ملف

“مملكة التناقضات”: هل يستطيع المغرب إطعام سكانه؟ (ح 61)

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 61: هل يستطيع المغرب إطعام سكانه؟

مع وجود 13-14% من الناتج الداخلي الخام و40% من الأرصدة الزراعية، و4 ملايين منصب شغل، لا يزال المغرب بلداً زراعياً رئيسياً. الزراعة هي قطاع يوفر فرص الشغل في البلاد، وتمثل الصناعة الغذائية 27% من الإنتاج الصناعي. ولا يزال الاقتصاد يعتمد على الأداء الزراعي الجيد. لم يعد عام الجفاف يؤدي إلى ركود شامل مثل عهد الحسن الثاني، بل فقط إلى تباطؤ في معدل النمو: في عام 2018، انخفض إلى 3%، بعد 4.2% في عام 2017.

إن الفلاح الذي يُكيف استهلاكه مع مستوى الحصاد المتوقع، يعرف كيف يقتصد موارده المالية جداً في حالة الجفاف. لقد تم اعتماد الزراعة كقطاع استراتيجي من طرف فريق التكنوقراط المقربين من الملك. وعهد بها إلى بعض مقربيه في بداية عهده: طارق السجلماسي، رئيس بنك القرض الفلاحي، وعزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري وقد حاربا حتمية تدهور الفلاحة، الذي ينتج بؤر البؤس دون النجاح في وقف تدهور معدل الاكتفاء الغذائي، في ظل خلفية من الجفاف المستمر.

هذا القطاع الصعب وذو المردودية الهزيلة يتوفر على مجال كبير للمناورة التي يمكنها أن تعطي نتائج إيجابية هائلة: الحبوب والحوامض والزيتون والنبيذ واللحوم وصيد الأسماك، الخ. ولا تزال الفلاحة أكثر من غيرها من المجالات لها طبيعة مزدوجة: فهناك بضعة آلاف من أصحاب الأراضي الأثرياء الذين يواجهون كتلة من الفلاحين المتفرقين، حيث لا تتجاوز نسبة المكننة والتحديث 47% من هذا القطاع.

في بعض المناطق، لم يختف الفلاح المعتمد على أرضه وحدها للمعيشة. وقد استفاد مخطط “المغرب الأخضر” منذ عام 2008 من ميزانيات وطنية ومساعدات كبيرة من البنك الدولي (الري، إنشاء الطرق، حفر القنوات، الكهربة، إلخ). وتهدف وكالة التنمية الزراعية إلى مضاعفة الدخل الزراعي من عام 2008 إلى عام 2020، وزيادة حصة الفلاحة من الناتج الداخلي الخام إلى نسبة 15%.

كان من الممكن أن يصل النمو إلى 40% في غضون عشر سنوات منذ بداية المخطط الأخضر، وهي نسبة تتجاوز بكثير النمو السكاني. ولا تزال النقطة السوداء هي المحنة الهائلة للمدارس القروية، التي تشير إلى تحديث غير كامل.

كان المغرب الاستعماري مصدرا رئيسيا للمنتجات الزراعية. وعلى مر العقود، تم الانتقال من الحبوب والنبيذ إلى الحوامض والزيوت. في عام 1973، قرر القصر “مغربة ” (أي تأميم) مليون هكتار من الأراضي الاستعمارية – أفضل المساحات – للاحتفاظ بها أو توزيعها على كبار الضباط. وقد واصل الحسن الثاني سياسة بناء السدود الي بدأتها الحماية من أجل توسيع الأراضي المروية إلى أكثر من مليون هكتار. ولكن البلاد أصبحت متجاوزة بحجم النمو السكاني حيث تضاعف عدد سكان القرى ريف عندما ضرب الجفاف الكبير في الثمانينيات. هذه المأساة وضعت حدا للاكتفاء الغذائي المغربي.

إن المغرب، الذي صدّر ما يقرب من مليوني قنطار من الحبوب حوالي عام 1930، أصبح اليوم مستوردا للحبوب بحجم 55 مليون قنطار في عام 2017 وعلى مدى عشر سنوات استورد 45% من احتياجاته، مما وضعه في المرتبة 11 من البلدان المستوردة للحبوب في العالم. ومع ذلك، يستهلك المغاربة 200 كغم سنويا للفرد، مقارنة بـ 150 كغم كمتوسط عالمي. وقد انخفض هذا الاعتماد على مدى السنوات العشر الماضية، مع زيادة المردودية بفضل المخطط الأخضر بنسبة 21-71% حسب السنة.

وقد تجاوز المحصول السنوي 100 مليون قنطار من الحبوب كما أن المغرب يضمن احتياجاته من اللحوم – فالمغاربة لا يأكلون منها إلا القليل – وكذلك من الأسماك – التي تستهلك فقط في المدن الساحلية – كما يصدر 2 مليون طن من الحوامض ويوفر لنفسه 96 في المائة من استهلاك الحليب وبدأ يجرب زراعة الموز كما ينتج المغرب 50% من حاجياته من السكر الذي يستعمل على نطاق واسع في المشروبات والحلويات.

وبما أنه يصدر الأسماك والتمور والحوامض والزيت، فإن نسبة تغطيته الغذائية تبلغ 86% والحصيلة العامة سلبية (2% من الناتج الداخلي الخام)، ولكن من الممكن حدوث تحسن في هذه الأرقام ونسبة هذا الاعتماد مرتفعة جدا بالنسبة لأفريقيا ولكنها ممتاز في العالم العربي، وخاصة مقابل الجزائر.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *