وجهة نظر

حزب العدالة والتنمية والحاجة إلى التغيير

خلف نقاش تطبيع العلاقات الذي وقعه رئيس الحكومة الكثير من ردود الافعال المتباينة، تركز معظمها حول تخلي حزب العدالة والتنمية عن هويته ومبادئه ، أو انتقاد حملة التبرير التي أعقبت حدث التوقيع بدعوى أن هذه الخطوة تتم في إطار مصلحة الوطن وغيرها من الانتقادات التي سمعناها، بل وصلت الحماسة بالرباح وزير الطاقة و المعادن للتعبير عن استعداده لزيارة إسرائيل باعتباره ممثلا للدولة، في الوقت الذي لم يطلب منه أحد ذلك، وهو ما عرضه لغضب شعبي وحزبي واضح..!!

نعم، من المؤكد أن ما حققه المغرب من اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء بفضل المجهودات الديبلوماسية التي هي مجال محفوظ لرئيس الدولة، أمر إيجابي وخطوة لا يمكننا إلا أن نثمنها، لكننا في نفس الوقت لا يمكن إلا أن نعبر عن قلقنا من ربط هذا التطور بتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال…وهو القلق الذي نعتقد أنه حاضر حتى لدى مؤسسات الدولة، وإلا لَما تأخرت طيلة أربعة عقود ونصف قبل الإقدام على هذه الخطوة، ولَما صرح السيد وزير الخارجية بأن هذا القرار تطلب  3  سنوات من العمل الدبلوماسي ومن المفاوضات السرية … وما يعبر عن هذا القلق أيضا هو هذا الغموض الذي لازال يحيط بالإجراءات التنزيلية لهذا الاتفاق الذي لا يعرف أحد الى حدود الساعة مضامينه التفصيلية..، وهو الاتفاق الذي جرى توقيعه على عجل  في إطار ما يمكن الاصطلاح عليه ب MOU أي مذكرة تفاهم، ربما بسبب الضغط الزمني الذي كان مرتبطا بانتهاء ولاية ترمب…ولهذا لا تزال الامور غامضة الى حدود الساعة بين رحلات جوية لم يتم اطلاقها، أو الاعلان عن زيارة وفد مغربي عدة مرات لم تتم بعد، أو ظهور نتنياهو بخلفية تظهر خريطة المغرب مبتورة عن صحرائه، وهو تصرف غير بريئ يراد به الإشارة ان الأمر لم يحسم بعد، ناهيك عن صدور بعض القصاصات الإخبارية في الصحافة العبرية التي تتعمد الإساءة إلى رموز الدولة المغربية في أعلى مستوياتها..

بالموازاة مع هذه الصورة التي تبرز أن طبخة التطبيع لم تنضج بعد، هناك غموض آخر لا يقل ضبابية وهو موقع رئاسة الحكومة من هذا الذي يجري في بلادنا..هل صحيح أن السيد رئيس الحكومة لا علم له بما يجري داخل مطبخ السياسة الخارجية؟ ولم تتم استشارته حتى أو طلب رأيه في الموضوع؟ وهل يمكن للسيد رئيس الحكومة في دولة المؤسسات أن يقدم على توقيع اتفاق لا علم له بتفاصيله؟ ألا ينبغي للسيد رئيس الحكومة الذي تقدم أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، طبقا لمقتضيات الفصل 88 من الدستور، بعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه، أن يشرح للمغاربة تصوره للموضوع؟

ومن المعلوم أن  البرنامج الحكومي “يتضمن الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به، في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية”. أليس من حقنا على السيد رئيس الحكومة أن نفهم تفاصيل ماحدث، وأن نفهم موقعه في صناعة هذا القرار وهو الذي جرى تعيينه رئيسا للحكومة بعدما تصدر حزبه نتائج الانتخابات التشريعية ليوم 7 أكتوبر 2016…!

الملاحظ أن هذه الأسئلة كانت غائبة تماما في النقاش الحالي ! كان حريا ببعض القادة الذين اعتادوا تبرير قرارات لادخل لهم في صناعتها، أن يكونوا واضحين مع الشعب وأن يبرزوا مظاهر الإعاقة الديموقراطية التي لازالت تحيط بصناعة القرارات الاستراتيجية، وأن دورهم منحصر في القيام بوظيفة التسويق والتبرير بل والمسارعة إلى استعراض القابلية لزيارة دولة الاحتلال وتغليفها بمنطق “الواجب الوطني”، وكأن المغاربة يأكلون البرسيم الأزرق، في تجاوز سافر لمخرجات المجلس الوطني للحزب وقراراته الواضحة في الموضوع.

وفي الوقت الذي يتطوع أمثال هذه القيادات إلى التسويق الفج للاستعداد للقيام بزيارة كيان الاحتلال دون أن يطلبها منهم أحد، تقوم نفس القيادات بابتلاع لسانها في القضايا التي تتعلق بالاختيار الديموقراطي أو بثوابت الهوية الوطنية أو الدفاع عن الحقوق الأساسية للمواطنين والتصدي للتراجعات الواضحة التي يعرفها مجال الحقوق والحريات في بلادنا من خلال العديد من المحاكمات الجائرة والمتابعات الظالمة والاعتقالات التعسفية التي تتطلب انفراجا سياسيا وحقوقيا أصبح على درجة عالية من الاستعجال.

واذا تجاوزنا جدلا الاكراهات الظرفية للسياسة، وتعقد مساراتها ، وتناقض رهاناتها، اليس حريا بمن كانوا يدعون الانتماء الى مشروع حضاري يرمي الى حماية هوية الامة ،وتحرير وعيها وارادتها من اجل النهضة الشاملة، وكان ولوجهم الى عالم السياسة مجرد فرع عن الاصل السابق، وسيلة للتدافع و الاصلاح في اطار رؤية شاملة، ان يراجعوا مدى انسجامهم مع اصلهم و منبعهم؟ وكيف بعدت بهم الشقة وانقلبت الموازين، وتحول الفرع الى أصل؟!!

لا أحد كان يتخيل أن فصيلا من الاسلاميين سيتحقق فيهم ماكانوا ينسبونه الى خصومهم الايديولوجيين من كونهم يستغلون قضية فلسطين من اجل التوظيف السياسي و الدعاية الجماهيرية..وهل يمكن لنا تصديق وهم مساندة فلسطين عبر التعامل الرسمي مع دولة الاحتلال؟!!
ان اخطر ما في هذه الطريقة التي يتم بها التطبيع مع الكيان المحتل هو انها تجعلنا في موضع الاختيار بين كسب محتمل لجزء من تراب الوطن كان ولايزال ترابا مغربيا، وبين اختراق للوعي والذاكرة و سرقة للتاريخ والانسان نكاد نفقد معه الوطن كله..!

لقد تناسلت فجأة جمعيات تسمى بالصداقة المغربية الاسرائيلية ، وصفحات ومواقع تروج للجوانب الانسانية لمن ينعتون بالجالية اليهودية المغربية بإسرائيل، وهم حين غادروا بلدهم المغرب تحولوا الى مستوطنين لأرض ليست في ملكهم وانخرطوا في جيش الاحتلال وتحولوا إلى جنود وضباط يقتلون الأطفال والشيوخ و يحروقون المزارع، واليوم يراد للكسكس المغربي و القفطان أن يتحول غطاء للدم الفلسطيني المهدور وعنوان للتسامح مع محتلين لأرض مغتصبة، وأصبحت الاقلام و الاصوات التي كانت بالامس مسلطة على الحزب و تجربته تبارك عقلانية و رزانة رئيس الحكومة وتصرفه كرجل دولة، وتخون كل من يتحدث عن الاحتلال بسوء كي لا يجرح المشاعر الحساسة لعصابة الصهاينة فيتخلوا عن المغرب في أحلك الظروف، وكأنهم هم من يمولون تنمية الأقاليم الجنوبية، أو هم من فقدوا الشهداء في معارك الشرف والبطولة ضد الطغمة الانفصالية وحلفائها.!.

قد يكسب الحزب ووزراءه بعض النقط في ساحة السياسة المتقلبة ، ولكن سيفقدون القدرة على الرجوع الى مبادئهم و خطهم الاصيل ، لان الخطوة الاولى في الانحدار ستعقبها خطوات اخرى ، وسيصبح التبرير هو السلاح الوحيد المتبقي.

سيطالب الاحتلال بمراجعة المقررات الدراسية ،و مراقبة خطب و دروس المساجد ،و سن قوانين معاداة الصهيونية في الاعلام تحت مسمى السامية ، وسيطالب بتنشيط السياحة والتبادل الثقافي ، وسيعمل بكل جهد لاجتثاث اخر عناصر الممانعة الوجدانية والماومة الفكرية . وحينها سيكون الماء قد بلغ الاكتاف ، ولن تنفع معها عبارات “التحذير من مخاطر التطبيع ” او عبارات اخرى من قبيل “رغم تطبيع فلايزال الحزب ثابتا على مواقفه الاصلية ” والتي لا تؤكدها أي مواقف عملية على الأرض…

ومن مضحكات هذا الخطاب ان يشير رئيس الحكومة ان اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء وما رافقه من تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني سيجعل المغرب أكثر قوة في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ، ومتى كان العدو سيساعدك لتقوى على مقاومته؟

إن هذا النوع من القيادات أصبح متجاوزا من الناحية السياسية والتاريخية والواقعية، وحزب العدالة والتنمية كما غيره من الأحزاب يحتاج إلى قراءة اللحظة بتمعن وروية، واستيعاب التحولات السريعة في أوساط الشباب وعموم الفئات الشعبية، وهي مدعوة لتجديد رؤيتها وخطابها وأطروحاتها السياسية وأيضا إلى تجديد حقيقي في قياداتها..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *