ملف

“مملكة التناقضات”: هل المغرب بلد صناعي أم في طريقه ليكون كذلك؟ (ح 57)

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 57: هل المغرب بلد صناعي أم في طريقه ليصبح صناعيا؟

على عكس ما تقوله وسائل الإعلام، فإن الحصيلة الاقتصادية التي تركها الملك الحسن الثاني سيئة للغاية؛ فالبلد في حالة من التنمية البشرية والاجتماعية المتردية بل في المرتبة الأخيرة من بلدان البحر الأبيض المتوسط، وآخرها عربياً في مؤشر التنمية البشرية – خارج بلدان جنوب الصحراء الكبرى مثل موريتانيا.

في عام 2019، بعد عشرين عاماً من حكم محمد السادس، نُشرت مجموعة كبيرة من الكتب الفرنسية المخصصة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب منها كتاب أيميريك شوبراده Aymeric Chauprade، المستشار السابق للملك بعنوان: “الجغرافيا السياسية للملك” ثم “مقاربة عن المغرب الحديث والمتعدد الأقطاب” لصاحبه شارل سان بروست Charles Saint-Prost، وهو متخصص في الجغرافيا السياسية وحاصل على الوسام العلوي، ومؤلف كتاب “محمد السادس.. الملك صاحب البصيرة”. ثم تحقيق لوك دي باروشيز Luc de Barochez (أربع عشرة صفحة) الذي أعلنت عنه الصفحة الأولى من مجلة “le Point”، وهي مجلة مقربة من الرباط، بعنوان “المغرب، القوة الجديدة” في يوليو 2019.

ويقدم هذا الأخير المغرب على أنه “تنين جديد”. وأخيراً، فإن مدير معهد الدراسات العليا للصحافة في باريس، غيوم جوبين، Guillaume Jobin المقرب جدا من القصر الملكي المغربي، أصدر في سبتمبر 2019 كتاب “المغرب والملك مغرب محمد السادس” وقد حرك القصر الملكي أصدقاءه لإبراز صورة بلد متقدم وصناعي وصاعد.

ولكن قراءة المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية في المغرب وفي العالم تبرز أن الوضعية ليست وردية كما يروجون لها: ليس من الإنصاف أن نقول إن المغرب لا يتحرك ولا توجد فيه مشاريع صناعية كبيرة أو مشاريع بنية تحتية كبرى لم تنفذ هناك منذ عشرين عاما، خاصة وأنه انطلق من وضعية مزرية ويحاول تدارك تصنيفاته على المستوى العالمي.

ومع ذلك، فهو لم يحقق نتائج باهرة مادام مؤشر التنمية البشرية المتوسط يضعه في مجموعة الباكستان ومولدافيا في عام 2015. يعاني المغرب من مؤشرات بشرية غير مشرفة للغاية: فهو يضم يدا عاملة من الأقل مهارة في العالم العربي، ولا يزال مستوى الإلمام بالقراءة والكتابة منخفضاً (رغم أنه قد تقدم كثيرا خلال نصف قرن)، ولا يزال عدد خريجي التعليم العالي، بمن فيهم الشباب، منخفضاً جداً (أقل من 15% من الفئة العمرية اليوم).

وفي عصر اقتصاد المعرفة وتكنولوجيا المعلومات، يطور المغرب أنشطة تعتمد على العمل اليدوي (السياحة، الزراعة، التعدين، صناعة التركيب). وقد فشل مؤشر التنمية المركب خلال عشرين عاماً في مغادرة لائحة البلدان ذات مؤشر التنمية البشرية من المستوى المتوسط: فقد انتقل من المرتبة 126 في العالم في عام 1999 إلى المرتبة 123 في عام 2019.

ومستوى التنمية فيها ينمو بنفس معدل نمو نظرائه. وهذا المؤشر، الذي يجمع بين العمر المتوقع والتحصيل التعليمي، والحياة الفردية، يلخص الحالة العامة للسكان.

ويفضل المغرب المؤشرات الأخرى، المالية أو التجارية أو الاقتصادية، التي تضعه في مرتبات أفضل. ولكن الاقتصاد كل لا يتجزأ، ولا يوجد بلد متقدم بدون سكانه وكما كان الحال في ظل الحماية الفرنسية، عرف المغرب تحديث مناطقه الساحلية وانفتح على العالم وحقق إنجازات أحيانا رائعة (ميناء طنجة المتوسط وتطور النظام المصرفي وقطاع البناء والاتصالات…)، ولكنها إنجازات لا تؤثر إلا هامشيا على كتلة الشعب المغربي.

ومع ذلك، يكاد يكون من المستحيل الخروج من هذا الوضع نظراً لعدم كفاية التعليم والتكوين بالنسبة للسكان، وهذا هو النقص الرئيسي في المملكة مقارنة مع البلدان القريبة منها في تصنيفات التنمية مثل الهند أو جنوب أفريقيا أو فيتنام، التي بدأت تبرز بالفعل كبلدان صاعدة.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *