وجهة نظر

هل تحتاج السعودية لتركيا؟‎

حافظت المملكة العربية السعودية و تركيا على علاقات مثينة سواء من الناحية السياسية أو المبادلات التجارية التي لم ينزل مستواها على ثلاثة مليارات دولار بصفة عامة مع ملاحظة ، أن الميزان التجاري يميل بشكل كبير لصالح تركيا لأنها دولة صناعية تصدر أكثر مما تستورد في علاقاتها التجارية مع أغلبية الدول. لكن توالي الأحداث و التغيير الذي عرفته القيادة السعودية عبر صعود محمد بن سلمان، و ظهور سياسة المحاور الجديدة حيث شكلت مصر و السعودية و الإمارات جبهة مضادة لما يسمى” الربيع العربي”،ورفضت رفضا قاطعا لكل الطرق و الوسائل التي تؤدي الى حياة ديمقراطية ترتكز على الحرية. و هناك المحور التركي القطري، الذي تحمس للتغيير الذي عرفه العالم العربي بداية من سنة 2011، و بالتالي لأول مرة وجدت السعودية نفسها في موقف معارض بشدة لتركيا رغم أن القيادة في البلدين تحاشت ما أمكن الحديث عن الخلافات العميقة بين الدولتين رغم الاشتباك الذي نشب و لم يتوقف بين القوى الناعمة في كلا الدولتين ،و قد تحمست السعودية لمجابهة الأتراك في أكثر من موقف ،خاصة بعد ان صرح ولي العهد محمد بن سلمان لوسائل الإعلام المصرية بأن الخطر الذي تعاني منه بلاده يتمحور حول ثلاثة عناصر هم المتطرفيون الايرانيون،و العثمانيون.مما اعتبره الملاحظون خروجا عن المألوف في العلاقة بين الدولتين المؤثرثين في العالم الإسلامي . لكن جاءت عملية حصار قطر سنة2017 و ما تبعها من إرسال الجيش التركي الى قطر لحمايتها من تدخل عسكري سعودي إماراتي كان على وشك الوقوع حسب امير الكويت الراحل، ثم بعد دلك قتل و تقطيع الصحفي السعودي جمال خاشقجي و توفر المخابرات التركية على التسجيلات المتعلقة بعملية الاغتيال مما ساهم في تراجع ظهور ولي العهد السعودي على جميع المستويات ووجدت السعودية نفسها في أكبر ورطة حقوقية منذ تاسيسها، خاصة و أن القتيل كان يكتب في جريدة واشنطن بوست الأمريكية مما جعل السعودية في مواجهة المجتمع الحقوقي الأمريكي، و قد عرفت العلاقات التركية السعودية أزمة كبيرة لأن الجريمة وقعت على أرض تركيا و هذا فيه رسالة ان تركيا لا تحمي ضيوفها و اللاجئين إليها و تحديا كبيرا للنظام التركي .و بقيت العلاقات في مستوى جد متدن منذ دلك الحين مع حرب إعلامية لم تتوقف للحظة بين الإعلاميين المحسوبين على الطرفين الى حدود الشهر الماضي ،حيث تفاجأ الجميع بخطوات إيجابية في العلاقة بين الدولتين خاصة بعد الانتخابات الأمريكية.

أولى الخطوات تجلت في قيام ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز بإرسال مساعدات إنسانية لتركيا بعد الزلزال الذي ضرب إحدى مدنها، و قد تم إدراج الخبر في كل وسائل الإعلام الرسمية في السعودية. بعد دلك جرت مكالمة هاتفية بين الملك و الرئيس التركي أردوغان بعد سنوات من القطيعة،ثم جاء تصريح وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان بأن العلاقة مع تركيا” رائعة ” و بعدها وقع لقاء بين وزير خارجية البلدين و هناك حديث عن لقاءات على مستوى عال بين الدولتين قريبا جدا ثم أخيرا وقف المساعدات السعودية للمسلحين الأكراد….الخ

لكن السؤال المحوري هل لماذا تراجعت السعودية في اخر لحظة عن سياسة التصدي لتركيا في كل الملفات؟و ابتعدت نسبيا عن الإمارات و مصر في اكثر من ملف و هل باتت السعودية في حاجة لعلاقات استراتيجية مع تركيا؟

المتتبع لمسار التصريحات السعودية الأخيرة خاصة من قبل شخصيات مقربة من القيادة يظهر الى أن هناك اتجاهين كبيرين متعارضين من ناحية المسار الذي ينبغي للسعودية ان تاخذه في الملفات الكبرى، كملف التطبيع و العلاقات مع تركيا،فقد خرج الأمير بندر بن سلطان،السفير السعودي السابق بامريكا،و مدير المخابرات الأسبق ليكيل الاتهامات للفلسطينيين و يوصي بالتطبيع، في الأسبوع الماضي خرج تركي الفيصل و هو سفير سابق بواشنطن و لندن و شغل منصب مدير المخابرات لمدة عشرين سنة منتقذا إسرائيل و اعتبرها دولة استعمارية، و أن الفلسطينيين يعانون من الاحتلال، و هذا اعتبر انقلابا كبيرا في الموقف السعوديي بالإضافة إلى الانفراج الكبير الذي عرفه ملف حصار قطر و التصريحات الإيجابية التي أطلقها وزير الخارجية اتجاه الدوحة.

مراجعة السياسة الخارجية السعودية جاء مباشرة بعد هزيمة ترامب في الانتخابات و صعود نجم اليسار الأمريكي الذي يسبب في الغالب ” صداعا” مزمنا للسعودية خاصة في ظل إشارات من إدارة بايدن توحي بانقلابها على كثير من توجهات ترامب، الذي منح الجرأة و الثقة للأنظمة الغير الديمقراطية لتتصرف بكل حرية و بدون تردد و لن تقابل حتى بالحد الأدنى من “استنكار” الإدارة الأمريكية، صحيح أن بايدن لن يجعل من الديمقراطية في العالم العربي بندا في سياسته الخارجية و لكن هناك ضغط معنوي سيمارس على الأنظمة “المنفلتة” من الناحية الحقوقية.

ثانيا هناك الرغبة التي ابدتها الإدارة الجديدة في العودة إلى الاتفاق النووي مع ايران الذي تم توقيعه سنة2015 ،و تخلى عنه ترامب سنة 2017 ,و قد اعتبرت السعودية منذ البداية توقيع الاتفاق بمثابة طعنة في الظهر، لأن ايران عدو تقليدي لأمريكا و السعودية ،و إعادة العمل بالاتفاق يعني حصول ايران على ملايير الدولارات كانت مجمدة في البنوك الأمريكية و بالتالي سيكون دلك متنفس كبير لايران و ستتمدد أكثر و تهدد الأمن الإقليمي للسعودية حسب التصور السعودي. و قد ذكر جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الذي عينه بايدن”أن الإدارة القادمة تريد إعادة إيران للصندوق من خلال الرجوع للاتفاق النووي وإجبار ايران على الامتثال الاتفاقية الأصلية “.

ثالثا لم تستفد السعودية شيئا من التحالف مع مصر و الإمارات فقد خسرت أزيد من100مليار دولار في الحرب اليمنية ،و بالمقابل استولت الإمارات على الموانئ الواقعة جنوب اليمن، و أسست مجلس للجنوب و طردت الموالين للسعودية من عدد من المناطق، في حين حصلت مصر على70مليار دولار كمساعدات بعد الانقلاب العسكري.

كل هذه العوامل و عوامل أخرى دفعت بالسعودية على الأقل “للتطبيع”مع تركيا، لأنه أولا تركيا دولة صاعدة و حليف موثوق، و انتصر الأتراك في كل المعارك التي خاضوها من أجل أصدقائهم فتدخلهم في ليبيا أبعد قوات الجنرال حفتر 600كلم عن العاصمة طرابلس، بالرغم من الدعم الروسي،المصري الامارتي،الصيني. و قد انتصروا في أذربيجان و هزمو أرمينيا المدعومة من طرف روسيا، و هزموا الأكراد سواء في سوريا او العراق…الخ

ثانيا هناك رابطة دينية قوية تربط تركيا بالسعودية فهما زعيمتان للمسلمين السنة و قد كانت مكة المكرمة تحت القيادة العثمانية لسنوات بقيادة فخري باشا. وكدلك يمكن لتركيا أن تلعب دورا كبيرا في بناء العلاقات السعودية الايرانية لأن العلاقات بين حسن روحاني و أردوغان في احسن حال. و تحتاج السعودية للخبرة العسكرية في بناء جيش محترف لأن الجيش السعودي جيش هش ، رغم الميزانية الكبيرة التي تخصصها الدولة لوزارة الدفاع مع الأخذ بعين الاعتبار أن تركيا أصبحت دولة مصدرة للسلاح،و تحتاج تركيا بالمقابل للراسمال الاستثماري السعودي في كل القطاعات و مختلف المجالات و تعتبر قطر حاليا عي المستثمر الأجنبي الأول في السوق التركية.

عموما هناك مشاكل لازالت عالقة في العلاقة بين السعودية و تركيا لكن هناك ملامح تتشكل لبداية تحالفات جديدة ،خاصة و أن السعودية لم تبق لها نفس الأهمية عند صانع القرار الأمريكي و بالتالي فالشهور القدمة ستحمل عدد من التغييرات المفاجئة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *