وجهة نظر

المغرب والجزائر.. وئام لا خصام !

1 – منذ أزيد من خمس وأربعين سنة والنظام الجزائري يعزف أغنية ثقيلة الإيقاع هزيلة المحتوى رديئة الإخراج، مفادها أن الجزائر لا دخل لها في قضية الصحراء الغربية المغربية، وأن الموضوع في جوهره يتمثل في وجود “شعب صحراوي” يقاوم من أجل حصوله على الاستقلال، على أن يستند ذلك على قرارات المنتظم الدولي وفي مقدمتها تنظيم الاستفتاء من أجل تقرير المصير. وفي المقابل يطمح المغرب إلى بلورة حل نهائي لأقاليمه الجنوبية بعد أن استرجعها إثر المسيرة الخضراء سنة 1975، ومعلوم أن مبدأ تقرير المصير بمفهومه التقليدي لم يعد ممكنا اعتبارا لاستحالة التوافق على من يحق له التصويت في هذا “الاستحقاق”، مما حدا بالمغرب إلى أن يبادر إلى تعمير هذه الأقاليم الجنوبية العزيزة، وتمكينها من كل وسائل الحياة الكريمة من مرافق عمومية و مركبات سكنية مجهزة بشبكة الماء و الكهرباء ومدارس و تمتيع الساكنة الصحراوية من حق الانخراط في الحياة السياسية على جميع المستويات .. و في سنة 2007 بادر المغرب باقتراح بالغ الأهمية تمثل في عرض الحكم الذاتي كأفق وأرضية لحل سلمي واقعي متفاوض عليه ، بعد ذلك بسنوات قرر المغرب أيضا العودة إلى البيت الإفريقي من زاوية التضامن والاستثمار والتنمية الشاملة، مما أحدث زلزالا سياسيا بالمعنى الإيجابي في السياق الإقليمي و الدولي.

2 – ولما أيقنت جبهة البوليساريو الانفصالية ومن يدعمها أن شعارات الحرب الباردة بدأت تتلاشى أمام التحولات السياسية الدولية، وأن المنتظم الدولي منشغل بقضايا صحية و اقتصادية مفصلية .. فكرت ودبرت أن تثير الانتباه إلى أحلامها غير المطابقة للواقع العيني ، فأرسلت مجموعة من المنفلتين إلى منطقة الكركرات لقطع الطريق على سائقي شاحنات البضائع و ممارسة كل أنواع البلطجة والتخريب والتهديد والاستفزاز، مما حث جل دول العالم على التنديد بهذا المسلك الترهيبي غير المسؤول والذي ألحق أضرارا جسيمة في التجارة بين المغرب ودول جنوب الصحراء طيلة ثلاثة أسابيع، ولولا تدخل الجيش المغربي لاستمر الوضع الكارثي على ما هو عليه !

3 – واعتقد المتتبعون لشأن الواقع السياسي الإقليمي أن الجزائر قد تتخذ قرارا تاريخيا، يتجسد في التنديد بهذه المسرحية السوداء وتؤيد الخطوة التي نهجها الجيش المغربي لإبعاد الأذى عن الطريق بحرفية كبيرة، وبعد “أيام قليلة” صحا العالم على وقع إعلام جزائري مجنون ، كل الفضائيات و الصحف و المواقع “الإخبارية” تقصف بلا هوادة العدو المغربي الأبدي، وتتفنن في عرض أحداث و فيديوهات خيالية للإساءة والتحرش والتضليل، خاصة بعد أن اعترفت أمريكا بالسيادة المغربية الكاملة على الصحراء. والسؤال الذي طفق الإعلام الدولي يطرحه باستغراب غير مسبوق هو: لماذا انتفضت الجزائر انتفاضة، وتأثرت تأثرا، وانفجرت انفجارا ؟ ما دخلها في حدث يخص المغرب والجبهة الانفصالية؟ لماذا لا تلتزم بالحياد المطلوب وتعمل على “تقريب” وجهات نظر “المتخاصمين” في مناخ من الأخوة وحسن الجوار والاحترام المتبادل، من أجل ضمان الاستقرار والتقدم والازدهار !؟

4 – لم يعد هناك مجال للشك في أن الجزائر هي المحرك الأساسي للبيدق الانفصالي، وأن الحديث عن خرافة الدفاع عن تقرير مصير “الشعب الصحراوي” لم تعد تنطلي على المنتظم الدولي، وإلا لكانت دافعت بنفس الحماس عن كوسوفو و الباسك وكاتالونيا ومنطقة القبائل الجزائرية .. وانفتحت بإيجابية على الحراك الجزائري الراهن المطالب بالدولة المدنية والقيم الديمقراطية الكونية، أما شعار “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة” فهو مجرد فذلكة لغوية ومقاومة صوتية تكذبها الوقائع والأحداث المتسارعة. إن للنظام الجزائري أطماعا في الصحراء لثلاثة عوامل: 1 – إضعاف المغرب و إرهاقه و “تأزيمه” . 2 – إشغاله عن المطالبة المشروعة بصحرائه الشرقية التي مازالت تحت السيادة الجزائرية كما هو معروف دوليا . 3– الوصول إلى المحيط الأطلسي و تطويق المغرب من كل جهة، لأن النظام العسكري أدرك عجزه على الهيمنة الإقليمية سلميا.

5 – ولعل إشارة القرار الدولي الأخير إلى ضرورة انخراط الجزائر في الحوار المباشر من أجل إيجاد حل سياسي واقعي قابل للتنفيذ، يحظى بموافقة جميع الأطراف ذات الصلة بقضية الصحراء المغربية دليل واضح على أن الجزائر طرف أساسي وليس مجرد مراقب خارجي “للوضع”. وفي المحصلة نحلم كمغاربة أن تعود روح التضامن والأخوة والسلام إلى المسؤولين الجزائريين، لنعمل سويا من أجل غد أفضل حيث وحدة الشعوب المغاربية ونهضتها وعزتها، لقد أخلفنا مواعد وضيعنا عقودا في العداء والكيد والحصار دون طائل، فلنجرب فصول المحبة والتآزر والانفتاح، عسى أن تكون خيرا وأبقى !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *