وجهة نظر

التهجير القسري للفلسطينيين من حي الشيخ جراح ومخالفته للقانون الدولي الإنساني

يعيش الفلسطينيون في حي الشيخ جراح هاته الأيام هجوما غادرا من قبل الكيان الصهيوني الغاصب للأرض والقاتل للأطفال، في محاولة منه لتهجير سكان الحي المذكور قسرا دون مراعاة لقواعد وأعراف القانون الدولي الإنساني، وأمام الصمت المطبق للمنتظم الأممي.

تأتي هاته الأحداث ونحن على بعد أيام من الخامس عشر من مايو الذي يخلد فيه الفلسطينيون ومعهم أصدقاؤهم في العالم كل سنة ذكرى النكبة على مدى ثلاثة وسبعين عاما، منذ 1948 إلى غاية الآن، على أمل العودة إلى موطنهم الأصلي.

وحسب أحدث تقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن الاحتلال قد دمر 531 قرية ومدينة فلسطينية، وارتكب أكثر من 70 مجزرة ومذبحة، ذهب ضحيتها أكثر من خمسة عشرة ألف فلسطيني، وهجر قسرا قرابة من 800 ألف مواطن، من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في الأراضي المحتلة عام 1948.

وتبعا لنفس التقرير فإن حوالي 5.3 مليون لاجئ من أصل 11.6 مليون نسمة، يتوزعون بين الأردن وسوريا ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة وباقي دول العالم، مما يجعل قرابة 66 % من سكان فلسطين في العالم، يعيشون ويلات التهجير واللجوء القسري سواء أفي الشتات أو في وطنهم التاريخي فلسطين للعام السبعين.

وخلال صيف العام 2014، تعرّض الفلسطينيون في قطاع غزة، (75% منهم لاجئون)، لخمسين يوماً من القصف الإسرائيلي الجوي والبحري والبري نتج عنه استشهاد 2215 فلسطيني، من بينهم 556 طفلا و293 سيدة، وتمّ تدمير 31.974 منزلا سكنيا من بينها 8163 عمارة سكنية متعددة الطبقات، وتدمير البنى التحتية المدنية للقطاع المحاصر؛ الأمر الذي يُضاعف من حجم الكارثة الإنسانية، وقد تم خلال ذلك الهجوم، تهجير 520 ألف فلسطيني داخل القطاع؛ أي ما يعادل 34% من مجموع سكان قطاع غزة.

وبرجوعنا إلى مفهوم التهجير القسري، نجد القانون الدولي يعرفه في المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة بكونه، إخلاء غير قانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها، وبأنه يندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.

وبناء عليه نصت المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن إبعاد السكان أو النقل القسري لهم، يعتبر في خانة الجرائم ضد الإنسانية.

كما أن المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 حظرت النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص، أو نفيهم من مناطق سكناهم إلى أراضي أخرى، إلا في حالة أن يكون هذا في صالحهم بهدف تجنيبهم مخاطر النزاعات المسلحة.

وبموجب المواد 6 و7 و8 من نظام روما الأساسي، فإن “الإبعاد أو النقل غير المشروعين” يشكلان جريمة حرب، وتعتبر المادة المتعلقة بحظر نقل السكان من مناطقهم جزءًا من القانون الدولي الإنساني العرفي.
وتجدر الإشارة أن الفلسطينيين احتكموا إلى القانون الدولي وقدموا شكاية في الموضوع إلى الأمم المتحدة فأصدرت هذه الأخيرة قرارها الشهير رقم 194 بتاريخ 11 دجنبر 1948، في جلستها العامة رقم 186 بـ 35 صوتاً مع القرار مقابل 15 ضده وامتناع 8 دول.

وأنشئت لجنة توفيق تابعة للأمم المتحدة تسهر على تحقيق السلام بالمنطقة، وفي هذا السياق نورد أهم حيثيات هذا القرار الأممي:

1- تقرر وجوب منح سكان فلسطين جميعهم أقصى حرية ممكنة للوصول إلى مدينة القدس بطريق البر والسكك الحديدية وبطريق الجو، وذلك إلى أن تتفق الحكومات والسلطات المعنية على ترتيبات أكثر تفصيلاً.

2- تصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بأن تعلم مجلس الأمن فوراً بأية محاولة لعرقلة الوصول إلى المدينة من قبل أي من الأطراف، وذلك كي يتخذ المجلس التدابير اللازمة.

3- تصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بالعمل لإيجاد ترتيبات بين الحكومات والسلطات المعنية من شأنها تسهيل نمو المنطقة الاقتصادي، بما في ذلك اتفاقيات بشأن الوصول إلى المرافئ والمطارات واستعمال وسائل النقل والمواصلات.

4- تقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب وفقاً لمبادئ القانون أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة.

5- تصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بتسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم من جديد وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي وكذلك دفع التعويضات وبالمحافظة على الاتصال الوثيق بمدير إغاثة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، ومن خلاله بالهيئات والوكالات المتخصصة المناسبة في منظمة الأمم المتحدة.

وبناء على هذا القرار الأممي، نرى أنه بمثابة اعتراف صريح بحق اللاجئين والمهجرين قسرا في العودة كجزء أساسي وأصيل في القانون الدولي تاركا لهم حرية الاختيار بين البقاء في مكان ترحيلهم وبين العودة إلى فلسطين.

إلا أنه رغم مرور 73 سنة على هذا القرار فإنه لم يتم تنفيذه إلى جانب 52 قرارا تم إصدارها خلال العشريات السبعة المتتالية ونيف، بل ظلت حبرا على ورق، أمام الصمت الدولي المكشوف، والتطبيع والتواطؤ العربي المفضوح، والدعم الأمريكي المنحاز للكيان المحتل،مقابل بالطبع مقاومة منقطعة النظير للشعب الفلسطيني البطل يقودها شباب متحمس للشهادة في سبيل تحرر وطنه ودودا على حياض مقدسات أمته.

* محمد النويني محام باحث في القانون الدولي الإنساني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *