ملف

“مملكة التناقضات”: لماذا يتمتع المغرب بسمعة جيدة عند أصحاب القرار الفرنسيين؟ (ح 59)

المغرب فرنسا

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 59: لماذا يتمتع المغرب بسمعة جيدة عند أصحاب القرار الفرنسيين؟

رغم أن الأرقام متناقضة، فالسمعة لا زالت سليمة. منذ ليوطي، الذي أطلق في بداية القرن 20 واحدة من أولى حملات التواصل من أجل الترويج لمفهوم “كاليفورنيا الفرنسية” – أو “المملكة الغنية” – لم تعد شهرته تحتاج للترويج في أوساط أرباب العمل والمستثمرين من فرنسا ومن الجزائر.

وبعيداً عن السمعة الاغراء، فإن هذا النجاح يرجع إلى اعتبارات عملية: فالبلاد تتمتع باقتصاد ذي حجم صغير ولكنها تحقق أرباحاً عالية للشركات الفرنسية. وسواء كانوا يتاجرون مع البلد أو يستثمرون فيه فإنهم يتمتعون بدعم البنوك الفرنسية وجهاز الدولة الفرنسي، لأسباب سياسية وودية ومالية وتجارية.

بالنسبة لأرباب الشركات الفرنسيين، فإن محاوريهم المغاربة، الذين درسوا في نفس المدارس الكبرى ولديهم نفس الشبكات والمراجع، يبعثون على الثقة. وعلاوة على ذلك، فهم يعرفون أن الإدارة في المغرب لن تؤاخذهم على بعض التجاوزات الصغيرة وعن بعض مظاهر عدم احترام القانون من طرف المدراء والأطر.

منذ أن أممت الجزائر اقتصادها الاشتراكي، أصبح المغرب المحتضن المفضل للأنشطة الفرنسية والرأسمال الفرنسي في جنوب البحر الأبيض المتوسط.

في عام 2018، تجاوز رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر 10 مليارات يورو (أو 20 – 35% من الرأسمال الأجنبي المستثمر في المغرب حسب للمصادر)، وحوالي ثلثي الاستثمار الأجنبي المباشر الفرنسي في شمال أفريقيا، وأربعة أضعاف رصيد الجزائر واثني عشر ضعف رصيد تونس، و19% من الاستثمار الأجنبي المباشر الفرنسي في أفريقيا.

المغرب هو أكبر بلد يتلقى الاستثمار الأجنبي المباشر في أفريقيا، وأول بلد يتلقى المساعدات الإنمائية الفرنسية في أفريقيا والشرق الأوسط (القروض الثنائية، والمساعدات الإنمائية العامة والائتمانات من الوكالة الفرنسية للتنمية، والمنح والقروض، أو ما يبلغ مجموعه 3.8 مليار يورو من المستحقات في عام 2018).

هناك 500 شركة فرنسية تعمل في جميع القطاعات في المغرب ويعيش فيه 55,000 فرنسي (على الرغم من أن العديد من ذوي الجنسية المزدوجة) ويشكلون أول جالية أجنبية في البلاد.

ومع ذلك، فإن هذه المرتبة الأولى لا تقابلها مكافأة كافية، بالحكم على الأرقام والمنحنيات التي انعكست في سنوات 2010، منذ عام 2012، تنازلت فرنسا عن مكانتها كأول شريك تجاري وحالت محلها إسبانيا: فهناك اليوم 1000 شركة إسبانية تعمل في المغرب.

بالإضافة إلى ذلك، فإن حجم التجارة الفرنسية مع الرباط، التي كانت تسجل الفائض طوال القرن العشرين لصالح فرنسا، أصبحت تسجل العجز منذ عام 2010، حيث بلغ 0.9 مليار يورو في عام 2018. نقلت فرنسا جزءً من إنتاجها من السيارات إلى طنجة، مما زاد من الصادرات المغربية إلى فرنسا وفقدت فرنسا فرص الشغل وجزءً من فائضها التجاري لصالح الطرف الآخر.

ومع ذلك، فهي توفر للمغرب مساعدات إنمائية رسمية قياسية، وترسل له أكثر من ملياري يورو في شكل تحويلات (من رواتب ومدخرات المهاجرين)، وأكثر من 3.5 مليون سائح (بما في ذلك أفراد الجالية)، و3.7 مليار أورو من الاستثمارات الخارجية في عام 2018 (في المرتبة الثانية بعد إيرلندا في تلك السنة).

وبالتالي فإن صناع القرار الفرنسيين لديهم نظرة إيجابية للمغرب واقتصاده وهم يحرصون على استدامة ارتباط المغرب بالاقتصاد الفرنسي.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *