وجهة نظر

دبلوماسية المملكة المغربية بين حكمة الواقعية ووهم الركوب على عدالة القضية الفلسطينية‎

في ظل تصاعد الجدل حول الاعتراف الأمريكي بوحدة الأراضي المغربية المقدسة عند كافة المغاربة، وأمام اقدام البلاد على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دولة لا زالت تبحث عن الاعترافات الرسمية، رغم أنها فارضة لنفسها واقعيا وسياسيا، في عالم لا يعترف إلا بقوة المال والاعمال والسلاح.

تصاعدت أصوات هنا وهناك متمسكة بوهم مغبون، اسمه لا محيد عن أرض فلسطسن، وكأن المغاربة لا تعنيهم القضية الفلسطينية، والتي هي بالمناسبة تشكل جوهر الوجود الوجداني لملايين المسلمين ومختلف أتباع الرسالات السماوية، بل وصل تأثيرها إلى باقي المعتقدات الوضعية وحتى اللائكية، لأن قضية الحق لا تضيع مهما أريد لها!

بيد أن الغريب في الأمر هو القصور السياسي عند بعض من يستنجدون بوهم تاريخي اسمه استرجاع الأمجاد على أنقاض التخلف، والجهل، هذا الجهل أصبح مركبا عند من يدعون التحليل الزائد عن الزيادة.

فكيف يعقل أن تستمر البلاد في وهم التناقضات الجارفة للسياسات الدولية غير الثابتة تماما، سياسات تراعي مصالح الدول القوية أولا وأخيرا، سياسات قد تتغير في رمشة عين، بمجرد ظهور عارض ما، لا يتناسب مع سياق مصالح متشعبة مؤثرة أو خفية، تتحكم في دهاليز ورداهات النظام العالمي المتشابك، والمعقد، في آن واحد.

ولعل استمرار النزاع المفتعل، حول الوحدة الترابية للمملكة المغربية والهادف إلى الاستمرار في إطالة النزاع، بغية لي دراع بلاد شهد لها التاريخ، بوحدة أراضيها وشعبها المتنوع والغني، بروافده وتراثه المتعدد والجميل.

فمحاولات المغرب المتكررة بمد يده للجارة الجزائر، بهدف طي هذا الملف نهائيا، وفق منظور يراعي مصالح الجيران، بالرغم من براءتها من حيث المرامي، لم تلقى إلا الرفض والجحود من قبل فكر، لا زال يتوهم بأحقاد تاريخية، موروثة عن كره نفسي، لجار قدم الكثير للمقاومة الجزائرية الشريفة، ايبان المد الاستعماري البغيض.

فإقامة علاقات دبلوماسية مع كيان يرغب كما يقول في السلام، مقابل اعتراف رسمي من قوة عالمية مؤثرة على عالم يلهث وراء المال ليس بالأمر الهين، بل يعد اختراقا كبيرا للدبلوماسية المغربية، اختراق سينتج عنه تغيير جدري في المستقبل القريب، بالنظر للتأثير الامريكي على الكثير من الدول التي ستجد نفسها مرغمة على سحب اعترافها بالكيان الوهمي، كيان لا يزال يقتات بعض قادته من المآسي الإنسانية لسكان المخيمات، التي ترزح في قوقعة اسمها العار!

ولعل اتصال ملك المغرب محمد السادس بالرئيس الفلسطيني السيد محمود عباس، وتأكيده على أن موقف المغرب سيظل ثابتا لدليل قاطع على من يرغب أن يحور محتوى هذا الاختراق الدبلوماسي التاريخي، وذلك بغية

خدمة مصالحه السياسية، أو الحزبية أم القومية أو الدينية الضيقة، مقابل تناسي أن الاستمرار في فلك التنديد والشجب، أضاع الكثير من الفرص على شعب فلسطيني لا زال يعاني من ويلات الانقسام، والنكسات الداخلية التي لا تكاد تنتهي.

فعبقرية الدبلوماسية المغربية والابتعاد عن منطق العواطف العابرة، وبعض الرؤى المبهمة، وتجنب إطالة الصراع، واستغلال ذلك من قوى إقليمية، وجهوية، ودولية لفرض إملاءات محدد ودورية، ستنهك البلاد على الدوام، وبالتالي فالاعتراف بواقع يعرفه الجميع، والوقوف مع القضية الفلسطينية العادلة، والدعوة لحل الصراع في الشرق الأوسط بالطرق والآليات السلمية، ودعم الوحدة الترابية للمملكة من قبل دولة مؤثرة، ووقوف تاريخي لدول الخليج الصديقة بجانب المغرب، لدليل قاطع على أننا أما قائد سفينة حكيم، له من الدراية والخبرة خصوصا الجوانب الخفية للصراعات الدولية.

فحكمة ملك البلاد محمد السادس حفظه الله، لا تقارن بسياسات حزبية مبنية على وهم المصالح الضيقة والآنية.

فقرار المملكة المغربية الدبلوماسي الجديد، يعد نجاحا تاريخيا بكل المقاييس، والزمن سيحكم بيننا!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *