أدب وفنون، المغرب العميق

بيد واحدة .. الرايس امبارك يتحدى إعاقته ويعزف على الرباب لإعالة أسرته بورزازات (فيديو)

تصوير ومونتاج: لحسن الوالي

وسط ضجيج بائعي الخضر والفواكه بأحد أسواق مدينة ورزازات، تلتقط أذناك أنغام آلة الرباب الأمازيغية التي يعزف عليها بيد واحدة الرايس امبارك الخمسيني ذو البشرة السمراء، الذي لم تجبره إعاقته على المكوث بالبيت، بل تحداها بفنه وعزفه.

بابتسامة عريضة لا تفارق محياه وعلى أنغام “الروايس” يمتطي امبارك الهوادي كل صباح دراجته الهوائية ممسكا المقود بيد واحدة.. منطلقا من منزله بدوار “تْلْمَسْلَا” بجماعة “ترميكت” في اتجاه أسواق ومحلات “هوليود إفريقيا” متجولا و باحثا عن كيرة خبز و لقمة العيش.

فقدان اليد اليمنى
وبنبرة يملؤها الحزن والرضا بقضاء الله في ذات الوقت، يحكي الرايس امبارك، الأب لأربعة أبناء، قصة فقدانه ليده اليمنى، بعدما تعرض لكسر ثلاثي سنة 1974، حيث تم بترها إثر مضاعفات جبيرة تقليدية تسببت في تعفنها.

هذه الواقعة التي ظلت راسخة في ذهن الهوادي، دفعته إلى الانقطاع عن الدراسة، “كنت أتساءل دائما كيف سأكمل حياتي وأنا مبتور اليد، وكيف سأعيش”، يقول في حديث مع “العمق”، مضيفا أن والده الذي كان أيضا يعزف على آلة الرباب كان يصطحبه في خرجاته.

ولع بفن “الروايس”
وأضاف امبارك، أن ولعه بالفن اشتد سنة 1982، كما دفعته إعاقته إلى ابتكار طريقة تساعده في العزف على آلة الرّباب بيد واحدة، حيث قام بتثبيت قوس الرباب بقطعة حديدية يقوم بوضعها على كتفه حتى يتمكن من العزف باليد الأخرى.

ومنذ ذلك الحين، يعتمد الهوادي على آلة الرباب، لكسب قوت يومه، فبها تزوج و أنجب وربى أولاده الأربعة وقام بتدريسهم. ويقول امبارك الذي ظل يردد طيلة لقائنا معه عبارة “مخصني خير”، “أعيش من كرم المحسنين ورجال البلاد، وأرتاح في العزف على الرباب”.

حتى في وقت فراغه، يعزف امبارك على آلة الرباب إذ يعتبرها مصدر سعادته، حيث يسترجع ذكرياته مع مؤنسته، أيام كان يجوب مناطق سوس، قبل أن يعود إلى ورزازات سنة 1996 ويتلقف قوت يومه من جولاته بأسواق المدينة.

“الرزاق الله”
“الرزاق الله” بهذه العبارة رد الهوادي على سؤال لـ”العمق” حول ما إذا كان المسؤولون بورزازات يلتفتون لحاله، مشيرا إلى أن صناع القرار محليا يعرفونه ويعرفون وضعيته الصعبة، لكن ما من أحد منهم يحرك ساكنا تجاهه، مضيفا بقوله: “هدفي هو أداء فاتورتي الماء والكهرباء وتوفير المصروف اليومي لأبنائي والرزاق هو الله”، موجها رسالة للمسؤولين بقوله: “ردوا لنا البال”.

حصل الرايس امبارك على بطاقة الفنان من وزارة الثقافة منذ 2015، غير أنه لا يستفيد منها شيئا، “رغم ذلك هي اعتراف أنني فنان”، يقول الهوادي مستدركا، قبل أن يشير إلى أنه يتم استدعاءه للمشاركة في بعض المهرجانات على مستوى إقليم ورزازات وحتى زاكورة.

الحجر الصحي
يؤكد امبارك الهوادي في حديثه مع “العمق”، أن المحسنين خففوا عليه وطأة الحجر الصحي، حيث انهالت عليه المساعدات من كل صوب وحدب، بعد أن كان مهموما حول كيف سيكون مصيره ومصير أسرته بعد مكوثه بالمنزل مما كان يرهقه ويذهب النوم من جفونه.

الخلف
لايزال الرايس امبارك يجد صعوبة في إقناع أبنائه بالعزف على الرباب، لكي يحافظوا على هذا الفن بعد مماته، كما ورثه هو الأخر عن والده الذي ورثه عن جده، مضيفا بقوله: “أقول لهم حتى و إن لم تريدوا العيش من هذه الآلة فقط تعلموا العزف عليها واجعلوا منها هواية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غير معروف
    منذ 3 سنوات

    تحية تقدير واحترام لهذا الفنان العصامي.فبالااضافة الى براعته للعزف على الرباب. فهو كذلك فلاح بارع.ويتقن كذلك فن السباحة على طول ضفة سد المنصور الذهبي