حوارات، سياسة، مجتمع

حوار خاص.. مدير “بيت مال القدس” يتحدث بالأرقام عن المساهمات المالية الضخمة للمغرب (فيديو)

في هذا الحوار الخاص يتحدث مدير وكالة بيت مال القدس، محمد سالم الشرقاوي، عن الدور المغربي الكبير سواء من الناحية الديبلوماسية والسياسية والقانونية، أو من ناحية العمل الميداني الإنساني الذي تقوم وكالة بيت مال القدس التي تتشرف بالإشراف المباشر للملك محمد السادس.

يقف الشرقاوي كذلك عند مصادر تمويل الوكالة التي تشكل مساهمات المغرب منها 87 في المائة، وكيفية صرف هذه التمويلات. ويعتبر الشرقاوي أن الوكالة وعملها على هذا المستوى يشكل الأداة المثلى حتى تصل التمويلات التي يتم جمعها إلى المقدسيين. ولم يفت الشرقاوي أن يذكر بالحضور المغربي التاريخي في القدس الشريف، الذي يمتد إلى نحو 800 عام، ودور الملوك المغاربة منذ المغفور له محمد الخامس إلى اليوم.

تحدث لنا عن وكالة بيت مال القدس ومهامها؟

وكالة بيت مال القدس مؤسسة عربية إسلامية تابعة للجنة القدس برئاسة جلالة الملك نصره الله، مهمتها الأساسية مهمة إنسانية اجتماعية تهدف، أولا، إلى الحفاظ على مدينة القدس وحماية موروثها الثقافي والحضري ودعم صمود سكانها المرابطين.

وهذه هي الأهداف الأساسية التي أحدثت من أجلها الوكالة بتوافق بين قادة الدول العربية والإسلامية، إثر مبادرة كريمة من المغفور له الملك الحسن الثاني رحمه الله.

والفكرة الأساسية هي تعبئة الأموال اللازمة لتنفيذ مشروعات الدعم الإنساني في القدس الموجهة لجميع سكان القدس من دون اعتبارات دينية أو عرقية أو سياسية، والهدف الأساسي كما قلت هو إشاعة نوع من  ثقافة التعايش والسلام والأخوة والمحبة التي ترمز لها المدينة برمزيتها الخاصة وهي نفس القيم التي تعارف عليها المغاربة منذ زمن.

اليوم الوكالة تواصل عملها تحت الإشراف المباشر لصاحب الجلالة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس حفظة الله، الذي وجه الوكالة في رسالة رسمية وجهت عام 2008 إلى المدير السابق، بإعطاء طابع اجتماعي إنساني ميداني ملموس لعمل هذه الوكالة.

لجنة القدس تشتغل على مسارين، مسار سياسي ديبلوماسي وقانوني، وفي هذا المسار تقوم وزارة الشؤون الخارجية بدور مهم جدا ومقدر. ثم مسار ميداني اجتماعي وإنساني تضطلع به الوكالة حسب ما يتوفر لها من إمكانيات.

ماذا عن دور المغرب ومكانته ضمن هذه اللجنة ؟

الوكالة تتشرف، كما أسلفت، بالإشراف المباشر لجلالة الملك على عملها، مما يعطيها، أولا، دفعة قوية. ثم يكسبها، ثانيا، المصداقية  بين المؤسسات المثيلة. ثم حضور جلالة الملك على رأس لجنة القدس وذراعها الميداني وكالة بيت المال القدس الشريف الذي يساعد في عمل الوكالة.

وأشير إلى أن غالبية التمويل الذي تتلقاه الوكالة، هو تمويل من المملكة المغربية في حدود 87 في المائة من تمويلات الدول بالإضافة إلى مساهمات الأفراد والمؤسسات.

جلالة الملك حين وجه عمل الوكالة إلى العمل الميداني فهو يدرك فلسفة هذا العمل الذي لا يقل أهمية غن الترافع القانوني والسياسي والديبلوماسي على المستويات المختلفة، باعتبار هذا العمل الميداني هو الذي يؤثر مباشرة على حياة الناس. فحضورنا كوكالة بشكل يومي في أوساط المقدسيين، في شوارعهم وفي حارتهم، سواء في المدينة القديمة أو في سلوان أو في حي الشيخ جراح وفي مختلف المناطق، وهذا يعطي نوعا من الآمان ويحسس بوجود مؤسسات وبوجود دعم.

 ما تعليقكم على انتقادات بعض الجهات للمغرب بالرغم من دوره المركزي في عمل اللجنة؟

حضور المغرب في القدس هو حضور تاريخي يمتد لأكثر من 800 عام، وليس فقط تضامن أو ارتباط لحظي أو مؤقت مرتبط بأجندة سياسية. المغرب لا تربطه حدود مباشرة مع الشام عموما ومع فلسطين خصوصا، وبالتالي فهذا الدعم المبدئي والثابت مشهود ومؤرخ له بالآثار وبالعمرانـ نتحدث هنا عن حارة المغاربة وعن باب المغاربة وعن الزاوية المغربية، وعن بيت المغرب الذي سيفتتح قريبا وهو عبارة عن عقار قديم في قلب البلدة القديمة.

مظاهر التضامن المغربي الثابت نحس به في وكالة بيت مال القدس الشريف من خلال الكرم الموصول للمغاربة وتضامنهم مع أشقائهم في القدس وفي فلسطين بشكل عام.

وبالتالي فهذه حقيقة ثابتة لا ترتفع بنسج بعض الأقاويل والأساطير هنا وهناك، لأن هذا ثابت في الآثار والعمران والحارات، ففي البلدة القديمة ستحس بالحضور المغربي التاريخي.

وطبعا أيادي جلالة الملك البيضاء على أشقائنا وعلى القضية الفلسطينية، فهو حقيقة يواصل مسيرة أسس لها والده الحسن الثاني رحمه الله، ثم أيضا جده محمد الخامس رحمه الله، لما زار القدس عام 1960 وكان من بين القادة العرب الأوائل الذين وقفوا في حارات وساحات المسجد الأقصى.

كيف ترون حصيلة الوكالة في مختلف قطاعات تدخلها؟

إذا أردنا أن نقوم بجرد حصيلة لعمل الوكالة خلال الـ 10 أو الـ 20 سنة الماضية، فلا يمكن إلا أن نقول إنها حصيلة مشرفة بالنظر إلى الإمكانيات المتاحة.

ففي غضون السنوات الأخيرة، حققت الوكالة ما يزيد عن 62 مليون دولار داخل مساحة جغرافية صغيرة بكثافة سكانية عالية جدا تعرف الكثير من المشاكل المرتبطة بالإسكان والصحة والتعليم. وهي مشاكل عميقة وتتحول مع الوقت ومع الزمن، لذلك تحتاج دائما إلى حلول مبتكرة تواكب هذه التحولات التي تشهدها المدينة.

لذلك فالوكالة تحاول، وفق ما يتيحه مستوى التمويل، أن تجعل أولويات في عملها وتشتغل في قطاع الصحة حيث حققت منجزات معتبرة في مستشفى المقاصد الخيرية، وفي مستشفى المطلب، وفي المستشفى الفرنساوي، وفي مستشفى ماري يوسف، وفي المركز الصحي العربي، وفي مستشفى الهلال.

طبعا كل هذه المؤسسات الاستشفائية استفادت من دعم خاص من الوكالة حسب تخصصاتها.

ثم في قطاع التعليم أيضا، هناك مشاريع مهمة لتدارك الخصاص الحاصل في الغرف الصفية، نحتاج اليوم إلى  حوالي 3000 غرفة صفية. الوكالة تدخلت لبناء 4 مدارس جديدة وإصلاح وتأهيل 10 مدارس قائمة.

وتشتغل أيضا مع الجامعة في مجال البحث العلمي، وتخصيص المنح الدراسية لحوالي 110 طلبة من القدس يدرسون في جامعات فلسطينية وفي جامعات مغربية.

كما تبدل أيضا مجهودا كبيرا على مستوى قطاع الشباب والطفولة والنهوض بالمرأة كمشاريع التنمية البشرية في القدس، وتحفيز الطلاب والشباب على صقل مهاراتهم في مجال معين وفي حرف معينة. وتشتغل الوكالة أيضا في مجال حماية التراث والذاكرة الجماعية في القدس وفي فلسطين، وهذا قطاع مهم جدا أسست له في الرباط مقرا متخصصا في البحوث والدراسات يعنى بالنشر والبحث وتشجيع الطلاب، وتخصيص منح خاصة بالبحث العلمي كذلك.

وهذه كلها جهود مهمة نؤسس من خلالها لحماية التاريخ وحماية الماضي، والتأسيس للمستقبل وللأجيال التي يمكن أن تبني على ما تم تحقيقه، لأننا الآن نبني على ما حققه الأجداد.

كيف تتم تعبئة تمويلات اللجنة ؟

مصادر التمويل تطرح إشكالا قانونيا مرتبط بأنظمة وقوانين الوكالة. فالنظام الأساسي للوكالة يحدد كيفية ومصادر التمويل، في المساهمات الطوعية للدول الأعضاء في منظمة التعاون الاسلامي، ويتيح الفرصة للوكالة لأن تعبئ الأموال من خلال حملات لجمع التبرعات في الدول الأعضاء ثم أيضا لها أن تتوجه إلى للمؤسسات الاقتصادية وللأفراد لجمع التبرعات لتمويل مشروعاتها في القدس، هذا من حيث ما يسمح به النظام الأساسي للوكالة.

ولكن الحقيقة فالنشاط على الأرض وأجرأة هذه التدابير، يتطلب نوعا من التوافق الجماعي للدول الأعضاء للسماح للوكالة بتنظيم هذه الحملات على أراضيها. ثم كذلك وفاء هذه الدول الأعضاء بالتزاماتها إزاء الوكالة والقرارات التي تتخذها سنويا سواء في مؤتمرات القمة أو المؤتمرات المتخصصة لوزراء الشؤون الخارجية.

وهنا، نتفهم كيف تحولت الأولويات لدى بعض الدول وكيف تراجعت القضية الفلسطينية في الاهتمامات، واليوم لا نفقد الأمل في أن تستجيب الدول العربية والإسلامية على المستوى الرسمي أو الشعبي لتمويل الوكالة بصفتها الأداة المثلى لتنسيق الدعم العربي والإسلامي الموجه إلى القدس.

وأذكر بأن كل درهم أو كل دولار أو كل أورو تم تحصيله، يوجه مباشرة من قبل الوكالة إلى المشاريع من دون اقتطاعات، نحن لا نقتطع الرسوم ولا مصاريف الملفات، لأن تمويل مصاريف تسيير الوكالة مؤمن من قبل المملكة المغربية التي تتفضل بتخصيص منحة سنوية بقيمة مليون دولار للتسيير، وبالتالي توجه الأموال كاملة إلى مستحقيها.

كيف يتم صرف هذه التمويلات ؟

الوكالة اعتمدت معايير لقبول المشاريع التي توجه إليها وترتيب هذه المشاريع ودراستها لوضعها على سكة التنفيذ. وهناك معايير تراعي الشروط الجيدة للحكامة والجدوى من هذه المشاريع، ثم مساطر التتبع خلال وبعد التنفيذ.

فالوكالة لا تتعامل مع أي جهة رسمية في القدس، بل تتعامل مباشرة مع الموردين ومع المقاولين والمستفيدين، وتحول الأموال بشكل مباشر إلى حساباتهم.

هذه الوسيلة عززت مصداقية الوكالة لدى المؤسسات الشريكة ولدى المقدسيين، ثم جعلت إقبالهم على هذه المؤسسة أكبر وهو ما يطرح علينا تحديات للاستجابة للحاجيات المتواترة والمتزايدة للسكان المقدسيين.

ونحن نعول على الذكاء الجماعي للدول العربية والإسلامية وللأفراد والمؤسسات لتمويل هذه الوكالة التي أثبتت على الأرض أن توصيل الأموال إلى مستحقيها ممكن وأن الإنجاز على الأرض في القدس ممكن. ثم إن المقدسيين عموما، مسلمين ومسيحيين وغيرهم، يستحقون كل الدعم.

وفيما يلي نبذة مختصرة عن محمد سالم الشرقاوي: 

– مزداد عام 1970 بـإقليم آسا الزاك. متزوج وله أربعة أبناء.

– منذ 2015: مدير مكلف بتسيير وكالة بيت مال القدس الشريف التابعة للجنة القدس برئاسة الملك محمد السادس.

– منذ 2014: أستاذ مشارك في مختبر التواصل ونُظم الإعلام في كلية الآداب والعلوم الإنسانية التابع لجامعة محمد الخامس بالرباط، ويساهم في تأطير عدد من الدورات والبحوث الجامعية؛

– 2002-2007: مستشار في ديوان وزير الصحة مكلف بالإعلام والاتصال؛

– ابتدأ حياته المهنية في الصحافة في عدد من الصحف المغربية والعربية؛

– يتحدث اللغات: العربية والفرنسية والانجليزية.

حاصل على:

– الدكتوراه في “التواصل” Communication من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس – المغرب؛

– دبلوم الدراسات العليا في “الهندسة الترابية” Ingénierie territoriale من جامعة بول فاليري 3 بمونبوليي – فرنسا؛

– روائي وإعلامي وباحث مختص في سوسيولوجيا التواصل؛

– صدر له كتابان في مجال تخصصه البحثي باللغة العربية آخرهما كتاب بعنوان “منهاج التفاصُل في سوسيولوجيا التواصل”، وهو دراسة تقارب أثر الرسالة الإعلامية في الحد من الظواهر الاجتماعية.

صدرت له أعمال في مجال الأدب وهي:

– رواية بعنوان “إمارة البئر” تمثل الجزء الأول من ثنائية السيرة والإخلاص، صدرت في طبعتها الأولى في ديسمبر 2015؛

– وأخيرا، رواية بعنوان ” قدر الحساء” وهي عبارة عن الجزء الثاني من ثنائية السيرة والإخلاص؛

– ثم له قيد الإعداد عمل سردي جديد بعنوان “ريمونتادا”.

– مُهتم بأدب الصحراء: وبهذه الصفة أيضا يساهم في الكتابة والبحث في أفق التأسيس لمسار بحثي جامعي حول الموضوع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *