وجهة نظر

المحامي النويضي يناقش “بهدوء” زميله طبيح في مسألة دستورية القاسم الانتخابي

النويضي وطبيح

هل ستحشر المحكمة الدستورية في قضية ذات طبيعة سياسية؟ نقاش هادئ مع المحامي الزميل طبيح عبد الكبير

توصلت من محام صديق بمقال للزميل عبد الكبير طبيح تحت عنوان هل ستحشر المحكمة الدستورية في قضية ذات طبيعة سياسية؟ وأراني أتفق مع جملة مهمة وردت في مقاله عندما كتب يقول: “لا شيء يمنع من إبداء وجهة نظر والمساهمة في هذا النقاش الغني، وهي وجهة نظر قد تكون صحيحة أو قد تكون غير ذلك وتبقى دائما قابلة للنقاش”.

وهو النقاش الذي أساهم فيه اليوم من موقع الغيور على سلامة الاختيارات السياسية والدستورية في بلادي.

توضيح بد منه

أود أن أؤكد بداية على أن هذه المناقشة ليست دفاعا عن حزب معين بل دفاعا عن الدستور وعن مبدأ الاختيار الديمقراطي الذي أصبح بنص دستور 2011 أحد الثوابت التي تستند عليها الأمة. أما الحزب المعني فيكفي ما ساهم فيه من تنكر للمبادئ وتمرير سياسات عمومية تضر بأغلب المواطنين وتزكية التطبيع من موقعه الحكومي وسكوته عن الوضع الحقوقي المتردي الذي تمر به البلاد، يكفي ذلك ليحكم عليه عدد من أبنائه المخلصين قبل أن يحكم عليه المواطنون.

اختصاص المحكمة الدستورية والفرق بين القاسم الانتخابي والتقسيم الانتخابي

لقد أفاض زميلي في تقديم مطول في عرض مفاهيم لا تفيد مناقشتها هنا قبل أن يدخل للموضوع بسؤال “هل يدخل في اختصاص المحكمة الدستورية فحص القاعدة القانونية المتعلقة بتوزيع المقاعد في انتخابات أعضاء مجلس النواب. أي القاسم الانتخابي” وقد أجاب بالنفي على هذا السؤال قائلا: “في تقديري الشخصي أن فحص مطابقة التعديل المتعلق بالقاسم الانتخابي الذي أدخل على المادة 84 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب لا يدخل في اختصاص المحكمة الدستورية للأسباب التالية”، ثم عرض حملة أسباب سنناقشها بعده.

وهنا أختلف معه منذ البداية فما دام التعديل يهم قانونا تنظيميا فإنه يعرض وجوبا على المحكمة الدستورية وهي مختصة للنظر فيه. وقد عدد زميلي جملة من الأسباب ووقع في بعض اللبس عندما اختلطت عليه بعض المفاهيم:

فإذا كانت الفقرة الثانية من الفصل 62 من الدستور تنص على أن “يبين قانون تنظيمي عدد أعضاء مجلس النواب، ونظام انتخابهم، ومبادئ التقسيم الانتخابي، وشروط القابلية للانتخاب، وحالات التنافي، وقواعد الحد من الجمع بين الانتدابات، ونظام المنازعات الانتخابية”.

فالدستور هنا ينص على التقسيم الانتخابي وليس على القاسم الانتخابي. فالتقسيم الانتخابي أو التقطيع الانتخابي هو الآلية التي يتم من خلالها تقسيم التراب الوطني إلى دوائر انتخابية ويكفي الرجوع للنص الفرنسي للدستور فسنجد عبارة le découpage électoral، أما القاسم الانتخابي Quotient électoral فهو نتيجة قسمة عدد الأصوات الصحيحة المدلى بها على عدد المقاعد المراد شغلها حيث يحصل كل شخص أو لائحة على عدد من المقاعد يساوي الأصوات التي تم الحصول عليها مقسومة على القاسم الانتخابي.

وبعد تحليلا ت نظرية أخرى- لا أرى فائدة من مناقشتها هنا – يصل زميلي المحترم إلى خلاصة تقول: “بأن تصويت ممثلي الأمة على القواعد المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان بما فيها مبادئ التقسيم الانتخابي، هو من صلب اختصاص البرلمان. بالتالي ليس فيه مخالفة للدستور. لأن الدستور لا وجود فيه لأي قاعدة تتعلق بالتقسيم الانتخابي حتى يمكن للمحكمة الدستورية البحث في مطابقتها مع القانون التنظيمي الذي يصوت عليه مجلس النواب”. وهنا أود توضيح مسألة في غاية الأهمية وهي أن المحكمة الدستورية عندما تفحص دستورية قانون تنظيمي فإنها تفعل ذلك وهي تتحرى ما قد يوجد فيه من مخالفات لقواعد وفصول دستورية أخرى حتى يكون في كليته منسجما مع الدستور باعتباره تشريع الأمة كما يقول هو نفسه.

الفصول المعنية بالحسم في مسألة دستورية القاسم الانتخابي المقترح

من الفصول التي تتعارض مع تبني اختيار المسجلين في اللوائح الانتخابية كأساس لقياس القاسم الانتخابي الفصول التالية:

الفصل الأول الذي جاء في إحدى فقراته “تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي”.

فالاختيار الديمقراطي يعتمد التعددية الحزبية والانتخابات الحرة والنزيهة والدورية التي يعبر فيها الناخبون المسجلون الذين اختاروا الذهاب يوم الاقتراع لممارسة حق التصويت عن تفضيلاتهم للأشخاص أو للأحزاب

كما أن الفصـل الثاني الذي جاء فيه السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها؛ تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم فالاقترع الحر يعني أنه لا ضغط فيه من أي نوع كان ولا تدليس على المصوتين والمرشحين ولهذا نظمت القوانين الانتخابية المعاقبة على الضغط والتدليس والغش.

وينص الفصل السادس في صلبه “تعتبر دستورية القواعد القانونية، وتراتبيتها، ووجوب نشرها، مبادئ ملزمة” فهل القانون الذي خالف جملة من النصوص الدستورية يعتبر مطابقا أو ليس فيه ما يخالف الدستور؟

وقد أضاف الفصل السابع في فقرة منه ما يلي “تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية”. فكيف سيتم التعبير عن إرادة الناخبين إذا اقتصرنا على المسجلين؟ إن ذلك يتم بممارسة حق التصويت. وإن كلمة الانتخاب تتضمن الاختيار والاختيار لا يمكن أن يمارسه إلا شخص يصوت ولا يمكن أن يمارسه شخص ولو كان مسجلا في اللوائح الانتخابية إذا فضل يوم الاقتراع أن يخلد للنوم تاركا لبقية المسجلين مثله نياما أو مشاركين في التصويت تقرير من يمثل الأمة في المؤسسات التي تسمى منتخبة؟

وما ستفعل المحكمة الدستورية مع الفصل 11 الذي جاء فيه “الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي. وجاء فيه أيضا “كل شخص خالف المقتضيات والقواعد المتعلقة بنزاهة وصدق وشفافية العمليات الانتخابية، يعاقب على ذلك بمقتضى القانون.”

وما ستفعل المحكمة الدستورية مع الفصل 17 الذي جاء فيه: “يتمتع المغاربة المقيمون في الخارج بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات….. كما يحدد شروط وكيفيات الممارسة الفعلية لحق التصويت وحق الترشيح، انطلاقا من بلدان الإقامة”. فكيف سيمارس مغاربة العالم حقهم في الترشيح وفي التصويت الذي يتضمن اختيار من يريدون لتمثيلهم إذا أخذنا بالمسجلين في احتساب القاسم الانتخابي.

وما ستفعل المحكمة الدستورية مع الفصل 25 الذي جاء فيه حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها؟ ألا يعتبر حق التصويت واختيار المرشحين الذي يتضمن الحضور والتعبير عن الإرادة بحرية ضمن حرية التعبير وأحد أشكالها؟ وما ستفعل المحكمة الدستورية مع الفصل 30 الذي جاء فيه لكل مواطن أو مواطنة، الحق في التصويت، وفي الترشح للانتخابات، شرط بلوغ سن الرشد القانونية، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية. وينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية. وجاء فيها “التصويت حق شخصي وواجب وطني”.

وما ستفعل المحكمة الدستورية مع الفصل 62 نفسه الذي جاء فيه “ينتخب أعضاء مجلس النواب بالاقتراع العام المباشر لمدة خمس سنوات، وتنتهي عضويتهم عند افتتاح دورة أكتوبر من السنة الخامسة التي تلي انتخاب المجلس.” فالاقتراع العام المباشر يعني ممارسة حقَ التصويت لجميع المواطنين البالغين الذين تتوفر فيهم الشروط، بغض النظر عن الثروة أو الدخل، أو الجنس، أو الوضع الاجتماعي، أو العرق، أو الإثنية، أو أي قيود أخرى غير مبررة ومقبولة في كل نظام ديمقراطي. وما ستفعل المحكمة الدستورية مع الفصل 135 الذي جاء فيه “تنتخب مجالس الجهات والجماعات بالاقتراع العام المباشر”.

الطابع السياسي للقواعد القانونية ومسألة استقالة رئيس الحكومة

عندما يقول زميلي في تحليله “إن الفصل 62 من الدستور عندما أحال تحديد قواعد التقسيم الانتخابي (واع) على القانون التنظيمي أي على البرلمان فإنه في الحقيقة أحالها على التوازنات السياسية داخل مجلس النواب. لكي تحدد من خلالها قواعد التقسيم الانتخابي وفقا لأغلبية الأصوات. وهو ما يعني اعتراف الدستور بالطابع السياسي للقواعد القانونية المتعلقة بالقاسم الانتخابي”.

فهل يعني ذلك في نظره الانتصار لفكرة عدم اختصاص المحكمة الدستورية؟ وهل يعني ذلك أن هذه القوانين وحدها لها طابع سياسي؟ ذلك أن كل القواعد القانونية لها طابع سياسي أي تنم عن اختيارات وتعبر عن مصالح.

وإذا كان التعديل المتعلق بالقاسم الانتخابي لم يصوت عليه الحزب الأكثر عددا في البرلمان و الذي عين من بينه رئيس الحكومة الحالية. بل صوتت عليه أغلبية من أعضاء مجلس النواب خارج الحزب الذي عين من بينهم رئيس الحكومة فهل هذا يلغي اختصاص المحكمة الدستورية؟ إن إحالة الأقلية على القضاء الدستوري هو اختصاص استجد من دستور 1992 ليمكن الأقلية من الطعن في قانون صوتت عليه الأغلبية ولو كان قانونا عاديا، أما القانون التنظيمي فيحال وجوبا على المحكمة الدستورية.

ولو فرضنا حصول هذا الانقلاب داخل البرلمان كما عبر عن ذلك زميلي المحترم، فهل الحل الوحيد هو استقالة رئيس الحكومة واستقالة الحكومة؟ وهل نحن نطبق الأعراف الديمقراطية كما تطبق في الدول الديمقراطية على حد ما جاء في مقالته؟ ولو فرضنا أن السيد رئيس الحكومة قد قدم استقالته وقبلت فهل الحل هو اللجوء إلى انتخابات جديدة على أساس هذا القاسم الانتخابي المقترح؟

دعوة أخوية صادقة

في ختام هذا النقاش الودي أدعو زميلي المحترم إلى الترافع معي ومع أنصار سمو الدستور وسيادة القانون من أجل تبني القانون التنظيمي الذي يحدد شروط وإجراءات الدفع بعدم الدستورية الذي هو حق جديد للمتقاضين منذ دستور 2011 وقد مرت 10 سنوات. وهو حق سيبرع في تفعليه زميلي المحترم عبد الكبير طبيح كمحام بالنظر لحنكته وخبرته في صيغ التشريع وقد كان برلمانيا صوت عليه الناخبون في ولايات عديدة في منطقة نحبها جميعا وكبرنا فيها وهي الحي المحمدي ولم ينجح فقط بناء على قاسم انتخابي يعتمد فقط المسجلين بغض النظر عن المصوتين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *