول حليفة للولايات المتحدة،فحزب العدالة و التنمية التركي منتمي للإخوان المسلمين و هذا من أسباب النزاع التركي مع مصر و الإمارات العربية و السعودية،و تركيا ليست جمهورية موز فهي عضوة في حلف الشمال الأطلسي و ترتبط باتحاد جمركي مع دول الاتحاد الأوروبي وقيادتها مؤثرة في اكثر من منطقة و إدراج التنظيم على لائحة الإرهاب يعني اعتبار كل القيادة التركية إرهابية و عدم التعامل معها و هذا عمليا مستحيل من الناحية الواقعية.و هناك دول أخرى تتميز بمشاركة جزئية للإخوان المسلمين في السلطة مثل ماليزيا و تونس….الخ و هذا من شأنه أن يربك العلاقات مع هذه الدول.

السبب الثالث هو الجانب الأخلاقي في السياسة فإدراج التنظيم في لائحة الإرهاب سيكون سابقة لأنه أول تنظيم في العالم لم يمارس العنف و لا يدعو له و لا يشجع عليه و رغم دلك يصنف إرهابيا، فمثلا حاول ترمب أن يصنف منظمة antifa الأمريكية كتنظيم إرهابي فقط لأنها يسارية راديكالية و لكنه فشل في دلك لأن الإرهاب مرتبط ارتباطا وثيقا بالعنف الممنهج،و قد حاول رئيس الوزراء البريطاني الأسبق دافيد كامرون أن يصنف جماعة الإخوان المسلمين في لائحة الإرهاب بضغط من دول الخليج ،و كلف السفير السابق لبريطانيا في السعودية للقيام بدراسة الموضوع ،لكن الدراسة نفت الصفة الإرهابية عن التنظيم مماجعل دافيد كامرون مترددا في اتخاد قرار منع الجماعة و بقي الوضع على ماهو عليه إلا أن قدم استقالته قبل اتخاذ قرار نهائي في الموضوع.

السبب الرابع هو ان الغرب و الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد كثيرا على مراكز الدراسات في اتخاد القرار ،و هذه المراكز البحثية تؤكد أن الديكتانوريات في الشرق الأوسط لن تبقى إلى الأبد ،فالقمع وسيلة مؤقتة لإسكات الأصوات المعارضة، و الحلول الأمنية ليست وحدها القادرة على ضمان الاستقرار ،و لكن مع ارتفاع نسبة المتعلمين و الانفتاح على الثقافات الأجنبية و الفقر و الفساد كلها عوامل مشجعة على عدم ملل الشعوب من المطالبة بالديمقراطية. وأي عملية ديمقراطية سليمة ستفرز بطريقة أو بأخرى نخب الإسلاميين كمسيرين سياسيين للدول العربية لأنهم الاكثر شعبية و تنظيما و الأكثر قربا من المواطنين و لهم القدرة على الحشد، في حين ان التنظيمات العلمانية انخرطت بصفة كبيرة مع الأنظمة بما فيها الأنظمة الدموية مصر مثلا مما عمق المسافة بين هذه النخب و الشعب. و بالتالي فتعامل الغرب مع الثيارات المحافظة ستكون ضرورة سياسية في المستقبل و بكل تأكيد ستنجح،فقد تعامل الغرب مع الفيتنام و كوبا و هي دول شيوعية جاهرت بالعداء للغرب لعقود طويلة و رغم دلك تقلصت هوة الخلافات لأن الايديولوجيا لم تبق عاملا أساسيا في بناء العلاقات بين الدول.

عموما القرارات الكبرى في العلاقة بين الإسلاميين و امريكا لن يتخذها مناضل يردد الموت لأمريكا، و لا محافظ أمريكي يملك برنامجا إذاعيا بالجنوب الأمريكي يعتبر كل المسلمين إرهابيين و متطرفين ، و لكن هناك مصالح مشتركة تفرض التعايش.

* الغازي هيلال من أمريكا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *