وجهة نظر

وزائر زارني

إلى كل الأرواح الجريحة عبر كل العالم، والتي مسها الضر من جراء هذا الوباء الكاسر. فلم يمهلني أنا أيضا وطرق باب بيتي قسرا على غير موعد ليزورني ويمكث معي أياما وليال . لذا أبعث برسالة مواساة لكل المرضى وأقدم كل العزاء للشهداء الذين قضوا بسبب هذا الزائر غير المرغوب فيه . ولكن لنا رب رحيم يحمينا، فلا نفقد الأمل بغد وضاء يشع من بين تلابيب العتمة الزائلة هذه.

وزائر زارني

وزائر زارني في دجى الليل
ليس بالغريب ولا بالحبوب
طفق ذيوعه الآفاق والأصقاع
فحيث حل وارتحل زرع الرعب واندثر
تقدم الي بخطو وئيد محييا
فاستوقفته وقلت له : من أين المنطلق؟
وإلى أين المقام؟ قال بعد تردد :
جئت من اللامكان واللازمان…
وسأحط الرحال هنا دهرا..
فاستهجنت رده متطيرا وأجبته :
مهلا فكما يبدو انت هائم على وجهك!!
ولا ترسو على بر.. ذائب الحركة والوثب
تخبط خبط عشواء يمينا وشمالا
وتغادر بعد ان تترك ندوبا لا تلتئم أبدا.
أوما الي بعد ان مسح على جبيني رجفة
هي دورة على ان انجزها ثم اغادر
تلك سنة الطبيعة على ارض البشر
فتراقصت امام عيني صور وكلمات مبعثرة
لا عهد لي بها ولا صلة فرددت للمتنبي
اعتباطا كأن أبياته حطت على لساني حطا :
أرى الأجداد تغلبها كثيرا *** على الأولاد أخلاق اللىام
وزائرتي كأن بها حياء *** فليست تزور إلا في الظلام.
يا ما ظننت أن زائرا غير مرغوب لن يزورني
وأنه لا يزور إلا الآخرين في هذه العتمة
لكنه أبكر في الموعد ولم يخطىء العنوان
ظلمته طالت كأنها دهور سقم سرمدية
أشربتنا ألما ووجعا وتأوها إلى حد الثمالة
تريد خطفنا من حياتنا خطفا
ونحن نزداد تشبثا بها إلى حد الوله
فهل من لم يزره هذا النديم سعيد؟
وهل من زاره وساهره شقي ؟
مقابلة بئيسة عصية على التحمل !!!
بالمناسبة هو لا تحلو له الندامة
والسهر إلا في عزلة ووحدة
لا يبغي فيها لا أنيسا ولا شريكا
يتكفل بكل التفاصيل والمدد
برفقة كؤوس العقار والعلب.
يصب الكأس ويتبعه بكؤوس تسكرنا
وفي الأخير يحضننا بحرارة وتأوه شديدين
إلى حد أن رأيت طيف أمي يحوم حولي
خفيفا يدغدغني بنعومة ولين
رمى في خلدي الدفء والأحضان
لأجد فيه ملجأ وعزاء
فطالما اشتقت إلى لمستها الشافية
ونظراتها الرؤوفة أرشف بها قلبي
فلم أخشاه ولم أرتجف كما تتوقعون
وستقولون: طيف شؤم وطالع سوء!!
بل استأنست به كأنه رسول عهد غابر
عهد ولى ولم يعد في إمكاننا عيشه
عهد السعادة والحياة البسيطة
داوى جراحي واطفا نيران قهري
فتراني ألهث مرهقا بين عالمين:
عالم خيالي حالم، وعالم واقعي بشع
فأنا للعالم الأول أنتمي ولا أبغي به بدلا
لألوذ به بلسما بجروحي المثخنة والمزمنة.
فعلا ما من شيء يجعلنا “شعراء”
، مثل ألم عظيم.. ألم خلاق
على حد قول ألفرد دو موسيه،
يأتي من عمق الجراح وينتشر إلى فروعها
فلا تؤنس وحدتي إلا حروفي المبعثرة
تخفف من شراسته ووطأته علي.
أما لهذا الزائر أن يلين ويستريح منا؟
ويغادر المكان والزمان والنفوس
فقد طال مكوثه وثقل ظله
وملأ قلوبنا رهبة وضيقا تنوء بها
صدور العالمين الضعيفة
سئمت معه “حجري” أو قل
منفاي الاختياري هذا
ولو قال فيه أدونيس :
المنفى هو قدر الشاعر وموطنا لجروحه
وأنه في المنفى نبحث عن منفى آخر او ملاذ بديل
ما أريده هو ان يبقى بيتي صامدا
أمام إعصار الزمن الداهم هذا
ليظل قويا جميلا وأعلل النفس
بما جادت به قريحة المتنبي :
بم التعلل لا أهل ولا وطن
ولا نديم ولا كأس ولا سكن
أريد من زمني ذا ان يبلغني
ما ليس يبلغه من نفسه الزمن
وكذلك :
العشق إن لم يعتق بين أضلعنا
فإننا عنه للأشعار نعتذر
ومن مخائيل نعيمه اقتبس أبياته على أمل :
سقف بيتي حديد
ركن بيتي حجر
فاعصفي يا رياح
وانتحب يا شجر
وحين بدأ يتلاشى الزائر ويذوب كما الثلج
تأملته جيدا وخاطبته :
ها أنا أتممت ديني على أتم وجه هذه المرة!!
فلا شكوت وجعا ولا انتحبت دمعا
ولا استدررت عطفا ولا ركعت استجداء
داويت نفسي بدعم افتراضي
فلا عين رأت ولا قلب وجع
قصدت أن تحول حياتي مأساتي
فأصريت على حبها رغما عن أنفك
وسأظل عاشقا لحبها الفتان!!
فأجابني بصوت المتنبي الجهوري
مزلزلا المكان وبكى عرقا
معبرا عن افتقاده لي قائلا :
وإذا سحابة صد أبرقت
تركت حلاوة كل حب علقما
وما كنت ممن يدخل العشق قلبه
ولكن من يبصر جفونك يعشق
وقد يجمع الله الشيئن بعدما
يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
أيكون بذلك يعدني بزيارة ثانية؟؟؟؟
هكذا فهمت خطابه متأخرا !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *