وجهة نظر

خطوة لا تحتاج إلى تبرير.. والحل مؤتمر استثنائي

* ياسر ابن الطيبي 

حزب العدالة والتنمية يعتبر من أهم الأحزاب المغربية التي ينتظر منها أن تقوم بأدوار مهمة لتطوير الحياة السياسية المغربية، غير أن ما حصل مؤخرا يحتاج منه لبعض الوقت ليستوعب الحدث وينجح في بلورة الموقف المناسب الذي يمكنه من خدمة قضايا وطنه وأمته انسجاما مع مبادئه ومنطلقاته الفكرية والسياسية، ووضعها ضمن المتغيرات الجديدة التي ستعرفها المنطقة، ولاسيما ما يتعلق بقضية الوحدة الترابية للمملكة، وما يتعلق بالحركية المتسارعة للتطبيع مع دولة الاحتلال، وهو ما يطرح التساؤل هل سنشهد تطبيعا لحزب العدالة والتنمية مع آفة التطبيع؟

في انتظار المزيد من وضوح الصورة على هذا المستوى، وفِي انتظار انعقاد المجلس الوطني للحزب الذي يعتبر أعلى هيئة تقريرية بعد المؤتمر الوطني، سأكتفي في هذا المقال بمناقشة خطوة التوقيع على إعلان الرباط من طرف الدكتور سعد الدين العثماني باسم المملكة المغربية، إلى جانب مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنير ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي بن شبات . وكيف يمكن قراءتها حزبيا؟

هذه الخطوة خلفت نوعا من الذهول والصدمة لدى قواعد الحزب فالامر لا يتعلق بحدث ظرفي ولا بحدث معزول، ولا بموقف مرحلي، ولكن يتعلق بانطلاق مرحلة جديدة وهي مرحلة لا يمكن التعاطي معها بفرض الامر الواقع، أو عن طريق بعض المقالات التبريرية المستعجلة، ولكن لابد من الوعي بطبيعة هذه المرحلة جيدا والاستعداد لها، وقراءة نعكاساتها المستقبلية على الحزب وعلى المغرب والتي ستكون ذات تداعيات كبيرة وخطيرة أيضا.

دعونا نتفق أولا أن توقيع السيد رئيس الحكومة هو مشهد مؤلم وسيسجل في تاريخه الشخصي كخطيئة سياسية كبرى سواء أحببنا ام كرهنا، طبعا، هناك الكثيرون الذين يتفهمون الاحراج الذي وقع فيه السيد رئيس الحكومة، وحاولوا الدفاع عنه بالنظر لمكانته المؤسساتية… وهو ما يطرح سؤالا عريضا عن موقع رئيس الحكومة في مثل هذه القرارات، والى اي حد يمكن تبرير وقبول اقدام شخصية مَسؤولة عن التوقيع على قرار غير مفكر فيه من طرفه وغير مستشار معه بصدده.. وهو قرار يخالف المبادئ المتفق عليها داخل الحزب الذي ينتمي إليه!!!

لقد كان توقيع الدكتور سعد الدين العثماني رئيس الحكومة مفاجئا لقواعد وقيادات الحزب، ولم يكن متوقعا، ولم يكن مفكرا فيه ولم تتخذ قيادة الحزب بصدده أي موقف، وإنما اكتفت منذ 10 دجنبر إلى 23 دجنبر ببيان يتيم وخرجة إعلامية لرئيس الحكومة غير واضحة في رفض التطبيع، ولم تبذل قيادة الحزب أي مجهود لرسم حدود لهذا المسار وتجنيب الحزب السيناريو المؤلم الذي وقع فيه، في الوقت الذي كان فيه المناخ الإعلامي يتهيأ لهذه الخطوة ويمهد لها ولم تمتلك قيادة الحزب أي نظرة استباقية ولا خطة تفاوضية للتعامل مع اللحظة وتجنيب الحزب الإحراج الذي وقع فيه.

نعم لقد تصرف الدكتور سعد الدين العثماني باعتباره رئيسا للحكومة، وقيادة الحزب تدرك جيدا أن موضوع استئناف العلاقات مع دولة الاحتلال مرتبط بسياسة الدولة وأن الحزب وقيادته لم يتم إشراكهما في هذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد، ولذلك من الصعب اعتبار توقيع الدكتور سعد الدين العثماني يمثل موقفا لحزب العدالة والتنمية، لكن الخطأ القاتل والزلة الكبرى هي الدعم الذي قدمته الامانة العامة للدكتور سعد الدين العثماني في هذه الخطوة، وهو موقف سياسي كبير لا يقل خطورة عن التوقيع ، وهو موقف غريب يحتاج إلى وقت لهضمه واستيعابه، وفهم خلفياته الحقيقية … وهو في نظري خطأ سياسي فادح لأنه قام بتحميل الحزب تبعات موقف لم يتخذه ولم يشرك فيه..

فبقدر ما يمكن تجرع الخطوة التي أقدم عليها العثماني باعتباره رئيسا للحكومة وهو في موضع المكره الذي لا يملك من أمره شيئا، بقدر ما ينبغي مساءلة الامانة العامة ومحاسبتها على التسرع في تحميل الحزب جريرة موقف اتخذ بعيدا عنه وعن مؤسساته.

وهو ما فتح الباب على مصراعيه للذين اعتادو منطق التبرير والتنظير لمواقف لم يكن لهم دور في صناعتها ولا في اتخاذها، عبر مقالات متسرعة تفتقد للمصداقية وللتماسك المنطقي ولاتزيد إلا في تأكيد الأزمة السياسية لحزب العدالة والتنمية.
وهي أزمة رؤية وتصور سياسي لكيفية إدارة المرحلة القادمة.

ومرة أخرى نؤكد أن الحل هو مؤتمر استثنائي لزرع روح جديدة داخل الحزب قبل خوض الاستحقاقات القادمة، اما غير ذلك فهو هروب من المسؤولية وذهاب بالحزب للمجهول… والتاريخ بيننا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *