ملف

“مملكة التناقضات”: لماذا لم تختف اللغات الأمازيغية من التداول (ح 73)

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 73: لماذا لم تختف اللغات الأمازيغية من التداول؟

في القرن العشرين، تراجعت اللغات الأمازيغية في المغرب تراجعا ملحوظا وتتمثل العوامل الرئيسية في تراجع دور القبيلة والخروج من الإطار الجغرافي والاجتماعي المفروض على جزء كبير من السكان (الهجرة القروية، التمدن والهجرة إلى الخارج) ولكن العناصر السياسية والأيديولوجية لها وزن كبير.

وفي سياق الاستعمار الفرنسي، بل وأكثر من ذلك في سياق المغرب المستقل، عملت السلطات باستمرار على ترسيخ الثقافة العربية واللغة الفرنسية. وحتى في ثانوية أزرو الأمازيغية التي أنشئت في الثلاثينات في قلب الأطلس الأوسط من طرف الحماية الفرنسية من أجل تعليم أبناء الزعماء الأمازيغ كانت الدروس باللغة الفرنسية والعربية فقط.

إن فرنسا، من خلال احترامها للإسلام واللغة العربية في قلب الصرح المؤسسي المغربي، ثم حزب الاستقلال وملك المغرب، من خلال الربط بين الوطنية المغربية والقومية العربية الإسلامية، ساهموا عن وعي في إضعاف الأمازيغية في المغرب.

ونتيجة لذلك، فإن نسبة الناطقين باللغة الأمازيغية، والتي من المفترض أن تقترب من 75-80٪ من السكان في عام 1912، وفقا لسجلات مئات القبائل في البلاد، أخذت في الانخفاض لكن الخبراء يختلفون على المستوى الذي وصلت إليه في بداية القرن الحادي والعشرين.

خاصة وأن تداول الأمازيغية يمكن أن يكون محجوبا باستعمال الدارجة، وخاصة في المدن. وفقاً لإحصاء عام 2004، هناك 28% من السكان المغاربة لغتهم الأم هي الأمازيغية، وهذا عامل أساسي لأن اللغة لا تنتقل بين الأجيال إلا داخل الأسرة، لكن وفقاً لأوساط النشطاء الأمازيغيين فإن 60% من المغاربة لا يزالون يتحدثون اللغة الأمازيغية وهناك عدة عوامل تدعم حدوث انخفاض حاد في ممارسة هذه اللغات.

في المدن، تفرض الدارجة نفسها كلغة للتواصل العام، والتكتلات المتجانسة الناطقة باللغة الأمازيغية تتقلص (منطقة الريف حول الحسيمة، منطقة الأطلس الكبير حول الراشيدية، أو سوس حول تيزنيت)، بالإضافة إلى ذلك، انطلقت الهجرة بشكل رئيسي من المناطق الأمازيغية (سوس والريف)، وتدفع الهجرة “الشلوح” من سوس إلى الدار البيضاء و”البربر” من الأطلس المتوسط إلى الرباط وفاس، وهي معاقل اللغة العربية.

ولا تزال المدن الكبرى مثل أكادير والناظور ومراكش وحتى الدار البيضاء، حسب الأحياء، مختلطة جداً، ولكن التعليم المدرسي يكرس انتشار اللغة العربية في كل مكان.

ومع ذلك، إذا لم تكن الأمازيغية قد انهارت في جيْل أو جيْلين مثل البريتونية le breton والإيرلندية l’irlandais، بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، على الرغم من تصميم القوميين العرب ورجال الدين، فإن ذلك يرجع إلى أن اللغات الأمازيغية محمية من طرف الأمية الجماعية التي تسود العالم القروي في البلاد، وخاصة بين النساء، اللواتي يسجل عندهن أعلى معدلات الولادة.

لا يزال هناك الآلاف من الدواوير والقرى التي لا توجد بها مدارس في المغرب، أو على الأقل فيها مدارس في وضعية يرثى لها بحيث أن التعليم لا يتجاوز بضع سنوات، مما يجعل تعلم اللغة العربية قابلا للتراجع.

وهناك نوع من سباق السرعة الذي يحدث بين الأمازيغ الذين فرضوا في عام 2011 الاعتراف بلغتهم كلغة وطنية رسمية، وأنصار التعريب أو الفرنسة، الذين يعترضون على تفعيل هذا الترسيم الدستوري لا سيما على المستوى المدرسي.

وليس من المستبعد، على مدى عشرين أو ثلاثين عاماً، أن يتمكن أمازيغ المغرب، مستندين إلى الديمقراطية، من الحفاظ على لغة أسلافهم ونقلها إلى جزء من ذريتهم. لكن ذلك سينجح (أو لن ينجح) بفضل المثقفين الأمازيغ وليس الطبقات الشعبية، التي ستذهب إلى حيث توجد مصلحتها.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • Zizu
    منذ 3 سنوات

    ستعود اللغة الامازيغية بقوة لأنه ببساطة رغم كل الظروف فالغبار سيزول يوما ويبقى الاصل