وجهة نظر

دفع طفلة لا تتجاوز الست سنوات نحو التسول يجر للمساءلة عن حماية الأطفال من كل أشكال الاستغلال في المغرب

لا شك أن ظاهرة التسول في المغرب باتت من الظواهر الأكثر تفشيا في الشوارع و الفضاءات و الأماكن العمومية، ولا شك أن الظاهرة قد تكون لها أسبابها و دوافعها التي قد تبدو في ظاهرها مبررة عند الكثيرين من مزاوليها ( إن لم نقل ممتهنيها )، ولا شك أيضا أنه على رأس هذه الدوافع و الأسباب الفقر و الحاجة و الهشاشة التي يعيشها كثير من الأفراد و الأسر ما يضطرهم لمد اليد استجداء لتوفير ما يسدون به جوعهم ويؤمنون لأنفسهم كسوتهم، كما قد يكون أيضا في عدم القدرة على وجود فرصة للعمل سبب آخر لهذه الظاهرة . وقد تكون هناك أسباب أخرى كثيرة و مبررات تسوغ اللجوء للتسول بشكل تجعل منه آفة تستفحل و تنتشر في مجتمعنا المغربي بشكل واسع جدا .

غير أنه مهما كانت الأسباب و الدوافع نحو الاضطرار للتسول ومد اليد للآخر، فإنه لايمكن أن نجد له مبررا كيفما كان خاصة عندما يتعلق الأمر باستغلال الأطفال في هذه العملية و استخدامهم كأداة فعالة في استمالة القلوب نحوهم، وبالتالي جعلهم مورد دخل اقتصادي مهم وفعال لمستغليهم حتى وإن كانوا أسرهم وآباءهم .

وفي هذا السياق، راعني منظر طفلة لايتجاوز عمرها الست سنوات وهي تحمل أخاها الصغير في عمر السنتين تقريبا على ظهرها، تطوف به طاولات إحدى المقاهي التي كنت جالسا بها بالأمس بمدينة الرشيدية، وهي تمد يدها لزبناء المقهى في مشهد مريع اهتزت له قلوب جميع الجالسين، خاصة وأن طفلة كهذه يتم استغلالها أبشع استغلال بعد أن تم وَأدُ  جانب الطفولة فيها، وهي بالكاد تقوى على حمل أخيها على ظهرها تطوف به الشوارع و المقاهي . ما يدفعنا هنا لمساءلة جميع الجهات المختصة من مجتمع مدني و مؤسسات الدولة عن دورها في حماية الطفولة البريئة من مثل هذه الأفعال التي ينبغي أن تسن لها قوانين تجرمها، لما ستتركه ـ لامحالة ـ من آثار نفسية بالغة على مثل هذه الشريحة من الأطفال، و التي يتم تعريضها في مثل هذه الحالات لتحرشات قد تصل ـ إن لم يكن اليوم فغدا أكيد ـ لتحرشات واعتداءات جنسية بشعة، أو ربما ارتكاب جرائم أبشع في حقها، وقد رأينا حالات كثيرة لمثل هذه الاعتداءات الجسدية و الجنسية على مثل هؤلاء الأطفال في الأسابيع و الأشهر القليلة الماضية ( قضية اغتصاب الطفلة ” إكرام” ذات الست سنوات بـ ” طاطا ” )، ( قضية اختفاء ومقتل الطفلة ” نعيمة ” ذات الخمس سنوات بمدينة زاكورة، والتي اهتز لها الرأي العام مؤخرا بعد العثور على جثتها متحللة بأحد الجبال القريب من مكان سكناها ) و غيرهما من هذه الحالات كثيرة جدا .

لكل هذا وغيره، أصبح من الضروري اليوم،وبشكل ملح، ضرورة سن قوانين تجرم هذا الفعل ممن هم وراء دفع الأطفال نحو التسول، و تعريض أجسادهم ونفسياتهم وحياتهم للأخطار، بمن فيهم الآباء الذين يستغلون أبناؤهم عامة و أطفالهم على وجه الخصوص في هذه الظاهرة، وضرورة التدخل من طرف السلطات الأمنية لتوفير الأمن و الحماية لهم من هذا النوع من الاستغلال، حتى و إن كان من جانب الآباء، كما نناشد من جانب آخر جمعيات المجتمع المدني، وخاصة تلك المهتمة بشؤون وحقوق الطفل، بضرورة التدخل لتتبع هذه الفئة من أجل تمتيعها بحقوقها وعدم إجهاض طفولتها البريئة، مع الحرص على ضرورة ضمان ولوجها للمدارس، خاصة وأن الدولة تضمن تمتيع أطفال هذا الوطن العزيز من حقهم في التعليم المجاني، وما نظن إلا أن أمثال هذه الفئة جزء لا يتجزأ من هذا الوطن الذي سيعترفون لا محالة له بفضله عليهم في إنقاذ طفولتهم، وتمكينهم كسائر أطفال هذا المغرب من الحق في التعليم وولوج أسوار المدرسة العمومية، وتوفير كل أشكال الحماية لهم من أي استغلال كيفما كان .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *