أما بعد، العمق الرياضي

هيمنة الجيش الملكي على المنتخب النسوي .. مرآة أزمة التكوين في الأندية؟

حين يتحوّل المنتخب الوطني إلى امتداد لنادٍ واحد، فإن السؤال لم يعد متعلقًا بالاختيارات الفنية، بل بمستوى اللعبة نفسه. في المغرب، تَحوَّل المنتخب النسوي إلى “نسخة وطنية” من الجيش الملكي، بنسبة تمثيلية تكاد تبلغ الكمال، وتكاد تُقصي كل الأندية الأخرى من مشهد صناعة اللاعبات. فهل نحن أمام هيمنة مستحقة؟ أم أمام مرآة تُعرِّي هشاشة المشروع الكروي النسوي في باقي ربوع الوطن؟

عند إلقاء نظرة سريعة على لائحة المنتخب المغربي النسوي، في منافسات كأس أمم أفريقيا المقامة حاليا بالمغرب، نُدرك أننا لا نتابع منتخبا وطنيًا بالمعنى الكلاسيكي، بل نشاهد “الجيش الملكي النسوي” وهو يرتدي قميص الوطن. حضور كاسح للاعبات الفريق العسكري في كل الخطوط، بنسبة تفوق 80% بواقع 8 لاعبات، فضلا عن حضور لاعبات خريجات المدرسة العسكرية، مقابل لاعبة وحيدة تمثل الوداد الرياضي من البطولة الوطنية، ما يطرح سؤالًا مقلقًا لا يتعلق بالعدالة أو التوازن، بل بمستوى التكوين الرياضي في باقي أندية المملكة.

هل يُعقل أن ناديا واحد فقط هو القادر على إنتاج عناصر قادرة على ارتداء قميص الوطن؟ هل تفتقر فرق الوداد، أو سبورتينغ الدار البيضاء، أو الفتح إلى مواهب تستحق أن تحجز لها مكانا في المنتخب؟ أم أن الأمر أعقد من ذلك، ويتعلق ببنية مشروخة للعبة النسوية في المغرب، تُخفي وراءها فجوة هائلة بين جيش مدعوم ومهيكل، وأندية أخرى تُكافح بالكاد من أجل البقاء في البطولة؟

الواقع أن سيطرة الجيش الملكي ليست مفاجئة. فهو النادي الوحيد تقريبا الذي يمتلك مشروعًا متكاملًا لتطوير الكرة النسوية: من البنية التحتية إلى التكوين، ومن الدعم المالي إلى التغطية الطبية. بينما لا تزال باقي الفرق تعتبر كرة القدم النسوية مجرد “فريضة تنظيمية” تفرضها لوائح الاتحاد الدولي، فتُنشئ فرقًا رمزية، تُنافس بلا أهداف، وتُكوِّن بلا رؤية.

فلا يُمكن أيضًا إنكار ما تمنحه هذه التركيبة الحالية من انسجام فني، وسلاسة تكتيكية، نتيجة قضاء اللاعبات لفترة طويلة داخل المستطيل الأخضر وفي المعسكرات الإعدادية للفريق طيلة الموسم مع بعضهن.

في ظل هذا الخلل، تصبح الأندية مجرد قنوات عبور لا تصنع اللاعبات، بل تستهلك المتوفر، وتترك خزائن المنتخبات فارغة من التنوع والجودة. وهنا، تُطرح المسؤولية على الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم: هل يكفي أن تُنظَّم البطولة الوطنية شكلًا؟ أم أن المطلوب هو فرض معايير صارمة في التكوين والاحتراف لتفادي إنتاج “منتخب أحادي النكهة”؟

نحتاج إلى ما هو أكثر من نتائج المنتخب في المحافل القارية والعالمية. نحتاج إلى مشهد رياضي نسوي متعدد الألوان، غني بالمدارس، متنوع في الأسماء والجهات. ففريق يمثل الوطن لا يجب أن يُبنى على اسم واحد، بل على قاعدة واسعة من الأندية، كلٌّ يساهم بنجماته، كلٌّ يُفرز هويته.

أما اليوم، فلا يمكن الحديث عن “منتخب مغربي” بقدر ما نتحدث عن “نادي الجيش الملكي” وهو يمد جسده الوطني بجهاز تنفّس خارجي، مؤقت، هش، وقابل للسقوط في أول اختبار حقيقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *