ملف

“مملكة التناقضات”: لماذا يرتبط المغرب بالاتحاد الأوروبي؟ (ح 86)

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 86: لماذا يرتبط المغرب بالاتحاد الأوروبي؟

لقد أُعلن استقلال المغرب قبل عام واحد من تأسيس المجموعة الاقتصادية الأوروبية في عام 1957. في السبعينيات، أدركت المملكة أهمية إعادة التوجيه الدبلوماسي الفرنسي، وبناء العملاق الأوروبي على مقربة منها.

لقد ألقت وفاة الجنرال فرانكو بالمغرب في الأزمة الصحراوية، وبشرت بالانتقال الديمقراطي في إسبانيا وانضمامها إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية (1986). وكان الحسن الثاني الذي أعاد العلاقة مع باريس بعد رحيل ديغول ووقع اتفاقا تجاريا أولا مع باريس في 1969 واتفاقا ثانيا في 1976.

كان المغرب يحتاج إليها بشكل مضاعف لدعم نموه وصادراته إلى السوق الأوروبية المشتركة، والحصول على دعمها السياسي ضد الجزائر وجبهة البوليساريو التي يحاربها ويدرك الملك أن القوتين الاستعماريتين السابقتين داخل أوروبا تقدمان له مكانة متميزة.

لإظهار حسن نيته وإبراز دور مملكته تقدم الملك رمزيا بترشيحه إلى عضوية السوق الأوروبية في عام 1984. وحتى لو تم رفضه رسميا في عام 1987، فقد أصبح المغرب البلد المتوسطي الذي يحصل على أكبر مساعدة مالية من طرف المجموعة الاقتصادية الأوروبية ثم الاتحاد الأوروبي ومؤسساته المالية.

وتقترب المساعدات الثنائية من فرنسا وإسبانيا وألمانيا، إلى جانب المساعدات الدولية المتعددة الأطراف، من 40 مليار دولار بين عامي 1960 و2017، أكثر من نصفها تحت إدارة محمد السادس. في عام 2015، كان لدى المغرب مخزون من الاستثمار الأجنبي المباشر يبلغ 50 مليار يورو، معظمها أوروبي.

تعود هذه المعاملة المتميزة إلى انهيار المعسكر السوفيتي في عام 1990، والحرب على الإرهاب والحرب الأهلية ضد الجهادية في الجزائر، والتي تعطي المغرب مهمة جديدة: ضمان استقرار المغرب الكبير. ولا حاجة في هذه الظروف إلى زعزعة استقرار هذا الحليف الغالي.

وقد اختارته أوروبا شريكا متميزا وأكبر بلد حاصل على المساعدات في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وفي عام 1996، وقّع الاتحاد الأوروبي، كفي إطار سياسة حسن الجوار، اتفاق شراكة يدخل حيز النفاذ في عام 2000. من الناحية السياسية، يتسع نطاق التعاون الاقتصادي بين المغرب والاتحاد الأوروبي ليشمل أبعاداً سياسية وأمنية.

وهذا البعد الحاسم يسمح للمغرب بأن يقوم بدوره في إدارة تدفقات الهجرة، والسيطرة على الهجرة الأفريقية، ومراقبة المضيق، والتبادلات المشروعة وغير المشروعة التي تمر عبره، لا سيما في حالات الجهادية والإرهاب. لذلك ليس مفاجئاً أن نرى في نهاية مارس 2020، وبينما لا يكاد يتأثر المغرب بوباء كورونا وتتأثر أوروبا بشدة، كيف يخصص الاتحاد الأوروبي مبلغاً قدره 450 مليون يورو للمملكة لمواجهة الأزمة.

وكانت سنوات 2000 فرصة لتعزيز هذا التعاون، لا سيما في سياق الحوار خمسة زائد خمسة بين بلدان المغرب العربي والبلدان الأوروبية الخمسة في غرب البحر الأبيض المتوسط، الذي أعيد إطلاقه وتفعيله في عام 2001.

إن المغرب، الذي هو في حالة طلب كبير، يسجل نقاطا من خلال الحصول على “وضع متقدم” في عام 2008 وتوقيعه في عام 2012 على اتفاق التجارة الحرة، وخاصة بالنسبة للمنتجات الزراعية وصيد الأسماك. هذه التطورات ليست ناجحة دائما لأن المغرب الصناعي يعاني من هذا الانفتاح، مثل صناعة النسيج، ولكن الجوانب السياسية هي التي تحسم القرار دائما.

وبفضل ضغوطه المكثفة في بروكسل وباريس، وبفضل سياسة مستمرة مع إسبانيا، والتي تشمل تقديم التنازلات وفرض العقوبات البديلة (مثل توظيف ضغط الهجرة من طرف الأفارقة نحو المدن الإسبانية عند الحاجة)، يحقق المغرب أهدافه فيما يتعلق بملف الصحراء.

وعلى الرغم من بعض الأزمات العابرة مثل تلك التي حدثت في عام 2016 والتي شهدت تعليق المملكة لجميع الاتصالات مع الاتحاد الأوروبي، بعد أن علقت محكمة العدل الأوروبية اتفاقه الزراعي لأنه يتعلق أيضا بالصحراء المغربية، إلا أن المغرب يتمتع الآن بالدعم أو على الأقل بالحياد من طرف الهيئات والدول الأوروبية بشأن قضية الصحراء، وهو ما سمح له مؤخرا بالتفرغ لأفريقيا.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *