ملف

“مملكة التناقضات”: هل هناك حرية للصحافة بالمغرب؟ (ح 56)

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 56: هل هناك حرية للصحافة بالمغرب؟

في المؤشر الدولي لحرية الصحافة لمنظمة مراسلون بلا حدود، يحتل المغرب المرتبة 135 من أصل 180 دولة في عام 2019، مما يجعله متقدما على الجزائر وهي في المرتبة 142 وروسيا (المرتبة 149)، لكنه بعيد عن تونس التي صعدت إلى المرتبة 72 في العالم.

ولا شك أن هذه المرتبة غير جيدة على المدى الطويل، حيث إن هذا الترتيب الذي بدأ العمل به في عام 2002، كان يصنف المغرب في المرتبة 131 منذ عام 2003. ومع ذلك، في التسعينيات، عرف المغرب تحولاً سياسياً واجتماعياً حقيقياً تأثرت به وسائل الإعلام المطبوعة، مع بقاء وسائل الإعلام السمعية البصرية في أيدي الدولة.

وقد نقل هذا الانتقال القصير، الذي بدأ حوالي عام 1995، البلاد من صحافة مغلقة تماماً إلى صحافة متجددة، فتحت نقاشات سياسية كبيرة وجدلا تاريخيا مذهلا.

وبلغت ذروة هذا التحول حوالي 1998-1999. بين عهديْن، حيث شهدت البلاد طفرة كبيرة مذهلة من الحرية بعد أن عانى المغاربة لعقود من الصمت والرقابة الشديدة، ففي غضون سنوات قليلة، قفز حجم الجرائد الوطنية المطبوعة، ورغم أن الارقام لا زالت متواضعة، من 200 ألف إلى 400 ألف نسخة يوميا.

ولكن في وقت مبكر من عام 2000، أوقفت السلطات هذا التحول بشكل مفاجئ وسريع حيث أخضعت للرقابة سبعة صحف مغربية وأجنبية في غضون بضعة أشهر، وحُكم على صحفييْن بالسجن ومُنعا من ممارسة مهنتهما، وهي سابقة في تاريخ المغرب. وهذا أمر مثير للدهشة، بعد أن تعهد الملك الشاب في عام 1999 بعدم سجن أي صحفي خلال فترة حكمه. لكن حرية الصحافة أصابت السلطات بالذعر ولم تجد سبيلاً سوى القمع والتهديدات.

تسبب موضوعان في تفكيك الصحافة المستقلة على مراحل، وشمل التفكيك ستة جرائد ونحو أربعين صحفياً مستقلاً، منهم بعض الأفراد المعروفين حتى على الصعيد الدولي والموضوعان هما محيط الأجهزة الأمنية وقدسية الملك وقد تتابعت المحاكمات القضائية وأسفرت عن عقوبات باهظة ثم اندثار تلك المؤسسات الصحفية.

حُكم على الصحافي علي لمرابط بالسجن بتهمة إهانة الملك في عام 2003، وتم تغريم صحيفتي “تيلكيل” و”لوجورنال” الأسبوعية في عام 2005 مليوني درهم و3 ملايين درهم على التوالي، مما أجبر الصحفي النجم أبو بكر الجامعي على النفي الاختياري لإنقاذ مجلته، ولكن هذه الأخيرة “لوجورنا إيبدومادير” تم حظرها تماما في عام 2010.

كما أقدمت السلطة على لجم صحف ناجحة ومشاغبة أخرى: فقد حُكم على المساء بتهمة إساءة الأدب في عام 2007 بغرامة قدرها 6 ملايين درهم، أو ما يقرب من 300 ألف يورو، وهو مبلغ هائل.

كانت هذه الجريدة العربية تطبع وتوزع 150 ألف نسخة يوميا في عام 2011. ولكن بعد الترهيب والرقاة الذاتية فقد جمهورها من القراء. وفي عام 2013، ضايقت السلطة آخر صحيفة مشاغبة بسبب حديثها عن صحة الملك، في حين حُكم على مديرها علي أنوزلا بالسجن مع وقف التنفيذ. وفي الوقت نفسه، أجهزت العدالة على آخر صحيفة رقمية مستقلة هي “لكم” بتهمة “التحريض على الإرهاب”.

وهكذا فإن مسلسل انتقال الصحافة المغربية إلى عهد الحرية قد انتهى بينما يجري النقاش السياسي والحقوقي حاليا على شبكات التواصل الاجتماعي، ولذلك فإن السلطات تراقبها عن كثب كما أنه أنشأت صحفا رقمية موالية لها من أجل محاصرة وخنق مجال الإعلام في المغرب ونشر المعلومات التي ترغب فيها بين القراء.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *