وجهة نظر

لماذا فشلت الماركسية؟ قراءة أنتروبولوجية..

رسالة إلى النزهاء..

” La Terre n’est pas seulement le mythe matripatriotique où nous devons enraciner notre destin. C’est la rationalité même qui nous ramène à la Terre: les deux trous d’ozone qui se sont formés dans l’Arctique et l’Antarctique, l'”effet de serre” provoqué par l’accroissement du CO2 dans l’atmosphère, les déforestations massives des grandes sylves tropicales productrices de notre oxygène commun, la stérilisation des océans, mers et fleuves nourriciers, les pollutions sans nombre, les catastrophes sans frontières, tout cela nous montre que la patrie est en danger. L’ennemi n’est évidemment pas extraterrestre, il est en nous même” Edgar morin, La complexité humaine, page 138..

سأنطلق من معاينة قبيحة.. ان اليسار، في عمقه الغابر و الذي لم يعد أو الأدق لم يكن أبدا غابرا، كان دوما رأسماليا، و رأسماليا جدا.. و للتدليل على الفكرة، سأستعمل نصا كان له الوقع القوي علي و الذي لم ينل للأسف حقه من المتابعة و الاحتفاء، نظرا، كما سترون، لخطورة القصف الذي مارسه على أيديولوجيا قدمت نفسها دوما كأيديولوجيا مضادة، ثورية، انسانية.. يتعلق الامر بنص صغير جدا و مستفز جدا لجان بودريارj.baudrillard هو: “مرأة الإنتاج”le miroir de la production المنشور بداية السبعينيات.. سأحاول أن أبين، انطلاقا من بودريار، ان اليسار فكر دوما على اليمين، انه فكر دوما داخل ومن أجل النظام، النظام العام للأشياء، نظام الإنتاج/الاستهلاك/الاستعراض/الاستنزاف/التخريب.. و ان هذا هو السبب الرئيسي لفشله.. سأحاول بعدها أن أبين ان منظور الايكولوجيا السياسية هو الحل الوحيد امام اليسار، بل أمام كل يوطوبيا تضع على عاتقها حماية/انقاذ العالم..
جذر الشر

تلتقي الشيوعية و الرأسمالية في نقطة أساسية: كلاهما تأتيان من نفس الجذر، من نفس المتخيل الانتروبولوجي: المتخيل الغربي، متخيل الإنتاج من جهة، و التقدم من جهة أخرى.. بالنسبة للشيوعيين و بالنسبة للرأسماليين على السواء يجب ان ننتج و بلا هوادة.. بلا انتاج لن يكون هناك تقدم.. لن تكون هناك سعادة (فردية، جماعية لايهم).. ان الشيوعية اذن هي أيديولوجيا مسكونة حتى النخاع بالفكرة الرأسمالية.. هناك ما هو أخطر من هذا.. ان الشيوعية قد لا تكون ربما، على المستوى التاريخي، الا حيلة اطلقتها الرأسمالية لتأبد نفسها، لتضمن لنفسها خلودا داخل “نقيضها” المطلق، “النقيض” الذي لايمكن أن يشكك فيه الا عدو أو أحمق.. لهذه الأسباب، يقول بودريار، لايجب أن نتعجب للعبة تبادل الأدوار يسار/يمين permutabilité التي تحولت في الآونة الأخيرة الى اللعبة الأكثر نتوءا في العالم.. و ما وقع سنوات قليلة بعد نشر نص بودريار يؤكد تحليلاته السبعينية.. ألم يقم فرانسوا ميطران بتمرير ومبكرا جدا ما لم تستطع اعتى الحكومات اليمينية تمريره؟ الم تقم حكومة اليوسفي بخوصصة اكثر بكثير مما كان بإمكان اعتى الحكومات بصرية ( من ادريس البصري) القيام به؟ الم يقوم الشيوعيون الصينيون بمنح رقاب مواطنيهم فوق طابق من ذهب للعصابات الرأسمالية؟ ان ما يجب أن نفهمه جيدا أن الامر لايتعلق بانقلاب كلبي على القناعات الأولى.. سيكون الامر سهلا جدا لو اعتقدنا هذا.. ان الامر اعقد بكثير كما سوف نرى..

كل الحروب التي شنتها الماركسية على الرأسمالية شنتها على الأرض السياسية لا على الأرض الانتروبولوجية.. من المهم جدا ان نميز بين المستويين.. اذا كانت الماركسية قد اطلقت الحروب على الرأسمالية ففي سياق اهداف وضع اليد على الكاميلة الأرضية.. لم تنتفض الماركسية أبدا ضد الفكرة الرأسمالية.. لم ترفض الماركسية ابدا فكرة الإنتاج/الاستهلاك/تخريب العالم.. انها انتقدت فقط الاحتكار “الرأسمالي”، انتقدت اقتسام انتاج/استهلاك/تخريب العالم.. لم ترى الماركسية أبدا أن الثورة الحقيقية هي الثورة على مبدأ الإنتاج/الاستهلاك و لواحقه الكبرى: السلطة، النهب، الاستحواذ، الاستعراض، التخربيق، التخريب..

عندما “يغير” الشيوعي الموقع، فانه يقوم اذن بذلك داخل نفس المتخيل، المتخيل الانتروبولوجي.. الشيوعي لايغير “القناعة”.. انه يغير فقط الموقع داخل اللوحة le tableau .. عندما “نصبح” ماركسيين فان روحنا، أحلامنا، هواماتنا تبقى رأسمالية.. الشيوعي يناضل ليس من أجل تغيير النسق ( بالنون الكبرى) ولكن للاستحواذ على النسق، نفس النسق.. تغيير النسق يفترض الهجوم على جذر النسق: المتخيل الانتروبولوجي.. لم يسعى الماركسيون أبعد، نحو مستوى أعمق.. لم ينتفضوا أبدا الا ضد الاقتسام.. لم ينتفضوا أبدا ضد فكرة الاقتسام.. الدليل انه عندما ربح الماركسيون الحرب، و صعدوا الى السلطة، قاموا بإعادة انتاج نفس التراتبيات، نفس السلط، نفس الارهابات، و خصوصا نفس الاستيهامات: ” العيش”، “الرغبة”، الإنتاج، الاحتكار، القتل.. قتل الاخوة قبل “الأعداء”..
لقد فكر اليساري دوما في قلب العلبةla boite .. لم يكن له أبدا أي مشكل مع نظام الأشياء، النظام الانتروبولوجيللأشياء.. لم يذهب أبدا نحو جذر الأشياء.. جذر الشر.. وعندما لم يعد قادرا على النضال “يسارا”، اختار “الفعل” من الجهة “الأخرى”، الجهة “الرجعية”، التي هي انتروبولوجيا الجهة “الثورية” ذاتها.

لنقف عند مثال تاريخي من عندنا..

عندما أراد الهمة تشكيل حزب “الأصالة و المعاصرة” لجأ الى “يساريين” كثر لمنح بعض المصداقية للمبادرة.. ما يهمني ليس الهمة ( فهو يقوم بعمله “جيدا”).. ما يهمني هم هؤلاء “اليساريين الحداثيين الديموقراطيين” الذين لبوا النداء.. السؤال هنا هو: هل يمكن للمرء أن يغير جذريا قناعاته؟ هل يمكن للمرء أن يمر من “الحرب على النظام” الى الرغبة الملحة في “النوم مع النظام”؟ هل يمكن للمرء أن يصبح النقيض المطلق لما “كان”؟ جينيا، مخيا، نفسيا، وجوديا غير ممكن.. لفهم هذه التعقيدات يجب أن نطرح الأمور على مستوى أخر تماما.. ما أعتقده هو ما يلي: ان هؤلاء “اليساريين” سابقا/لاحقا ظلوا هم أنفسهم: كائنات انتروبولوجية حسب تعبير بودريار.. أي بشرا مهووسين بالجاه/القوة/الاستهلاك/الاستعراض.. لم يكن أبدا لهؤلاء مشكل مع المبدأ المؤسس للنظام – بالمعنى الانتروبولوجي العميق.. لم يكن أبدا لهم مشكل مع المفاهيم الاستراتيجية للنظام: الانتاج، القوة، الجاه، الاستهلاك/الاستعراض، الفيلا، الكاطكاط، السفر الباذخ.. نضالهم كان من أجل ذات النظام – تحت اسم أخر.. نضالهم كان – انتروبولوجيا – تحت نفس المظلة.. لم يعملوا ابدا من أجل نظام يكون مضادا للإنتاج و الاستهلاك و القوة و.. نظام يكون منتبها الى الجذر، جذرالجذور.. النضال الحقيقي لايكون ضد النظام.. النضال الحق يكون ضد المبادئ/الجذور المؤسسة للنظام.. و هو ما لم يفعله و لم يومن به أبدا ماركسيونا.. ماركسيونا لم يكونوا أبدا انتهازيين.. لم يغيروا أبدا جلدهم.. غيروا فقط “المواقع”.. ظلوا كما كانوا دوما.. صبية يلهثون وراء العاب gadgets النظام.. لقد ظلوا داخل نفس الحلم/الأفق الانتروبولوجي.. وسيموتون وهم على هذا الدين.. يجب أن نفهم هذا جيدا..
اسمحوا لي بمثال تاريخي حاد أخر..

في سابقة تاريخية و في نفس الاسبوع تقريبا سيرفض عبد السلام الصديقي الوزير الشيوعي المسؤول عن قطاع الشغل مقترحات بمنع تشغيل القاصرات، كما سيرفض إخراج تقارير المجلس الأعلى للحسابات حول ملفات فساد خطيرة بوزارته إلى دائرة الضوء.. في تعليله لهذه القرارات سيصرح الصديقي أن المغرب به محافظون كثر وانه يجب القبض على العصا من الوسط وان “فضح” الفساد فيه مقامرة خطيرة بالاستقرار.. في نفس اللحظة أيضا، ستستمر شيوعية لما و زواهك ولعينين لي كايفرفرو في استعراض صورها على الفايسبوك وترديد اسطوانات مخزنية مخرومة حول المغرب المائي.. في نفس اللحظة أيضا، سيستمر شيوعي الصحة في منح التراخيص لمافيات الشكارة لفتح مصحات النهب و السلب.. في ذات الفترة، سيترأس نبيل بن عبد الله، شيوعي الكوسطار و الكافيار، لقاء “اليسار العربي” بالرباط مطلقا هلوسات نادرة حول استعجال عودة “اليسار” إلى الحكم لقطع الطريق على “الرجعية” و “الأصولية” و “حلفاء التخلف”..

هل يتعلق الأمر بتناقضات مخية لدى حاملي الفكر الشيوعي؟ لا أعتقد.. ما يفسر انخراط “شيوعي” البلاد في الاستراتيجيات المافيو-راسمالو-مخزنية هو أن الشيوعية هي في جذرها استراتيجيا مافيو-رأسمالو-مخزنية باعتبار أنها – في الغرب، في المغرب- لم تحارب أبدا من أجل هدم أسس/ارهابات النظام ( الانتاج/الاستهلاك/السلطة/الجاه) ولكن من أجل تملك ذات النظام/الارهاب تحت اسماء/غطاءات لسانية أخرى.. استراتيجيا – كما يقول جان بودريار- لم يكن للشيوعية مشكل جذري مع الرأسمالية.. مع مفاهيمها/جذورها /ارهاباتها الكبرى.. مشكل الشيوعية كان و لازال مع الراسماليةكارهاب “تدبيري” أو توزيعي لا كارهاب جذري..

لا أحد يمكنه أن يحيى داخل التناقض.. ان ما يفسر هذا الالتزام “الرأسمالي” للشيوعيين ان الشيوعية، كما في الفرضية البودريارية، لم تحارب قط النظام المؤسس للاشياء، انها حاربت لتملك نظام الاشياء، نفس النظام العام للاشياء.. اكرر، لم يكن للشيوعية أبدا مشكل مع الرأسمالية، مع مفاهيمها/فانتازماتها الاساسية.. مشكل الشيوعية كان مع الرأسمالية كارهاب سياسي، لا كارهابانتروبولوجي..
قد يتساءل القارئ عن هذا المكان، هذا المتخيل الذي يتموقع خارج المتخيل الانتروبولوجي؟ في الحقيقة، الامور ليست معقدة تماما.. هذا المتخيل هو أي فكر يرفض أن ينخرط في النظام/الارهاب العادي للاشياء، ارهاب الرغبة، الاستيهام، “التقدم”.. هذا الفكر الممكن له اسم: الفلسفة الايكولوجية، الخضراء، فلسفة اللانمو، تصوف الخفة الجذرية..

نحو يسار بيئي جذري..

يحكى أنه في غابة جميلة كانت تعيش حيوانات رائعة.. كان كل شيء يسير عاديا جدا حتى ذلك اليوم المشؤوم الذي اندلع فيه حريق مهول بدأ يأتي على الأخضر و اليابس.. فطنت الحيوانات بسرعة إلى هول الكارثة و فرت من الغابة إلا حيوان واحد.. كان الحيوان الذي رفض ترك المكان هو طائر الكولبريle colibri، و هو طائر صغير جدا و لطيف جدا.. كان بإمكان الحيوانات وهي “خارج” دائرة الخطر أن ترى ما كان يفعله الكولبري و هو في عين المكان: لقد كان يطير بكل السرعة المعروفة عليه نحو واد صغير ليحمل نطف ماء ليلقي بها في قلب النار.. كان الكولبري يعيد الكرة مرات كثيرة.. و بأناقة شديدة.. و هو في قلب العملية، خاطبه تمساح من بعيد: عزيزي الكولبري، هل تعتقد أنك بهذه الكمية التافهة من الماء التي تغامر بنفسك في سبيل نقلها إلى فوهة النار يمكنك أن توقف أي شيء؟ رد الكولبري: اعرف انه ربما لايمكن إيقاف زحف النار، لكني أقوم بجزئي من المسؤولية..je fais ma part..

يجب ان نعلم شيئا مهما: ان نموذجنا العام، النموذج الانتاجوي/الاستهلاكوي، أي متخيلنا الانتروبولوجي، متخيل “لي وصل لشي حاجة بصحتو”، هو بالضبط ما يقودنا الى الحائط.. النيران تتقدم من كل صوب.. و كولبري واحد لن يفعل شيئا.. ما العمل اذن.؟.
بقائنا رهين بتغيير الوجهة..تصوري انه لايجب ابدا أن نعول على الفوق، على السياسيين.. هؤلاء مشلولون تماما.. انهم يظهرون في المنتديات كما لو أنهم غير مفوضين من قبل البشرية لاتخاذ القرارات الشجاعة.. لقد مات السياسيون.. لنتركهم اذن لرغبتهم في القفز الى مزبلة التاريخ و نبدأ العمل.. هنا و الأن.. لنستلهم حكمة الكولبري و نحاول القيام بما يستلزمه جزئنا من المسؤولية.. لنبدع اساليب جديدة في النضال/التغيير.. أساليب يجب ان تنطلق من التحت.. من الفرد.. من العائلة.. من الحي.. من المدينة.. من المدرسة.. يمكن أن نشتغل على مقاطع دقيقة من الفضاء الاجتماعي و نطلق مثلا حملة “نحو أكل طبيعي كامل في مدارسنا”.. يمكن تخيل ممارسات أخرى من أجل سرطانات أخرى.. الكولبريات، جماعة الكولبريات، شعب/شعوب الكولبريات، هذا ما سوف ينقذ عالمنا..

انا من الذين يعتقدون ان مهمة المثقف أن يقول الاشياء كما هي.. العالم في خطر.. نحن جميعا في خطر.. أخطار كبرى و غير مسبوقة تترصد بنا.. من الخطر النووي ( الاف الرؤوس النووية المزروعة بين أرجلنا) الى الخطر البيئي ( التخريبات البيئية الحادة المتزايدة التي تنسف اعمدة/شروط الحياة فوق كوكبنا) مرورا بالخطر السياسي ( النهب/الاستنزاف الدولي الذي يخلق ملاييرالجوعي).. الامور جدية تماما.. ماذا ننتظر لإعلان حالة طوارئ كوكبية؟ لم يتبقى كثير من الوقت.. كل يوم نضيعه في “ادارة” العالم يقربنا من الحائط.. يكبر من حظوظ الارتطام.. لايمكن ان نستمر في غلق عيوننا عن الكارثة الاتية.. عن النيران/السرطانات التي تتقدم.. بهدوء رهيب.. علينا أن نفهم أمرا مهما: لاوجود لخلاص فردي في عالم يسير الى الهاوية.. اما أن نقاوم جميعا أو نسقط جميعا.. علينا بانتفاضة ضمائر.. انتفاضة يجب أن تكون عنيفة.. التغيير الجذري يمر أولا عبر العقول.. سيتدفق بعدها على العالم..

بالنسبة لي هناك أربعة أمور كبرى هي ما يجب أن يتوجه اليها اليسار.. اولا المحور التحرري المتمركز على حرية التفكير/التعبير/الابداع، ثانيا المحور الاشتراكي المتمركز على تحسين المجتمع في اتجاه تحقيق العدالة الاجتماعية، ثالثا المحور الشيوعي الموجه نحو الاخوة الجماعية، و أخير المحور الايكولوجي الذي يجب أن يعيد ربطنا الى الطبيعة، الى أمنا الارض..