وجهة نظر

هل كان بإمكان المغرب إحراز الاختراق التاريخي باعتراف أمريكا بمغربية الصحراء دون التطبيع مع إسرائيل؟

المغرب إسرائيل

من المرجح ان يكون للسؤال الذي صغناه كعنوان لهذه المقالة تأثيراً مهما على ساحة العمل والتفكير السياسي في المغرب لفترة غير يسيرة، نظرا لأنه يتضمن اشكالا جوهريا،ولارتباطه بقضايا محورية وإستراتيجية تهم سياسة الدولة،ومختلف الفاعلين الآخرين هيئات وأفراد كما يهم كافة الشعب المغربي ،وهو يتعلق بما هو خارجي يندرج في مواقف وقرارات وسياسات الدولة على الساحة الدولية …كما له تأثير على سلوك مختلف الهيئات والتيارات واصطفافاتها على مستوى ما يتعلق بالشأن الداخلي للمجتمع المغربي… لذا فان الامر يستدعي من الجميع التحلى بمستوى عال من الرزانة،والتعقل والنضج ،والابتعاد عن الانفعال الحماسي ألزائد وذلك لأنه يرتبط بقضايا مصيرية بالنسبة لمجتمعنا ولدولتنا …ولان من شان حوار يتسم بالايجابية والاتزان والموضوعية ان يساهم في تقوية مواقع بلدنا على جميع الاصعدة ،ويجعل مجتمعنا يتقدم بثبات الى الامام في تحقيق استقراره وازدهاره وضمان حرية وكرامة مواطنيه ،والعكس صحيح، فان اي زيغ وانحراف عن الحرص على المصلحة الحقيقية لبلادنا ولقيمنا وأهدافنا النبيلة ….سيجعلنا لقمة سائغة في يد خصوم بلدنا المختلفين والذين يتربصون بنا الدوائر .

يتعلق الامر في هذه المقالة بمحاولة تحليل علاقة التلازم والتأثير بين الدفاع عن وتعميق سيادتنا على اقاليمنا الصحراوية الجنوبية ،وبين تبني دولتنا لقرار التطبيع مع اسرائيل ولهذه الغاية ،فان ما سنحاول القيام به هو:

اولا : رصد سيرورة سياسات الدولة والمجتمع المغربي على مستوى التصدي لمشاكله الداخلية،وعلى رأسها دفاعه عن قضية وحدته الترابية.
ثانيا : المميزات الهامة للوضع الدولي وانعكاساتها على قضايا الشرق الاوسط .
ثالثا: وأخيرا مسالة التطبيع وعلاقتها بكل ما سبق .

اولاً: قضية فرض سيادة المغرب على صحرائه هي القضية الاولى للشعب المغربي .

ظل المغرب يضع ضمن اولويات اهتماماته قضية استكمال وحدته الترابية خصوصا تثبيت سيادته على اقاليمه الجنوبية …وارتبط الامر عند الجميع بقناعة ربط الامر بقضيتين اساسيتين : تحقيق الديمقراطية ،وتحقيق التنمية …ولعقود من الزمن عمل المغرب – وبالرغم من الصراعات القوية احيانا التي كانت تخترق مكوناته – ضمن هذا الافق … لكن الامر سيتخذ منحى اكثر جدية وعمقا في العقدين الاخيرين خصوصا في ظل قيادة جلالة الملك محمد السادس ،الذي تبنى مشروع المجتمع ألديمقراطي الحداثي، كأفق للعمل والتعبير ،ضمن توافق وإجماع وطني متقدم.

وفي هذا الصدد تم تحقيق انجازات هيكلية وتشريعية ومؤسسية مهمة ،شملت مختلف الجوانب ،السياسة والاجتماعية والثقافية والدينية وغيرها …كتحقيق الانصاف والمصالحة ،ودسترة اللغة الامازيغية ،ومدونة الاسرة …وبلورة مقترح الحكم الذاتي …وصياغة دستور جديد متقدم شكلا ومضمونا (دستور 2011) ،وفتح ورش اللامركزية و اللاتمركز – وورش الاصلاح الضريبي والقضائي والإداري ،واقتصاديا تم تحقيق انجازات كبرى (ميناء المتوسط – الطريق السيار – القطار السريع – تعميم الكهرباء والماء في مناطق المغرب – النموذج التنموي في الاقاليم الصحراوية …طنجة تيك – طريق تزنيت الداخلة السيار – مشاريع وانجازات الطاقة المتجددة… ومشاريع وانجازات تحلية مياه البحر وبناء السدود …الخ

ورغم مختلف هذه المنجزات فقد كان شعور الجميع ان المغرب لازال لم يلج مجال نهضة تنموية متكاملة الشروط …وعلى رأسهم ملك المغرب ،الذي دعى وعمل على التخطيط لنموذج تنموي جديد يحمل المغرب الى مصاف الدول المتقدمة…

لكن بشكل مواز تحرك المغرب بقوة على مستوى الواجهة الدبلوماسية ،دوليا بزيارة وإبرام معاهدات هامة مع بلدان عالمية وازنة ،كالصين و روسيا والهند وغيرها، ومركزا على المجال الافريقي حيث في زمن قياسي استطاع زيارة جل البلدان الافريقية وعقد معها مئات المعاهدات، والاتفاقات ،شملت مختلف الميادين المالية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية والدينية …الخ …وانطلقت حملة استثمارات مهمة في العديد من الدول الافريقية …وارتبط ذلك كله بالانضمام المظفر الى الاتحاد الافريقي …

ولم تكن هذه الانجازات الدبلوماسية والاقتصادية معزولة عن انجازاته على مستو قضيته الاولى الصحراء المغربية … حيث تم تحقيق الانتصار تلو الاخر… على مستوى موقف دول محددة او بالنسبة للمنتظم الدولي خصوصا ضمن مجلس الامن وقراراته ،حيث اصبح مقترح الحكم الذاتي طاغيا كاختيار وحيد لحل القضية امميا.

في هذا الواقع ،كون المغرب من جهة حقق تقدما وانتصارا دبلوماسيا مهما على صعيد ضمان سيادته على اقاليمه الجنوبية ،دوليا وقاريا ….وارتبط ذلك بتقدمه المشهود على مستوى التحديث والديمقراطية وكذلك على مستوى تحقيق نهضة تنموية ،خصوصا على مستوى المشاريع الاقتصادية المهيكلة …

وبحكم ما اصبحت تحتله القارة الافريقية في ساحة جذب متقدمة للرأسمال العالمي ،لما تختزنه من ثروات بكر مغرية بالنسبة للدول الكبرى ألصين امريكا / روسيا ودول اروبية …).

كل ذلك وغيره ،جعلت مختلف تلك الدول، تنظر الى المغرب باعتباره المدخل والجسر والمنصة الاكثر ملائمة ،للولوج الى مواقع مهمة بإفريقيا …بل لجل البلدان الافريقية المهمة …

{ وهذا ما يفسر العديد من المواقف والانحيازات التي قامت بها بعض الدول المهمة في علاقتها مع المغرب } .

هذا الواقع ادى الى تطورين :

اولهما بدء الصراع والتنافس بين العديد من الدول الكبرى على خطب ودَ المغرب ،والتعبير له عن استعدادها لعقد او تعميق علاقات استراتيجية : امريكا /الصين /روسيا/ودول اوربية كفرنسا واسبانيا وألمانيا…

قرار الجزائر اعاقة لهذا المنحى التطوري في تموقع المغرب اقليميا وقاريا ودوليا …الجزائر التي ظلت تعتبر نفسها الدولة الاقليمية الاولى في المنطقة ،والتي لا تتحمل ان ترى المغرب يحقق كل ذلك التقدم بل ترى أن الامر يتم على حسابها …الخ

وعبر صنيعتها البوليساريو ،ستعمل على محاولة فرملة تجاه الاحداث وهذا هو العامل الاساسي الحقيقي وراء واقعة الكركرات .

من جهة قطع الطريق البري للمغرب نحو افريقيا …وضمان ممرِ نحو المحيط الاطلسي ،مما يقطع الطريق البحري هو الاخر (خصوصا بعد ترسيم المغرب للحدود البحرية للأقاليم الجنوبية هي الاخرى + مشروع ميناء الدخلة المهم …) وكل ذلك سيسهل عليها استرجاع دور الريادة و ان تمثل الجسر والمدخل نحو افريقيا بالنسبة لدول العالم الكبرى …

هنا يطرح السؤال : ماذا كان في وسع المغرب ان يعمل لو أنه أخذ بعين الاعتبار ان اي تدخل على مستوى موقع الكركرات لم تكن لتتحمله الجزائر،وبالتالي كان سيؤدي الى رد عسكري عنيف من طرفها ؟

وقبل ذلك : هل كان في امكان المغرب أن يتحمل اغلاق الحدود مع موريتانيا ،وقد اسلفنا ان كل مصير نهضته التنموية ،يتعلق بمشروعه الاستثماري في افريقيا ،وعلاقته بموقعه كواسطة وجسر بين قوى عالمية كبرى وقارة غنية وبكر اقتصاديا ؟.

وهنا لابد من الاشارة ،الى ان قوة المغرب تتمثل أساسا في استقراره السياسي وفي حسن تدبيره لمجموعة من القضايا المفصلية والحاسمة في تقدمه …ابتداء من الجانب الدبلوماسي ،والشراكات الاقتصادية والمشاريع المهيكلة ،سياسية واقتصادية وإدارية ومؤسسية، والتي تنتظم تنمويا في اطار انفتاحها اساسا على محيطها الافريقي .

فليس في حوزة المغرب احتياطات طاقية ،ولم يشرع في قطف ثمار مشاريعه التنموية التي يوجد اغلبها في طور التخطيط والانجاز …بل وقد اصبحت المديونية تتقل كاهله بشكل لم يسبق له مثيل …كل هذا في ظل ظروف وباء كورونا بكل ما يعنيه ذلك من ثاتيرات سلبية على النمو الاقتصادي وغيره من المجالات الاخرى .

وليس في وسع اي دولة كبرى اسعاف المغرب إلا بحسب ما سيعيده ذلك عليها من منافع …بل العكس ،وكما رأينا ولعقود ولا زلنا نرى، ذلك كيف سخَرت اسبانيا وفرنسا وامريكا وغيرها قضية الصحراء المغربية لتعميق استغلال المغرب ،وانتزاع اكثر ما يمكن من المكاسب خصوصا الاقتصادية ،مما جعله يعيش باستمرار رهاب اجتماعات مجلس الامن حول مسألة الصحراء المغربية .

في نظري المتواضع ما كان في وسع المغرب ،أن يتخذ ذلك الموقف الحازم ،وبتلك الكيفية في موقع الكركرات ،لو لم يكن قد هيأ شروطا اهم ترتبط بضمان ردود فعل ايجابية من طرف دول كبرى ، اولها تأثير كبير على مستوى المنطقة … وفي هذا الاطار تأتي الحنكة الدبلوماسية للدولة المغربية تحث التوجيه المباشر لجلالة الملك محمد السادس .

ثانيا : المغرب اهم مدخل ومنصة عالمية نحو افريقيا .

اذ بشكل مواز للمسار الذي كانت تتطور فيه تفاعلات قضية الصحراء المغربية دوليا وإقليميا …كان هناك مسارا اخر يتمثل في احتدام الصراع والتناقض ،بين الولايات المتحدة بقيادة ترامب ،والصين الشعبية ،في اطار استنفاد النظام العالمي ذو القطب الواحد لدوره وبروز شروط ظهور نظام عالمي مغاير.

وقد ارتبط هذا التطور بمتغيرات عدة على مستوى الشرق الاوسط حيث ادت الى شبه انهيار لدول عربية كانت لها مكانة مهمة في الصراع العربي /الاسرائيلي كالعراق وسوريا … وتحولت ايران رغم الحصار عليها الى قوة اقليمية وازنة ومؤثرة على مواقع الدول العربية الاخرى خصوصا دول الخليج …

وتطور موقع وسلوك تركيا …في المنطقة هذه العوامل وغيرها ولعلاقتها بصراع المواقع العالمي ،و طبيعة شخصية ترامب…وتحول موقع اسرائيل كل هذا ادى بترامب ومن ورائه اللوبي الصهيوني …الى طرح صفقة ألقرن التي تعبر في العمق عن موقف اليمين المتطرف داخل اسرائيل بقيادة نتانياهو ، ومضمونها تصفية القضية الفلسطينية ،كقضية شعب دو حقوق ثابتة في عودته الى اراضيه واقامة دولته وعاصمتها القدس الشرقية ،وعلى قدم المساواة في الحقوق مع دولة اسرائيل .

في هذا الواقع القيادة الفلسطينية في اقوى لحظات ضعفها وتشتتها وتناقضاتها ،وبالنسبة لجامعة الدول العربية فالجميع اصبح ينتظر ان تعلن عن وفاتها رسميا،والدول العربية والخليجية الغنية طبعت مع اسرائيل او في طريقها الى ذلك.

ثالثا : اعتبار التطبيع تموقع سياسي جديد لدعم اقرار حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.

هذا الواقع في نظرنا هو الذي عمل ترامب على محاولة استغلاله بالنسبة للمغرب … وذلك للأسباب التالية :

أ – ان يجعل الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي الاساسي والمستفيد الاول للمغرب ،في اطار صراع النفود مع الصين وروسيا ودول اوربية (فرنسا /اسبانيا) كمنصة لاختراق القارة الافريقية من افضل موقع جيواستراتجي– ثقافي الذي يمثله المغرب .

ب – ويضمن دعم الولايات المتحدة للمغرب على مستوى ضمان سيادته على اقاليمه الجنوبية في الصحراء .

ج – وفي مقابل ذلك يقبل المغرب التطبيع مع اسرائيل .

في ظروف الضعف الكبير للمغرب الذي اشرنا اليها والذي لم تكن توحي به اطلاقا العديد من المظاهر…ماذا لو افترضنا ان المغرب رفض التفاوض حسب السياق المشار اليه بالنسبة للموقف الامريكي ؟ كيف كان سيكون رد ترامب في قضية الكركرات ؟ وبالتالي فرنسا ؟ وإسبانيا وغيرها من الدول …؟

وأهم من ذلك دول عربية لها دور مهم في المنطقة كالسعودية والإمارات التي لعبت دور الشريك المهم في صياغة “صفقة القرن” ومثلت الراعية الاساسية للتطبيع العربي بل وانخرط بعضها فيه كما لها مصالح مهمة وتأثير كبير على اختيارات وسياسات دولة موريتانيا بل لها استراتيجية متكاملة في افريقيا، بل وأي دور ستلعبه الامارات على مستوى تأجيج الصراع وهي التي لها استثمارات ضخمة في الجزائر؟ .

اذن المغرب في قضية دفاعه عن وحدته الترابية وضمن السياق المحيط بواقعة الكركرات … كان سيواجه عدة قوى: امريكا – فرنسا – اسبانيا … دول الخليج الوازنة …مصر … الى جانب عدوه اللدود الطغمة العسكرية الجزائرية الحاكمة، مدعومة بتركيا لغاية مصلحتها، في ليبيا الى جانب التمدد في دول الساحل التي لها بها تواجد ونفوذ اقتصادي وعسكري وسياسي…

تلك بإيجاز مجموعة العوامل والظروف التي تفترض ان المفاوض المغربي اخذها بعين الاعتبار لكي يعمل على انتزاع ما يمكن انتزاعه من مصالح لتعميق قوة بلده وشعبه ،دون ان تمس بثوابت وحقوق الشعب الفلسطيني ومقدسات الامة .

وبالفعل فقد جاءت البلاغات الملكية المتتالية لتعبر عن حساسية فائقة للأخذ بناصية توازن صعب ،بل اقرب الى الاستحالة ،وهو أمر جيد جداً… فهو يجعل المجال مفتوحاً للفعل السياسي اليومي للدفاع عن الحقوق الفلسطينية وعن حرمة الاماكن المقدسة جميعها…

وترسخ ذلك في مجموعة من البروتوكولات المتعلقة باتفاق التطبيع باعتبار انها تضع مسافة احترام من الواجب حرص الاطراف الاخرى على تقديرها ضداً على اي تماهي يوحي بالميوعة والهوان…على غرار ما وقع في سياقات مشابهة…

في هذا الصدد ، فلا يجب أن ننظر بلامبالاة لموقف المغرب من “صفقة ألقرن ،فرغم الطابع الدبلوماسي الذي حكم صياغة الموقف الرسمي ،الا انه تميز بالتركيز على حقوق الشعب الفلسطيني في قيام دولته وعاصمتها القدس …وهو ما يتناقض مع اعتراف ترامب الى جانب خمسة دول بالقدس عاصمة لإسرائيل …ومحاولة حرمان الفلسطينيين منها ضمن خطة “صفقة القرن ” الى جانب المشاريع التصفوية الاخرى للقضية الفلسطينية (حق العودة – المستوطنات – سلطة بدون سلاح /جنود…) .

ولقد اعاد المغرب التأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني ضمن عملية اتفاق التطبيع وذلك ما سيظل يعطيه الحق في التدخل باستمرار لدعم مطالب الشعب الفلسطيني ،ورفض سياسات اليمين الاسرائيلي المتطرف ،ومحاولة استقطاب الاجنحة والتيارات الاخرى لمصلحة دعم الشعب الفلسطيني …

وفي امكان مختلف القوى والتيارات المتنوعة داخل الشعب المغربي ،التعبير عن رأيها وموقفها واقتراحاتها للمسؤولين المغاربة ،بل وانتقاد الآراء المسايرة للرأي الاسرائيلي المتطرف بحكم المصالح …اد اننا لا نتوهم ان التيارات التي تتقاطع حول قرارات الدولة حول مختلف القضايا فيها اجماع ،بل هناك تضارب في المصالح وكذا المواقف وعلى قوى الشعب ان تظل متيقظة ومتنبهة لردع اصحاب التماهي مع المصالح العنصرية الاقتصادية داخل اسرائيل …على اساس ان يتم ذلك ضمن وحدة الموقف الاستراتيجي الذي اصبح يقع ضمن اطار سياسة التطبيع …

سئل مرة الشهيد ياسر عرفات عن موقفه من “ألحكيم” وهو الاسم الحركي الذي كان معروفاً به المرحوم جورج حبش الامين العام قيد حياته لمنظمة “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ،نظرا لمكانته المتميزة بين قياديي الثورة الفلسطينية آنذاك – فتبسم عرفات وأجاب باقتضاب ،انه يمثل عضدي الايسر الذي اشد به توازني حتى لا يجعلوني اميل كل الميل الى اليمين …

ان اهم ما يطمح اليه اليمين الاسرائيلي المتطرف هو شق الصف المغربي حول هذه المسألة ،ان يخترق الشرخ صفوف الشعب وتيارات الدولة …وهو في هذه الحالة سيكون الرابح الاساسي من وراء دعوة متنطعة عاطفية للاستمرار في المقاطعة ومناهضة التطبيع …لان صراع المغاربة حول القضية سيضعف اي ضغط لهم بواسطة دولتهم على اسرائيل لاحترام حقوق الشعب الفلسطيني …

ليس التطبيع دائما شراً على القضية الفلسطينية ،لكنه ضيق الافق والسياسات الخاطئة مهما كانت طبيعتها … وهنا يذكرني موقف حماس وزعيمها الكاريزمي رقم واحد خالد مشعل في سنة 2016 حين قرر اردغان، “تطبيع “علاقته مع اسرائيل بعد قطيعة دامت ست سنوات، نتيجة هجوم اسرائيل المسلحة على سفينة مرمرة التركية،و كانت تحمل مساعدات لغزة ولفك الحصار عليها وقتل عدد من المناصرين الاتراك – حيث رحبت حماس بقوة بخطوة أردوغان في بيانها الرسمي – وصرح خالد مشعل عن الحدث بقوله :” نشكر السيد اردوغان على التطبيع المثمر مع العدو الصهيوني لما سيسفر ذلك، عن فتح قناة اتصال قوية للحركة، مع العدو، وفك جزئي للحصار عليها “.

فحسب خالد مشعل احد القادة الكبار لأصحاب القضية الاساسيين، ليس دائما التطبيع امرا سيئا ،فهو قد يكون احيانا مثمرا ، اي أنه أمر وخطة سياسية ،وليس أمر دو طبيعة قدسية … كما هو الحال بالنسبة للرئيس اردوغان رمز الوفاء لدى تيار واسع من الداعين للاستمرار في القطيعة ،فهو كان دائما مطبعا ،ولم يكن قط مقاطعاً لإسرائيل ،كل ما كان هناك هو توتر معها بسبب حادثة سفينة مرمرة … ولا يمكن اعتبار اردوغان خارج عن الدين وخائن لمقدسات الامة الاسلامية لأنه مطبع مع اسرائيل …

هذه الحالة هي ما هو مقبل المغرب عليها ،وباستطاعته ان يخدم مصالح القضية الفلسطينية بشكل افضل من الموقع الجديد للعلاقة مع اسرائيل وكل من يناهض التطبيع في نظري فهو لا يفعل سواء اضعاف الموقف المغربي لمصلحة اليمين الفلسطيني المتطرف ،رغم انني اسانده في حقه في التعبير عن مواقفه . وفي هذا الصدد لا يمكن إلا أن أحيي الموقف الجريء الشجاع الوطني الذي مارسه رئيس الحكومة السيد سعد الدين العثماني بقيامه بواجبه الوطني في توقيع اتفاق التطبيع بصفته رئيس الحكومة بالرغم من كونه على مستوى الموقف الشخصي لم يكن متفقا…وكذلك الاستاذ عبد الاله بنكيران .وكل قيادات العدالة والتنمية الذين دعموه ،رغم أن المهم ليس هو التعبير عن الموقف حسب السياق ،بل اطالبهم بأن يناقشوا الامر في عمقه كقناعة سياسية ،تلائم السياق الدولي والإقليمي والوطني الجديد …اقول هذا وأنا على يقين انهم و بحكم واقعيتهم السياسية ،التي ابانوا عنها في عدة مناسبات لا محالة سينخرطون قريبا جدا ضمن هذا الافق …وهي دعوة تشمل جميع التيارات والهيئات المغربية التي لا زالت تعارض التطبيع او تتوجس منه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *