أما بعد

أما بعد.. أساتذة فرض عليهم الاحتجاج

يمكن لنا أن نتفق أو نختلف مع تسمية “الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”، ولكل رأي ما يبرر أو ينقضه، غير أن مسار الملف منذ إعلان مباراة فوج 2016 إلى أن أصبح “عون السلطة” يشارك في تعنيف مربي الأجيال، يجعلنا نجمع على تسميتهم بـ”الأساتذة الذين فرض عليهم الاحتجاج”، خاصة مع إصرار وزير التربية والوطنية والتكوين والمهني على إغلاق باب الحوار وحسم الكلام بمقولاته: “الملف تم إغلاقه” و”التعاقد تم إسقاطه” و”لا بديل عن النظام الأساسي لأطر الأكاديمات”.

وهنا لا بد أن نفتح قوسا نشير بين ثناياه إلى أن هذا النظام الذي ما لبث الوزير يتبجح به، مازال إلى حدود اليوم مجرد وثيقة تحمل صفحاتها طابع مصلحة تدبير المسار المهني والارتقاء بالموارد البشرية بالأكاديمية المعنية ومديرية الميزانية في وزارة الاقتصاد والمالية، وختمت بتوقيع وزيري التربية الوطنية والمالية، دون أن ترق إلى مرتبة قانون كما لم يتم بعد نشرها في الجريدة الرسمية لتأخذ طابع الرسمية وتدخل حيز التنفيذ.

من جهة أخرى، مازالت الوزارة الوصية لم تبد بعد حسن نيتها وهي المسؤولة الأولى عن نزع فتيل الاحتقان في الوسط التربوي، إذ أن كل الأساتذة المتعاقدين الذي صاروا أزيد من 80 ألفا، مازالوا في رتبهم التي ولجوا بها الوظيفة دون أي ترقية بما فيها الترقيات المفروضة بأقدمية سنوات العمل وتلك التي لا تكاد تكلف سوى دارهم معدودة تضاف للراتب، كما أن الأكاديميات تعلي في وجههم خطاب “ليست مرسمين”، ومازالت وضعيتهم الإدارية والقانونية مجهولة.

علاوة على ذلك، مازلت حقوق كثيرة تعد من أبجديات مهنة التدريس غير متاحة لمن ولج المهنة منذ تبني التوظيف بالعقد، ونذكر في هذا الباب حق الانتقال على المستوى الوطني الذي مازال محرما حتى على الحالات الحرجة والمستعجلة، ومازال “الأساتذة المتعاقدون” محرومون من الاستفادة من نفس حقوق الحركة الانتقالية التي يستفيد منها زملاؤهم المرسمون في الوظيفة العمومية، رغم عيوب هذه الحركة وما يثار حولها من ملاحظات وحاجة ماسة ومستعجلة إلى الإصلاح والتطوير.

الأكثر من ذلك، لم تكلف الوزارة الوصية نفسها عناء بحث تحقيق أو تقديم شكاية للمصالح المعنية بفتح التحقيق في الاتهامات الموجهة لمباريات التعاقد والتي ربطتها بشكل مباشر بـ”انعدام الكفاء” و”الرشوة” و”المحسوبية الزبونية”، بالرغم من أن هذه الاتهامات صدرت عن مسؤول بالوزارة داخل إحدى المقرات التابعة لها، وهو ما يطرح سؤال جدية الوزارة في الدفاع عن كرامة الأساتذة بل عن كرامة اختياراتها ومبارياتها ويضع الوزارة وأكاديمياتها أولا في موضع الشبهة.

بل إن الوزارة لم تكلف نفسها عناء الخروج إلى المواطن المغربي لشرح حيثيات الملف وتفاصيله، ولتوضيح سبب نزول العقدة وفوائدها على قطاع التربية والتكوين، ولم تقدم جدولا زمنيا لحل الأزمة التي أهدرت زمنا مدرسيا مكلفا، وأزهقت في ثناياها أرواح.

فلا يمكن مطلقا نزع فتيل التوتر والاحتقان وإقناع الأساتذة بتقليص وتيرة إضراباتهم وما تسببه من هدر في الزمن المدرسي في ظل التصريحات الحدية لوزير التربية الوطنية والتكوين المهني والبحث العلمي والتعليم العالي بصفته الوزارة وبصفته ناطقا باسم الحكومة برمتها، والتي يغلق من خلالها الباب لأي حوار مستقبلي ويعتبر أن الملف تم إغلاقه، كم أن مواجهة مربي الأجيال بلغة التدخلات الأمنية العنيفة وسياسة العصا لمن يحتج، يغلق كل قنوات الحوار غير الرسمي مع هذه الفئة ويعلي من صوت التضامن معهم ولا شيء آخر غير التضامن مهما بلغ مستوى الاختلاف مع مطالبهم.

فإذا كانت الوزارة بالفعل تسعى إلى الرقي بالمنظومة التربوية وإعادة الاعتبار إلى المدرسة العمومية التي ربما تعيش أسوأ مراحل تاريخها منذ استقلال المغرب، فلابد أن تجعل رجال ونساء التعليم على رأس أولوياتها، لأنهم جنود الصف الأول في المعركة ضد الجهل وفي الحرب دفاعا عن مستقبل الوطن، وأن تتخلى عن مقاربة الملف التربوي مقاربة مالية صرفة، وعلى الحكومة أن تبحث عن الحلول لمشاكل كتلة الأجور وتنويع مصادر التمويل بعيدا عن القطاع التربوي، كما يجب عليها أن تنأى بالتربية والتكوين عن تجارب تنزيل الجهوية وأن تحاول التجرب في غيره نظرا لحساسية القطاع وأثره على المستقبل القريب والبعيد، ناهيك عن التعجيل بالجلوس إلى طاولة الحوار مع جميع الأساتذة لنقاش ومعالجة جميع القضايا العالقة ارتبط بالتعاقد أو بحاملي الشواهد أو الزنزانة 10… الخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *