منتدى العمق

أوضاع تركيا

بعد أسبوعين فقط من الهجوم الإرهابي على اسطنبول، والذي راحت ضحيته أرواحا بريئة ذنبها الوحيد قرارها الاحتفال بالسنة الجديدة في هذه المدينة التي تعودت غدر الإرهاب وجبنه، حيث وكلما خطف منها أبنائها أو بعض زوارها تمكنت بسرعة من تضميد الجراح، وعادت لحيويتها، فهي تأبى التنازل عن شموخها وعزتها، كيف ذلك والتاريخ أكبر شاهد على نهوضها الدائم بعد كل سقوط ومحنة، فلا طالما كانت مركزا لعديد الحضارات، ومسرحا للصراع بينها، فكيف بالإرهاب أن يفعل ما لم تتمكن منه الحروب؟.

نعم تركيا تملك تاريخا طويلا مع الإرهاب، فهو ليس بالظاهرة الجديدة عليها، وإن كان شكله وحجمه يختلف كثيرا في الأونة الآخرة، حيث الأضرار والخسائر أكبر، والاستهداف ممنهج ومخطط، لكن ومع هذا فقد أصبح الأمر بالنسبة للأتراك شيء من الحياة اليومية، من كثرة التكرار، فاليوم انفجار وغدا هجوم مسلح وهكذا، فعند النظر في وجوههم تجد التحدي والأمل، وكأن لسان حالهم يقول “لن تخيفوننا بإرهابكم أيها المجرمون”. وتأكيدا على روح التضامن والتعاون بين أفراد هذا المجتمع، وبعد كل حادث دموي يتوجه الأتراك مباشرة إلى مراكز الهلال الأحمر للتبرع بالدم، والذي بدوره يرسل حافلات إلى مختلف المناطق مخصصة لهذا الغرض.

إن المتجول في أزقة اسطنبول ومعالمها في الوقت الحالي، بالتأكيد سيرى أنه لا وجود لتغيير في الحياة اليومية بمدينة اسطنبول بعد الهجوم الإرهابي ليلة رأس السنة، رغم وجود نوع من التخوف لدى الناس، وذلك بسبب عدم القبض على المنفذ، لكن في هذا الصدد انتشار الشرطة بشكل كبير في الأماكن العامة تفاديا لوقوع أي هجوم محتمل قد يسقط المزيد من الأرواح البريئة، يرسخ مزيدا من الاطمئنان في النفوس.

و عن الأسباب التي أدت إلى غياب النجاعة الأمنية، فهي كثيرة ومتعددة، لكن قد يكون من أبرزها الفراغ في المؤسسات الأمنية، بعد تطهيرها من أتباع فتح الله غولن، وهو الأمر الذي تحاول أن تتداركه الحكومة من خلال تنظيم مباراة الولوج إلى أكاديمية الشرطة، حيث مطلوب ما يقارب عشرة ألاف شخص، بالإضافة إلى المحاولة الانقلابية الفاشلة في السنة الماضية، وما خلفته من نتائج، سواء على الجيش أو على علاقة الدولة بهذه المؤسسة، التي فقدت الكثير من هيبتها بعد هذه الحادثة.

فيما اعتبر بعض المحللين أن الهدف من وراء استهداف تركيا هو الضغط عليها لتغيير مواقفها من بعض القضايا الإقليمية والدولية، كالنزاع في سوريا، أي أنها تتعرض للعقاب بسبب دعمها لشعوب المنطقة، وأيضا رغبة بعض القوى الدولية في إيقاف التقدم والنمو الاقتصادي السريع الذي عرفته تركيا في السنوات القليلة الماضية، لأن هذا يشكل مصدر إزعاج لهم، حسب قوله.

أما انعكاس هذا كله على الاقتصاد التركي، المنتج سنويا لما يفوق 800 مليار دولار، فهو واضح للمقيمين هنا ، حيث تراجع عائدات القطاع السياحي بشكل ملحوظ، إذ عرفت سنة 2016 انخفاض 30 في المئة من نسبة السياح مقارنة بسنة 2015 ، حسب وزارة الثقافة والسياحة، إضافة إلى تسجيل نوع من التراجع في جلب الاستثمارات الأجنبية، وتراجع قيمة الليرة أمام الدولار بشكل كبير.

لكن عموما الجانب الاقتصادي بخير، ولا وجود لأي مؤشر على ظهور أزمة اقتصادية، حيث المصارف تشتغل بشكل عادي، والديون العامة في مستواها الطبيعي، هذا على المستوى الماكرو اقتصادي، أما ميكرو اقتصاديا فهناك بعض المشاكل، من قبل ارتفاع الأسعار، وسعر الدولار، الذي قارب الأربع ليرات، وهذا طبعا له تأثير على المواطنين بشكل مباشر.

أما الجانب الأمني فيمكن تقييمه على مستويين، الأول يتعلق بالأمن العام، حيث يوجد انفلات في الآونة الأخيرة، أدى إلى كثير من التخوفات، وإلى وقوع انفجارات في بعض الأماكن العامة، التي قد يوجد فيها أي مواطن وأجنبي، أما المستوى الثاني فيتعلق بأمن الأشخاص، وهو ما قد نعتبر فيه تركيا بلدا في غاية الأمن، إذا ما قورنت مع مجموعة من الدول العربية، حيث يمكن لأي مواطن التجول في أي ساعة بأريحية، وهذا الأمر يعتبر من المؤشرات التي تجعل الإقبال على تركيا مرتفعا، وكمثال على ذلك،ارتفاع نسبة الطلبة الأجانب، خصوصا الإناث منهم.