ملف

“مملكة التناقضات”: لماذا أخفق مشروع اتحاد المغرب العربي؟ (ح 85)

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 85: لماذا أخفق مشروع اتحاد المغرب العربي؟

إن خيار العروبة وخلق “المغرب العربي” من طرف القوميين في شمال أفريقيا حلم سياسي يعود إلى عام 1947. فرضته الجامعة العربية الوليدة على المنفيين السياسيين الجزائريين والمغاربة والتونسيين في القاهرة مقابل دعمها الرسمي لقضيتهم الاستقلالية.

في عام 1958، جمع مؤتمر طنجة الأحزاب القومية المغاربية للاحتفال بالاتحاد المستقبلي لهذه المنطقة في الحرب ضد الاستعمار الفرنسي ولكن أحداث 1962 واستقلال الجزائر وضعا حداً لليوتوبيا الوحدوية ووجب انتظار عام 1989 بعد النزاعات الحدودية وحرب الصحراء لكي تعلن بلدان شمال أفريقيا الخمسة في مراكش عن ميلاد اتحاد المغرب العربي، المعروف أيضاً باسم “المغرب الكبير”.

ولكن بعد ثلاثين عاماً، فإن اتحاد المغرب العربي صدفة فارغة، وأمانته تعالج بعص المواضيع القليلة الأهمية فهو الاتحاد الإقليمي الأقل نشاطاً في العالم والسبب المباشر هو استمرار النزاع الجزائري المغربي حول الحدود البرية بين البلدين التي يبلغ طولها 1700 كيلومتر والذي يعود إلى وقت مبكر من عام 1962. وفي عام 1972، بدا أن اتفاقية الرباط، التي تم التصديق عليها في عام 1992، قد خففت من حدة النزاع.

لم يقبل المغرب إلا على مضض التنازل للجزائر عن الصحراء، وهو ما ترك له مساحة صغيرة من الصحراء مقابل 2 مليون كلم مربع للجزائر. وأدى هذا النزاع إلى حرب الرمال في تندوف في شهر أكتوبر 1963، ثم إلى نزاع الصحراء المغربية، الذي لا زال ملفه مفتوحا منذ عام 1975.

وموضوع النزاع هو 266،000 كيلومتر مربع من الصحراء الإسبانية السابقة المعروفة باسم “الغربية”. وأدت هذه التوترات المتكررة إلى طرد المغاربة من الجزائر، ثم الجزائريين من المغرب من أجل الانتقام في 1963 و1975-1976، ومرة أخرى في عام 1994.

ساهمت الحرب الأهلية الجزائرية في زيادة التوتر بين البلدين وفي يوم 24 غشت 1994، ارتكب كوماندوس فرنسي جزائري صغير هجوما قاتلا على فندق أطلس أسني في مراكش.

على إثر ذلك قرر وزير الداخلية المغربي إدريس البصري طرد الجزائريين الذين ليست لهم رخصة، وفرض تأشيرة إلزامية لهؤلاء المواطنين وإغلاق الحدود بين البلدين. وفي عام 2004، قرر القصر، وتبعته الجزائر، تعليق العمل بالتأشيرات ثم اقترح إعادة فتح الحدود. دون جدوى. وبطبيعة الحال، فإن هذه الحدود ليست مقفلة نهائيا وجميع أنواع تهريب السلع والأفراد تخترقها.

هذا الشجار الطويل الأمد يمنع بناء مغرب كبير موحد، رغم أنه السبيل الوحيد لموازنة أوروبا الموحدة. منذ بداية القرن الحادي والعشرين، لم يتغير الوضع، على الرغم من العروض المغربية المتكررة.

وهكذا، في 7 نوفمبر 2018، أكد محمد السادس دعوته “بإخلاص وحسن نية لفتح الحدود بين البلدين، وتطبيع العلاقات المغربية الجزائرية”. لكن الجزائر أبقت على الحدود مغلقة، وهي تربط هذه المسألة بتسوية الصراع الصحراوي. إن المغرب، الذي هو في حالة من الحجر الصحي من طرف المغرب الكبير، يفضل أن يربط مصيره بأوروبا وأفريقيا.

لقد اختار اللغة الفرنسية لتكوين نخبه والتبادل مع أوروبا وأفريقيا. أراد الحسن الثاني ربط بلاده بأوروبا، وذهب إلى حد الحلم بعضوية “المجموعة الاقتصادية الأوروبية”. ولا زال محمد السادس يسر على نفس الخط، لكنه أعطي دفعة غير مسبوقة للتعاون مع أفريقيا.

وعلى خلفية ثورات شعوب المغرب الكبير منذ عام 2011، فإن المغرب، الذي يشعر بالقلق إزاء استقراره الداخلي، يتطلع أكثر من أي وقت مضى إلى أوروبا وهو متحفظ جدا تجاه مغرب كبير غير مستقر سياسيا حيث يظل “اتحاد المغرب العربي”، الذي يطعن فيه أيضاً النشطاء الأمازيغ بسبب تسميته العربية، في وضع المشروع غير المكتمل.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *