ملف

“مملكة التناقضات”: لماذا لا يفهم العرب المشارقة العربية المغربية؟ (ح 72)

تعلم الدارجة المغربية

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 72: لماذا لا يفهم العرب المشارقة العربية المغربية؟

“الدارجة هي لغتنا الوطنية” هو عنوان العدد 34 من مجلة TelQuel الصادر عام 2002. هذا النوع من المطالب لم يكن وارداً من قبل لطالما اقتنع المغاربة، مثل جيرانهم الجزائريين، من طرف عرب الشرق الأوسط والمستشرقين الفرنسيين بأن لغتهم العربية الدارجة، هي أقرب إلى خليط مخجل لا يرقى إلى مستوى اللغة بل هو فقط “لهجة” متداولة كما يصفها معهد اللغات الشرقية في باريس.

وفي حين أن معظم سكان شمال أفريقيا يجيدون الدارجة، إلا أن لغتهم الأم هذه- على عكس اللغة العربية الفصحى- يُنظر إليها على أنها حديقة سرية لا يجب تقاسمها مع الأجانب. إنها لغة غير معيارية وغير مكتوبة ولا تعترف بها الدولة ولا مؤسسات الإسلام الرسمية التي تفضل اللغة العربية المعيارية المشتركة. وهكذا فإن اللغة العربية الشعبية في بلدان المغرب العربي لها عدة صيغ مختلفة حسب المناطق، من هضبة المحيط الأطلسي المغربية إلى قسنطينة الجزائرية.

تتميز هذه الكتلة بالفوارق الدقيقة واللهجة التي تنفرد بها اللغة العربية الشعبية التونسية-الليبية ولكن لا يوجد فاصل حدودي مضبوط. كلما توجهنا نحو الغرب ابتعدت الدارجة الشعبية عن اللغة العربية الشرقية وازداد تأثرها بالأمازيغية أصبحت أكثر تعددا في عناصرها اللغوية والفونولوجية والدلالية، لدرجة أنها تصبح غير مفهومة تقريباً للسامع المشرقي.

لتفسير هذه الظاهرة، سوف نتناول قضية الثنائية اللغوية.

تتميز اللغة العربية بالفروق بين تجلياتها المحلية المختلفة وتنوع أشكالها المكتوبة ومنها العالمية – بالنسبة إلى العربية القرآنية، التي بقيت دون تغيير منذ كتابة القرآن، كما هو الحال بالنسبة للغة العربية الفصحى الحديثة التي أعيد ضبطها في بلاد الشام، لبنان وسوريا، في القرن العشرين والتي أصبحت هي اللغة الأكاديمية والإعلامية. أما شفوياً فإن الشعوب الناطقة بالعربية تستخدم أصنافا أخرى مختلفة قليلا عن هذه اللغة الرسيمة.

وهذا هو السبب في أن الفرنسيين يسمونها اللهجات، في إشارة إلى اللهجات الفرنسية القديمة. ولكن، على نطاق عربي، يذكّر هذا الانحراف اللغوي بالانتقال من اللاتينية إلى اللغات الرومانية مثل الفرنسية أو البرتغالية. إلا أنها أصبحت لغات “وطنية” بعد قرار الدول الوطنية. لا شيء من هذا القبيل حدث في جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط حيث تظل اللغة المرجعية هي اللغة القرآنية، حتى في نسختها الحديثة.

في غياب الضبط والاستقرار اللغوي بالكتابة، تطورت الدارجات في الزمان والمكان. كلما ذهبنا نحو الغرب، كلما اقتربت من اللغات البربرية. ووفقاً لعلماء اللسانيات فإن الدارجة تتألف من 30% (حسن منياني) إلى 70% (أحمد بوكوس) من المصطلحات الأمازيغية ومعظم الكلمات يتم استخدامها أو معرفتها في اللغتين.

لقد احتكرت اللغة العربية مجالات الدين والسياسة والقانون، في حين بقيت الأمازيغية بمعجمها حاضرة في الفلاحة والحياة اليومية (رعي الحيوانات، الطبخ، إلخ). وبعد الاتصال مع الأتراك والإيبيريين والفرنسيين انضافت إليها آلاف الكلمات غير العربية.

وهذا المزيج اللغوي يفسر عدم استيعاب العرب الشرقيين لهذه اللغة التي يعتبرونها “بربرية”، في حين يسميها المغاربة “العربية”. وعلاوة على ذلك، تتميز العربية المغاربية باختفاء أحرف العلة، مما يجعلها خشنة على الأذن الشرقية وخاصة بالنسبة للكلمات التي تبدأ بحرفين ساكنين..

فالأفعال المغربية تصرّف في أزمان الحاضر والمستقبل بإضافة حروف أمازيغية في مقدمة الكلمة، والخلاصة أن الدارجة المغربية لغة مختلفة، على الرغم من أنها ليست بعيدة عن لهجات الشرق الأوسط.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *