وجهة نظر

دخول أمريكا في الأزمات المغاربية.. هل هو باب للانفراج أم وجه أخر لصراع؟

كاتي رأي

لا شك أن فترة “دونالد ترامب” ورئاسته للولايات المتحدة الأمريكية لمدة 4 سنوات، سوف تبقى خالدة ليس فقط في المشهد السياسي الأمريكي، بل على الساحة الدولية ككل، لما عرفته هذه الولاية من قرارات واتفاقيات وانسحابات، وأزمات على المستوى الإقليمي والدولي.

فالرئيس المنتهي ولايته، قد خلد اسمه في التاريخ السياسي العالمي ب “تغردات توتير”، جسد مندو توليه الحكم كل الخطوات، والقرارات، والاتفاقيات التي أبرمت الإدارة الأمريكية أو كانت ترعاها. حتى سار من يريد أن يتعرف على قرار أو انسحاب أو اعتراف من الإدارة الأمريكية الحالية عليه أن يتابع الرئيس “دونالد ترامب” على صفحته في “تويتر”.
وتعتبر “صفقة” القرن ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشريف، إلى جانب الخروج من منظمة الصحة العالمية، وإسقاط الاتفاق النووي مع إيران، والخروج من اتفاقية المناخ بعض القرارات “التويترية” التي نفذها ووقع عليها “دونالد ترامب” في هذه الفترة القصيرة.

أما أخر قرار وإعلان على تويتر، هو تأكيد على تطبيع العلاقة بين المملكة المغربية وإسرائيل إلى جانب اعتراف “ترامب” بسيادة المغرب على الصحراء، وجعل الحكم الذاتي المقدم من طرف المغرب سنة 2007 هو الحل الأوحد والوحيد لهذا النزاع الإقليمي.

هذا القرار الأمريكي “الترامبي” قد خلق ردود فعل متباينة بين العواصم العالمية، هناك من أيد الطرح وهناك من تحفظ وهناك من ندد بالإعلان والتطبيع. كل هذا، يجعلنا ندخل مرحلة جديدة في الصراع الذي يمتد قرابة نصف قرن.
‏ليطرح السؤال: هل اعتراف أمريكا (ترامب) بسيادة المغرب على الصحراء هو بمثابة نهاية لهذا الصراع وبالتالي بداية فصل للاستثمارات والرفاهية لساكنة المنطقة وللمغرب ككل أم أن دخول الولايات المتحدة الأمريكية لساحة النزاع هو شعار أخر لامتداد الأزمة وبالتالي إشعال المنطقة المغاربية مرة أخرى؟ وتنافس القوى الكبرى على النفوذ داخل المنطقة؟

‏هذا الإشكال مطروح بشكل أساسي فعندما نعيد عقارب الساعة إلى الوراء، ونستشف ماذا حل بالدول التي تدخلت فيها القوى الكبرى، وخاصة أمريكا وروسيا سوف تكون لدينا صورة أولية غير مطمئنة بل يشوبها الغلق والخوف.

‏فماذا، حققت هذه التدخلات للعراق وسوريا وأفغانستان.. عند دخول هاتين القوتين العظمتين، هل حققت الرفاهية والاستقرار لشعوبها أم وفرت لهم الحرية والديمقراطية، والعدالة والتنمية؟ قطعنا لا، كانت فقط بداية لتشرد وتشرذم الملايين من سكان هذه البلدان، وإرجاع بلدانهم وأراضيهم مئة سنة إلى الوراء.
هل هذه الصورة ستنعكس على التدخل الأمريكي الحاصل في البلدان المغاربية وخاصة في نزاع الصحراء.

_أمريكا وشعار التطبيع داخل المغرب الكبير …هل هو المقصد ؟

يعتبر 10 من الشهر الجاري يوم تاريخي للمغرب بعد اعتراف “ترامب “بسيادة المغرب على الصحراء وهناك من طالب في المغرب أن يكون يوم (ذكرى)، بل كانت هناك احتفالات بهذا الاعتراف في المدن المغربية ومدن الصحراء العيون والداخلة، وكما قال المتتبعين يعتبر إعلان تاريخ، رغم أنه لم يخرج من الكونغرس أو كمرسوم قانون.
لكن، من يرى، ويتتبع مخرجات، ومرتكزات الأمن القومي الأمريكي، يجد أن ليس كل ما يقال أو ينسج هو بعيد عن مرجعيات، وخطط وسياسيات وإستراتيجيات الأمن القومي الأمريكي في ربوع المعمورة.

لذلك، من يقول إن الإعلان والاعتراف سيتغير مع الرئيس المنتخب “جو بادين” بعد 20 يناير من السنة القادمة في ذألك مردود عليه بحكم أن الأمن القومي، والقرارات المصيرية تسطر داخل “غرف مغلقة” وتنفذ مع الوقت وحسب الظرفية.
لذلك الولايات المتحدة الأمريكية لم تعترف بالاعتراف بتلك السهولة، حتى بات تنظر إلى إفريقيا والمغرب العربي نظرة مغايرة عكس السابق، بعدما أصبح النفوذ الصيني والروسي يشكل حرج كبير لها.
من هنا لم يكون التطبيع أو استئناف العلاقة بين المغرب وإسرائيل، هو لب “الكعكة” والهدف الأساس (لأن العلاقات كانت مستمرة سابقا كما قال جل المحللين وأهل القرار)، بل هناك طموح أكبر من ذلك، تتطلع إليه الولايات المتحدة في المنطقة.

في أمريكا تحتاج إلى موقع إستراتيجيي جديد داخل القارة الأفريقية، بعدما باتت جل بلدان القارة السمراء تفتح مجالها واستثماراتها وقواعدها العسكرية للتنين الصيني وروسيا، إضافة أن منطقة الصحراء إلى جانب موقعها الإستراتيجي المطل على المحيط الأطلنطي تتوفر على ثروات طبيعية هائلة لم تكتشف بعد، والطرف الأمريكي يريد أن يكون السباق في وضع يد على تلك الاستثمارات والثروات، وقطع الطريق على الدول العظمى الأخرى ولو في الزمن القريب.

_هل تترك القوى الأخرى الساحة المغاربية لأمريكا؟

رغم أن الصراعات والتدخلات الأجنبية في المنطقة المغاربية، لا تنتهي وليست بالجديدة، وآخرها ما هو واقع في ليبيا، وتقسيمها إلى فصائل، وجماعات، فهل يضاف جزء آخر من المنطقة إلى هذا الصراع؟
بدون شك، تعرفنا على ردود الفعل المتباينة بعد اعتراف “ترامب” بسيادة المغرب على الصحراء هنا كان جواب الخارجية الروسية واضح اتجاه الإعلان الأمريكي وهو تنديدها بالإعلان ورفضها له. فهل هو حب في مصالح أهل الصحراء والمغرب العربي أم هو أيضا شكل من التدخل من أجل إيجاد ممر داخل المنطقة.؟
‏لذلك، لن تترك روسيا أمريكا بمفردها تتجول، وتستثمر داخل منطقة الصحراء والمنطقة المغاربية، وإذا لم تتم هناك توافقات، وجلسات من أجل تقسيم “الكعكة “، فلن تستطيع الولايات المتحدة الأميركية الاستمرار، بل سنشهد صراع دامي على النفوذ داخل المنطقة، هذا الصراع سيكون صورة مطابقة لسوريا والعراق وليبيا.

هل يعي أصحاب القرار في المنطقة المغاربية تداعيات التدخل الأجنبي؟

بدون شك، ستبقى المنطقة المغاربية عرجاء وباب لجل الصراعات، والأزمات، إذا لم يتم تفعيل “الإتحاد المغاربي” على أساس احترام أن يعيش الفرد المغاربي بعيداً عن صراعات القوى الكبرى التي هدفها في النهاية هو استخراج الثروات وكسب النفوذ، أما رفاهية المنطقة أو تنميتها فهي أخر ما تطمح إليه.
لذلك، إذا نظرنا إلى العالم المغاربي، وما يملك من ثروات طبيعية نجد أنه يتوفر على تنوع كبير في الثروات، إذا كانت هناك إرادة حقيقة بين أهرامه سيكون مؤهلا ليس فقط في غناء وتنمية شعوبه بل في منافسة التكتلات الإقليمية الأخرى.

فهل تكون هناك عقول ذات حكمة، وبصيرة تنظر إلى مستقبل هذه الشعوب المغاربية، وتبتعد بيها عن الصراعات والحروب، والتدخلات الأجنبية، وتجعل القادم هو مفتاح للازدهار والتنمية “تنمية بأقلام وأقدام شعوب هذه المنطقة وليس بالتبعية والتطبيع للأخر”.

في أخر المطاف، تبقى التدخلات الأجنبية في أي منطقة عربية كانت، هي بمثابة بداية لمرحلة ثانية، لن تكون مزينة أو ملونة بزهور والورد، فكل ما كان هناك تدخل أجنبي، كل ما كان هناك دمار وتشرذم وشتات.

* باحث في العلوم السياسية العلاقات الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *