مجتمع

مدير الخزانة الملكية بالرباط يحاضر عن الكتاب العربي المخطوط في إفريقيا

مدير الخزانة الملكية بالرباط

نظّم مركز روافد للدراسات والأبحاث محاضرة بعنوان: “قراءة تاريخية ببليوغرافية كوديكولوجيا في الكتاب الافريقي المخطوط المكتوب بالخط العربي” ألقاها أحمد شوقي بنبين؛ مدير الخزانة الملكية بالرباط، وذلك يوم الجمعة 04 دجنبر 2020.

الخبير بالمخطوطات أحمد شوقي بنبين استهل محاضرته بعرض القضية الوضعية التّاريخية للكتاب الإفريقي المخطوط المكتوب بالخط العربي، وكذا الجانب الباليوغرافي والكوديكولوجي له، والذي لم يحظ دائمًا بعناية الباحثين في هذا المجال.

وأشار بنبين إلى صعوبة جعل هذه القراءة قراءة تاريخية باليوغرافية كوديكولوجيا لعدة أسباب تتلخص في كون معظم هذا التّراث مازال قابعًا في الزّوايا والمجموعات الخاصّة ومدفونًا تحت الرّمال، وما هو موجود منه لم يكن حتى اليوم موضوعا في طرزات علمية، ولم يكن له وجود فعلي إلا في القرنين 19 و20، باستثناء بعض القوائم والأدلة التي لم تستوعب إلا جزءً منه.

إلى جانب أن البحث الباليوغرافي والكوديكولوجي للمخطوط تدعو الباحث إلى رؤيته وملامسته وتشخيصه ومعاينته وهو أمر متعسر، بل متعذر أمام الحصيلة التي بين أيدينا اليوم. ثم إن هذا التّراث كان موضع إهمال وتهميش كبيرين سواء من قبل أصحابه من الأفارقة مسؤولين سياسين أو علماء، أو من قبل علماء الغرب خاصة المستشرقين منهم، الذين اهتموا بالتراث المخطوط في شمال إفريقيا عربيا كان أو أمازيغيا وغضوا الطرف عن مثيله في إفريقيا الغربية.

وبعد ذلك، انتقل الدّكتور شوقي بنبين للحديث عن الجانب التاريخي للكتاب الافريقي المخطوط، مشيرا إلى أن ظهور الكتاب العربي في إفريقيا الغربية مرتبط بظهور الإسلام الذي استقر في هذه الربوع بعد القرن السادس للهجرة، وقد انتشر الدّين الإسلامي في إفريقيا الغربية عن طريق التجارة، حيث كان التّجار المسلمون يتعاملون مع ملوك إفريقيا، وكان المذهب السائد آنذاك المذهب الخارجي، وفي عهد المرابطين انتشر المذهب المالكي في هذه الدّيار، فترتب عن ذلك اهتمام علماء السّودان بدراسة آثار هذا المذهب، فوضعوا شروحًا وطررًا وحواشي.

وأكد الدّكتور شوقي بنبين على دور الرحلات في اتصال علماء السودان المغربي بعلماء المغرب ومصر، خلال زياراتهم لهذه البلدان، أو أثناء رحلاتهم فكانت اللقاءات العلمية والاستجازات، فأدخلوا كتب المشارقة المتعلقة بهذه المعارف، وأسسوا المراكز العلمية مثل “ولاته” في موريتانيا و”تمبكتو” في مالي، من هنا توثقت الصلة بين المغرب والسّودان وهو ما أدى إلى استقدام العديد من العلماء إلى هذا الربع على رأسهم أحمد بابا التنبكتي، كما ساهم هذا التلاحم إلى إنشاء زوايا صوفية إفريقية كالزّاوية المختارية الكنتية القادرية والتي تضم مجموعة من الكتب بعثها أهل السّودان أو نسخوها في المغرب.

وأشار الدّكتور شوقي بنين لوضعية التأليف في هذا الرّبع قبل القرن 19والقرن 20 حيث أبرز اهتمام القدماء بالتأليف منذ العصر السعدي، ومن أهم المؤلفات في ذلك العصر كتاب “نيل الابتهاج” و”كفاية المحتاج” لأحمد بابا التنبكتي، وهما ذيل على “الديباج المذهب” لابن فرحون، وتاريخ الفتاش” لمحمود كاتي، و”تاريخ السودان” لعبد الرحمن السعدي، وكتاب “تذكرة النسيان” لمجهول.

أما وضعية هذا التراث في العصر الحديث فلم يكن لدى الاستعمار الأوروبي سياسة لجمع هذا التراث وصيانته وحفظه من الضياع، بل إن الأجانب من الغربيين، قد أساؤوا إلى هذا التراث، حيث أحرقوا بعضه، واستولوا على البعض الآخر، وحملوه إلى الغرب، وأن الاهتمام بالمخطوط لم يكن إلا بعد استقلال هذه الدّول، من قبل الحكومات والعلماء والمنظمات الدّولية، كان على رأسها منظمة “اليونسكو” التي بادرت إلى تنظيم لقاء للخبراء في تومبوكتو، يحددون خلاله كيفية الاستفادة من هذه النوادر الخطية، في وضع تاريخ لإفريقيا الغربية. وقد تمخض هذا الاجتماع على إنشاء مركز جهوي للتوثيق والبحث التاريخي في النيجر، مالي، وبوركينافاسو. وهو المركز الذي أسس في مالي باسم مركز أحمد بابا التنبكتي للتوثيق والبحث.

وانتقل بعد ذلك الدّكتور شوقي بنبين للحديث عن الجانب الباليوغرافي والذي نعني به النساخة والخط من خلال الجواب على سؤالين أولهما أصل الخط المستعمل في الكتاب الإفريقي، فقد أكد ابن خلدون على الأصل الأندلسي لهذه الكتابة، بينما يلاحظ العالم الإنجليزي “بيفار” (Bivard) في كتابه بعنوان: “الخط العربي في إفريقيا الغربية”، أن ضروب الخط الإفريقي ترجع إلى أصلين؛ الخط القيرواني والخط الأندلسي الفاسي، أما ثانيهما فهو عن كيفية النّساخة والتي تكون إما فردية أو جماعية مؤكدا على انتشار الصّورة الثّانية بالمغرب.

وعرّج الدّكتور بنبين بعد ذلك إلى بيان الجانب الكوديكولوجيا للكتاب الافريقي المخطوط من خلال الحديث عن شكله والذي نجده عبارة عن أوراق منفصلة من غير خياط، ولا تجليد، غير مرقمة مما أدى إلى ضياع العديد منها، أما بخصوص مواد وأدوات الكتابة فكان يستعمل الرّق والجلد لكن يبقى الكاغد هو المادة الأساسية، وكان يستعمل القلم التقليدي الذي يصنع محليا من خشب الخيزران، أما الحبر فكان يصنع قبل القرن العشرين من نباتات محلية. واللّون السّائد المتداول للكتابة هو الأسمر المائل إلى الأسود، ويستعمل الحبر الأحمر لكتابة العناوين وأسماء الأعلام، كما يستعمله العلماء في الحواشي والطّرر، وفي شرح النّصوص التعليمية والتّربوية الخاصة بالفقه والنّحو.

واختتم الدّكتور شوقي بنبين محاضرته بالتّأكيد على أهمية وضخامة هذا التّراث، إلا أنه ما زال في قابعًا في أروقة الزّوايا، أما المكتبات الخاصة فما تزال تُخفي عن الأعين نوادر الكتاب العربي ومجاهيل المؤلفين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *