سياسة

انتخاب المالكي .. كواليس وطرائف من يوم جلسة التصويت

عادة ما تمر جلسات انتخاب رؤساء مجلس النواب بالمغرب في ظروف هادئة، بالنظر إلى أن المرشح للرئاسة يكون معروف سلفا ويكون الاتفاق حوله معدٌّ له قبل جلسة التصويت، وهو ما يجعل الأمور تمر في أجواء عادية، عكس جلسة انتخاب الحبيب المالكي التي مرت في ظروف غير عادية؛ أولا بالنظر إلى طبيعة المرشح الأوفر حظا، والمحسوب لحد الساعة على المعارضة، وثانيا ما طبع الجلسة من ترقب حول ماهية المرشح الثاني الذي سيتقدم لمنافسة المالكي عن هذا المنصب، وهل سيكون ضمن أحزاب الأغلبية؟ أم أن المالكي سينافس نفسه!

يوم غير عادٍ

لم يكن يوم الإثنين 16 يناير 2017، يوما عاديا في تاريخ مجلس النواب، فهذا اليوم يأتي بعد حوالي 3 أشهر من انتخابات تشريعية جديدة جاءت بأوجه جديدة للبرلمان وأعادت أخرى قديمة إلى أروقته، لكن الأمر غير العادي هو انتخاب رئيس للمجلس في ظروف نادرة الوقوع في تاريخ الغرفة التشريعية الأولى بالمملكة، حيث يتم انتخاب وهيكلة مجلس النواب قبل تشكيل الحكومة، إذ أن هذا الأمر كان مرة واحدة في تاريخ البرلمان المغربي منذ الاستقلال، وكان في ظروف غير معقدة كتلك التي مر فيها انتخاب المالكي رئيسا.

الرابعة عصرا، البرلمانيون يبدأون في أخذ أماكنهم بمدرج الغرفة الأولى، وبعد برهة يحل عبد الواحد الراضي الرئيس المسير للجلسة باعتباره الأكبر سنا ويأخذ مكانه هو الآخر في أعلى المنصة. شرع الراضي “يلقن” النواب الجدد الدروس الأولى الخاصة بمساطر المجلس وكيفية التصويت على الرئيس الجديد، مذكّرا في السياق ذاته النواب القدامى بالأمور ذاتها. كانت الأمور تسير بسهولة ويُسر. فالراضي خبر المكان جيدا ويعرف دهاليز التسيير منذ عقود طويلة. كان الكل، على ما يبدو، يريد أن تنتهي “حصة التعذيب” من الأمور الشكلية؛ من قراءة قوانين التسيير وأسماء البرلمانيين الناجحين الـ 395.

انتهت كل تلك الأمور بعد أن أخذت حصة مهمة من جلسة الانتخاب. أحدهم علق على النائب البرلماني الأصغر سنا الذي كان يتلو أسماء البرلمانيين الناجحين الـ 395 واحد تِلوى الآخر؛ “هذا الأمر يكفيه في مساره خلال الخمس سنوات المقبلة”، إنه “عمل شاق وثقيل على القلب أن تقرأ 395 إسما في جلسة واحدة” يضيف المتحدث ذاته. بعدما فرغ الأخير من تلاوة الأسماء الناجحين، اشرأبت أعناق البرلمانيين إلى عبد الواحد الراضي وهو يعلن عن اللحظة الحاسمة التي كان ينتظرها الجميع سواء داخل قبة البرلمان أو خارجه … من سيُنافس المالكي على الرئاسة!

“أفتح باب الترشيح لرئاسة مجلس النواب، فالقانون يمنح أي نائب برلماني الحق في الترشح، ومن يريد فعليه أن يقف ويرفع يديه حتى نعرف من هو”، يقول الراضي، ويضيف: “من يرشح نفسه”؟ .. تمر فترة قصيرة من الصمت يرفع خلالها المالكي يده معلنا عن ترشحه، فيما يسترسل الراضي قائلا: “هل هناك مرشح ثاني”؟ لا أحد يجيب. “إذا هناك مرشح واحد، أكرر هناك مرشح واحد … إذا المرشح الوحيد هو السيد الحبيب المالكي”، يحسم الراضي في الأمر دون أن يصفق أحد على المرشح الوحيد الذي بات مؤكدا أنه الرئيس المقبل لمجلس النواب.

ترقب قبل الجلسة

قبل جلسة التصويت بدقائق، كان الكل بمجلس النواب يتساءل: “هل فعلا سيُرشّح حزب العدالة والتنمية عضوا من الحزب لرئاسة مجلس النواب، أم سيتم ترشيح عضو بحزب الاستقلال أم عضو بالتقدم والاشتراكية، أم سيتم الملعب فارغا في وجه مرشح حزب الاتحاد الاشتراكي المدعوم من أحزاب البام والأحرار والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية؟ كانت الأسئلة دون جواب واضح. فالعدالة والتنمية أتقن لعبة “الغموض” في هذا الأمر. “كان يريد أن يحرم الذين وراء المالكي من متعة سير الأمور دون مفاجآت”، يعلق صحفي كان يتابع أشغال جلسة التصويت.

دقائق قبل انعقاد الجلسة، يصدر البلاغ الرسمي الذي كان ينتظره الجميع، “تقرر بعد التشاور عدم تقديم مرشح للتباري على منصب رئيس مجلس النواب وبالتصويت بورقة بيضاء”، يحسم بلاغ البيجيدي الأمور، ويكشف أن المالكي سيُنافس نفسه وحيدا، في واقعة هي الأولى من نوعها في تاريخ البرلمان المغربي. “لقد حرم العدالة والتنمية المالكي من الانتشاء بالفوز، فهو الآن في الساحة يصارع نفسه وهذا لا يحدث في أي بلد ديمقراطي”، يعلق ملاحظ للشأن السياسي كان يتابع مجريات انتخاب الرئيس الجديد لمجلس النواب.

بعد أن حسم البيجيدي أمره قبل انعقاد الجلسة، بقي موقف حزب الاستقلال غامضا، هل سينضم إلى حليفه البيجيدي ويصوت بالورقة البيضاء أم سيمتنع عن التصويت أم سيكون له موقف آخر؟ كانت الأسئلة تتناسل ولا جواب، فرِفاق شباط احتفظوا بسرهم إلى آخر رمق من جلسة التصويت. كان أعضاء الفريق الاستقلالي مرابطون بأمكنتهم دون حراك. الراضي يستفسر عمّن سيتقدّم للترشح للرئاسة. يتقدم المالكي ولا أحد شريك له. يعلن الراضي عن بدء التصويت على المرشح الوحيد. قبل أن تبدأ العملية يتقدم ممثل حزب الاستقلال باعتراض: “الفريق الاستقلالي يقرر عدم المشاركة في عملية التصويت، وبالتالي الانسحاب من الجلسة، وسيصدُر بلاغا في الموضوع، شكرا”. انتهى كلام الاستقلال.

أضحى انسحاب حزب الاستقلال هو الحدث، فالمالكي معروف منذ مدة أنه هو الرئيس والباقي كله تفاصيل. موقف تاريخي بامتياز، فحزب الاستقلال “يعرف أن كل ما يحدث هو ضده، وكل هذا محاولة لتقسيم وحدة الأحزاب الوطنية”، يقول المحلل السياسي عبد النبي الحري في تصريح لجريدة “العمق”، مشيرا أن “حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي اتفقوا في البداية على أن يكونوا في الحكومة معا أو لا يكونا، ولكن في الوقت الذي تُمنح فيه الهدايا غير المتوقعة للاتحاد الاشتراكي، والتي إذا صح القول إنّ الاتحاديين أنفسهم لا يصدقونها، يتم في الآن نفسه نبذ حزب الاستقلال وجعله خارج اللعبة، وبالتالي فلا يمكن أن نتوقع من حزب الاستقلال إلا هذا الموقف”.

طرائف وكواليس

لم تخل جلسة انتخاب الرئيس الجديد لمجلس النواب من طرائف، رصدتها أعين الصحافة والمتتبعين لهذا الحدث المهم في المسار السياسي المغربي، والذي وصفه مهتمون بالشأن السياسي المغربي بأنه “انقلاب” ناعم على الإرادة الشعبية وحصرٌ لرئيس الحكومة في الزاوية بعد أن “قاوم” كل الضغوط التي تريد أن تجعل منه رئيسا صوريا على رأس الحكومة، وجعل زعيم الأحرار عزيز أخنوش هو المسير الفعلي لها، بعد أن فشل حزب الأصالة والمعاصرة في تحقيق الهدف.

كان الجو في قاعة مجلس النواب جديا للغاية، غير أنه رغم ذلك لم تخلو الجلسة من طرائف، كانت أولاها رفض البرلماني عن فيدرالية اليسار عمر بلافريج الجلوس إلى جانب الحبيب المالكي، حيث ما إن جلس الأخير بجانب بلافريج بعدما التحق بالقاعة حتى غادر بلافريج المكان وابتعد قليلا عنه. وأثناء مرحلة التصويت لم يستطع البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة الأكبر سنا في البرلمان أن يصوت لفائدة المالكي، بعد أن عجز عن كتابة اسمه في الورقة المخصصة لذلك نظرا لجهله بالقراءة والكتابة، غير أن ذلك لم يمنع بعضا من البرلمانيين من “مساعدته” حيث قام برلماني بدخول المعزل حيث كان برلماني البام “تائها” وناب عنه في كتابة اسم المالكي على الورقة البيضاء في مخالفة صريحة للقوانين، باعتبار أن التصويت سري وفردي.

الشيء المثير الذي أثار اهتمام الصحفيين بالجلسة هو عدد من البرلمانيين الشباب، الذين كانوا “يلعبون” في هواتفهم الذكية، متناسين أنهم في هيئة دستورية لها قدسيتها الخاصة، حيث كان أغلب عمر هؤلاء البرلمانيين يتراوح بين 21 سنة و25 سنة. كما رصدت كاميرات الصحافيين القيادي في البيجيدي إدريس الأزمي وهو يرسل رسالة عبر “واتساب” يخبر فيها رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران بعدد الأصوات التي حصل عليها المالكي بعد انتهاء الفرز في جلسة التصويت.

ومن بين الكواليس التي تم تسجيلها أيضا قيام بعض النواب في بداية عملية التصويت بالتصويت دون اللجوء للمعزل قبل أن ينبه رئيس فريق حزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني، رئيس الجلسة عبد الواحد الراضي لينبه الأخير النواب، حيث لم يكن الراضي يرغب في أن يمنح العثماني الكلمة متذرعا بأنه لا حديث وسط عملية التصويت قبل أن يسمح له بعد أن عرف أن الأمر يتعلق بتنبيه. كما احتج في الإطار ذاته القيادي بحزب “البام” عبد اللطيف وهبي على تصوير الصحفيين لعملية الفرز، وهو ما جعل الراضي يطلب منهم الابتعاد عن البرلمانيين الشباب الذين كانوا يقومون بفرز الأصوات.