وجهة نظر

في الفيمنيست الإسلامي.. التمكين السياسي للمرأة

كاتب رأي

تكمن أهمية المشاركة السياسية للمرأة في المستويات المختلفة لصنع واتخاذ القرار، في كونها تتيح للنساء التواجد بشكل فعال في تخطيط السياسات العمومية وتوجيهها بشكل يخدم المساواة والإنصاف ليس بين الجنسين فحسب بل بين جميع المواطنين والمواطنات بشكل عام.

وتعد المساواة بين المواطنين جميعاً، تجسيدا حقيقيا لمفهوم المشاركة الذي يعتبر الأساس الموضوعي للممارسة الديمقراطية الحقيقية، والمكرس لحقوق المواطنة الكاملة.

ولقد بذل المغرب مجهودات مهمة لتحقيق مشاركة سياسية وازنة للنساء، وذلك من خلال اعتماد مجموعة من التدابير مكنت من مراجعة الميثاق الجماعي ومدونة الانتخابات، ومهدت، بمقتضى ميثاق شرف مع الأحزاب السياسية، إلى تجربة تخصيص حصة للنساء من خلال اللائحة الوطنية واللائحة الإضافية.

وترتيبا على ذلك، تم تحقيق مجموعة من المكتسبات بفضل عمل تحسيسي تعبوي خاضته مختلف الفعاليات، من حكومة وجمعيات المجتمع المدني وأحزاب سياسية، وذلك لتشجيع إشراك النساء في تدبير الشأن العام الوطني والمحلي.

لكن، ورغم المجهودات المبذولة، بقيت النتائج محدودة مقارنة مع مستوى الحضور والمساهمة الحقيقية للنساء في مختلف المجالات. فقد انتقلت نسبة حضور النساء بمجلس النواب من 10 بالمائة إلى 17 بالمائة سنة 2011، ومن 0,56 بالمائة سنة 2003 إلى12.34 بالمائة سنة 2009 بالجماعات المحلية، بفضل آلية التمييز الإيجابي “الكوطا”.

و لذلك، فإن التأكيد على المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق، ومن بينها الحقوق السياسية، كرسه التوجه الجديد لدستور 2011، الذي جاء منسجما ومختلف الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة)، علاوة على التزام المغرب بإعلان وبرنامج عمل بكين، وأهداف الألفية للتنمية (هدف الألفية الثالث “3OMD” الذي يستهدف تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.

وقد أكد البرنامج الحكومي على اعتماد تدابير :

تحفيز المرأة على المشاركة في المجتمع المدني والأحزاب السياسية؛

التنزيل الفعلي لمقتضيات الدستور المتعلقة بالمساواة بين الرجال والنساء في الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسعي إلى تحقيق المناصفة؛

تأهيل النساء وتمكينهن سياسيا واقتصاديا، وتعزيز مشاركتهن في الحياة العامة والتحفيز على تواجدهن في مراكز صنع القرار.

وفي سياق تنزيل المقتضيات الدستورية وتفعيل الالتزامات المسطرة في البرنامج الحكومي، خاصة تلك المتعلقة بالنهوض بحقوق النساء، تم تخصيص المجال السابع للخطة الحكومية للمساواة “إكرام” 2012-2016 ، للولوج والمنصف لمناصب اتخاذ القرار الإداري والسياسي والاقتصادي. وفي هذا الإطار، وبهدف الرفع من التمثيلية السياسية للنساء في أفق المناصفة، اتخذت الحكومة عدة تدابير قانونية من خلال إصدار:

قانون تنظيمي متعلق بمجلس المستشارين نص على إدراج آلية تشريعية تقوم على اعتماد مبدأ التناوب بين الجنسين بالنسبة للوائح الترشيح المقدمة من طرف الهيآت الناخبة الممثلة في مجلس المستشارين؛

قانون تنظيمي متعلق بمجلس النواب خصص 60 مقعدا للنساء في إطار اللائحة الوطنية؛

قانون تنظيمي رقم 34.15 يقضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية: أتاح هذا التعديل الذي صادق عليه مجلس النواب للنساء الترشح لرئاسة مجلس الجهة أو الجماعة، بحيث ستخصص للنساء في كل دائرة انتخابية ثلث المقاعد على الأقل. وبمقتضى هذا التعديل يجب أن تشتمل كل لائحة ترشيح على جزأين يتضمن الجزء الأول عددا من الأسماء يعادل عدد المقاعد المخصصة للجماعة أو المقاطعة، فيما يشتمل الجزء الثاني على أسماء مرشحات يعادل عددهن عدد المقاعد المحدد للنساء. وتعتبر المترشحة الوارد اسمها في المرتبة الأولى بالنسبة للجزء المخصص للنساء بمثابة رأس اللائحة ولها نفس الحقوق المخولة لرأس لائحة الترشيح المعنية سواء على مستوى رئاسة الجهة أو مجلس الجماعة. وبالنسبة للجماعات التي يجري فيها الانتخاب عن طريق الاقتراع الفردي، يتضمن التصريح المتساوي بالترشيح البيانات الخاصة بالمترشح أو المترشحة برسم الدائرة الانتخابية المعنية. وسيمكن تطبيق هذه المقتضيات من رفع نسبة تمثيلية النساء في الجماعات من 12.38% إلى 27%.

وفي مجال دعم القدرات، فقد وضعت الحكومة (وزارة الداخلية) استراتيجية متكاملة لدعم مشاركة النساء السياسية وتمثيليتهن ودورهن في المجالس المنتخبة، وذلك من خلال اتخاذ العديد من الإجراءات الجديدة في هذا المجال، منها ترقية مراكز التكوين وتقريبها وتسهيل التحاق المنتخبات بها عبر توفير شروط التنقل والإقامة لهن خلال الدورات التكوينية، وإطلاق موقع على الإنترنت للتكوين عن بعد والتواصل وخلق شبكات لتبادل الخبرات والتجارب بين المنتخبات.

كما تم تنظيم سلك الندوات الجهوية لفائدة النساء المنتخبات المحليات والنساء الأطر العليا على مستوى الجماعات الترابية، حيث تم إنجاز 16 ندوة جهوية بكل جهات المملكة، شارك فيها حوالي 4438 مستفيدة، إلى حدود الدورة 15.

ودعما للفاعلين في المجال تمت المصادقة على المرسوم الجديد المتعلق بصندوق الدعم المخصص لتشجيع تمثيلية النساء وذلك بتاريخ 5 شتنبر 2013. كما تم إطلاق برنامج «جماعة الغد» الذي يغطي فترة 2010 – 2014، بشراكة مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية من أجل مواكبة إعداد المخطط الوطني لتعزيز الجهوية الذي يجري إعداده، ومن جهة ثانية العمل المباشر مع مجموعة من البلديات، في مجالات التكوين وتعزيز قدرات المنتخبين والمنتخبات، مع التركيز على تقوية مشاركة النساء والشباب .

أما بخصوص الرفع من تمثيلية النساء في مواقع المسؤولية في القطاع العمومي في أفق المناصفة، وتم اعتماد مقاربة شمولية تتوخى توطيد النخب النسائية القيادية على جميع الأصعدة. وتؤكد الحصيلة الإجمالية للموظفين والأعوان المدنيين التابعين لإدارة الدولة وللجماعات المحلية، التي أعدتها وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة سنة 2013، على أن نسبة النساء ضمن الموظفين في الوزارات بلغت 39.4% سنة 2013، مقابل 34% سنة 2002.

وبخصوص ولوج النساء الموظفات إلى مناصب المسؤولية، ارتفعت هذه النسبة ب 5,3 نقطة حيث انتقلت من 10% سنة 2001 إلى 15,3% سنة 2010.

فيما يخص التعيين في المناصب العليا ، فقد تم إصدار القانون التنظيمي رقم 02.12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا سنة 2012 والذي نص على عدم التمييز بجميع أشكاله في اختيار المرشحات والمرشحين للمناصب العليا والسعي نحو تحقيق المناصفة من أجل تقوية وضعية المرأة في مناصب اتخاذ القرار على المستوى الإداري. وتشير الإحصائيات الصادرة عن وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة أن نسبة النساء في المناصب العليا بلغت 16 % سنة 2013.

نظام الكوطا

بشكل عام، يستخدم نظام الكوطا – باعتباره أحد آليات التمييز الإيجابي – لتيسير الولوج للهيئات التمثيلية للفئات الأقل حظا. وهو نظام تستعمله عدد من دول العالم من أجل إدماج الفئات التي تعاني تمييزا على أساس عرقي أو ديني أو جنسي، ولكن وتبقى الكوطا النسائية وكوطا الشباب من أكثر تقنيات التمييز الايجابي انتشارا في التجارب السياسية العالمية.

ومع أن نظام اللائحة الوطنية مكن من إعطاء نتائج ملموسة على مستوى تمثيلية المرأة في البرلمان، إلا أن بعض الانتقادات وجهت إلى نظام الكوطا واعتبرته نظاما غير ديمقراطي ويتناقض ومبدأ المساواة في الحقوق والواجبات ومبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين وبين الرجل والمرأة.

وعلى الرغم من وجود جانب من الحقيقة في هذا الرأي، إلا أن نظام الكوطا بشكل عام يستمد شرعيته من مبدأ العدالة الذي يقتضي وجود تمثيلية لشريحة واسعة وأقل حظا في الفوز داخل المجتمع وهي النساء، كما أنها تبقى حلا مرحليا أمثل لمجتمع لا زال يؤمن إلى حد ما بأن قدرات المشاركة السياسية للمرأة وخاصة على مستوى القرار تبقى متواضعة.

في المغرب، تم تخصيص 30 مقعدا سنة 2002 من أصل 325 مقعد للنساء في إطار اللائحة الوطنية، وهو ما مكن من ضمان وصول ثلاثين امرأة إلى البرلمان بالإضافة إلى 5 نساء فقط تمكن من الفوز بنفس شروط المنافسة مع الرجال. وفي الانتخابات التشريعية الموالية لسنة 2007 ستتراجع النسبة إلى أربع نساء فقط من خارج نظام الكوطا، أي وجود 34 امرأة بالبرلمان بنسبة 10%.

وقد تضمن دستور المغرب في سنة 2011، قانونا تنظيميا جديدا لمؤسسة البرلمان، من خلال آلية تشريعية رفعت مستوى التمثيل النسائي إلى 60 مقعدا بدل 30 في الاستحقاقات الانتخابية السابقة، وهو ما مكن من ولوج 67 امرأة إلى البرلمان (أي حوالي 17% من عدد المقاعد). كما صادق هذا الأخير على قانون يتعلق بالمجالس المنتخبة يرفع تمثيلية النساء ضمن هذه المجالس من 12% إلى 27%. وخلال الانتخابات التشريعية الأخيرة لسنة 2016 ارتفعت تمثيلية النساء إلى 81 امرأة من أصل 395 في مجلس النواب بنسبة 20.5%، 60 منهن وصلن عن طريق اللائحة النسوية الوطنية و9 عبر اللوائح المحلية و12 عبر لائحة الشباب، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 4%. في كل الأحوال، وبعد مرور أربع دورات انتخابية تم خلالها اعتماد تقنية الكوطا، لم يرفع هذا الإجراء من نسبة تمثيلية النساء في البرلمان خارج نظام اللائحة، بل بقي الاعتماد شبه الكلي على اللائحة من أجل تمثيلية متوسطة للمرأة بالبرلمان.

النسوية في مواجهة الثقافة السياسية الذكورية

يمكن إرجاع استمرار تدني نسبة تمثيلية المرأة خارج نظام اللائحة النسائية أساسا إلى الثقافة السياسية السائدة. فبالإضافة إلى حداثة تجربة اعتماد مبدأ التمييز الإيجابي، لا زالت “العقلية الذكورية” صامدة التي تتأسس على تصورات تثق في الأداء السياسي للرجل أكثر من المرأة، بالإضافة إلى عوائق مرتبطة بانتشار المحسوبية داخل الأحزاب السياسية، وهو ما ينعكس على دور المرأة داخل هذه الأحزاب وبالتالي نوعية الترشيحات النسائية التي تقدمها الأحزاب السياسية، والتي لا تعتمد بالضرورة على الكفاءة، وهو ما ينعكس على أدائها داخل المجالس المنتخبة، ويحول دون تحسين الصورة النمطية عن المرأة.

وبالرغم من الإقرار الدستوري لمبدأ المناصفة، إلا أنها لم تنعكس بشكل كبير على وجود النساء في مراكز القرار داخل الأحزاب السياسية. فباستثناء الحزب الاشتراكي الموحد الذي توجد امرأة على رأس قيادته، لم يطرح أي حزب سياسي إمكانية تولي امرأة منصب الأمين العام للحزب. كما أن الترشح للأمانة العامة للأحزاب يقتصر في أغلب الأحيان على المقربين من مركز القيادة. ورغم أن بعض الأحزاب السياسية مثل حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال أسسوا لجانا تهتم بمسألة المناصفة وتعمل على تشجيع النساء للترشح للانتخابات، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لتحسين وضعية المرأة داخل الأحزاب.

وقد أثار موضوع نظام الكوطا نقاشا عموميا مهما حول جدواه وفعاليته في تحسين وضعية النساء في المجال السياسي.

يدافع معارضو نظام الكوطا على أن هذا النظام يعتبر ريعا سياسيا، معتبرين أنه على الرغم من كونه “اجتهادا على المستوى الدولي جاء كتدبير ضمن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء”. فإن”تحويل الكوطا إلى ريع، مرتبط أساسا بالأنظمة غير الديمقراطية” رغم تأكيد الناشطة لطيفة البوحسيني أن هذه التجربة “فيها من الإيجابي أكثر من السلبي”.

بالمقابل من ذلك تعتبر الفئات المؤيدة لنظام الكوطا أنها تدخل في إطار التمييز الايجابي اتجاه المرأة، فقد اعتبرت النائبة البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة ابتسام عزاوي، أنه “لولا نضالات المرأة البرلمانية من داخل البرلمان، لكانت عدد من القوانين والمشاريع المجتمعية ستمر مرور الكرام”، مشيرة في هذا السياق إلى القانون المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، ومضيفة “أن النقاش الكبير الذي رافقه والحجم الذي أخذه بغض النظر عن الصيغة التي خرج بها، ما كان ليكون لولا المرأة البرلمانية.

وتشير بعض الدراسات إلى استمرار التصورات التقليدية لدور المرأة في المجال السياسي، والتي تعتبر أن المرأة غير قادرة على مزاولة العمل السياسي واتخاذ القرارات الحاسمة والمهمة، وأن قدراتها أقل من قدرات الرجل الذي يبدو أكثر عقلانية وأكثر مسؤولية. وهو ما خلصت إليها الدراسة التي أنجزها المختار الهراس في كتابه “المرأة والقرار السياسي”، بالقول أن المعايير الأبوية المتجسدة في علاقات السيطرة والخضوع مازالت تحتل دورا رئيسيا في تكريس عدم المساواة بين الجنسين. وحسب تقرير حول تعزيز المساواة بين الجنسين بين الرجل والمرأة في المنطقة الأورومتوسطية أنجز ما بين 2008 و2011، والصادر عن الاتحاد الأوروبي، فإن جميع الدول حول العالم حققت مكاسب دالة في ما يرتبط بالمشاركة السياسية للمرأة، على الرغم من كونها عملية بطيئة للغاية. إذ إن هناك فارقا زمنياً بين منح الحقوق وممارستها، بالإضافة إلى بطء بلوغ المرأة مناصب صنع القرار في المجال التنفيذي والتشريعي والقضائي وفي القطاع الخاص وسوق العمل.

وبغض النظر عن كون إدماج المرأة في الحياة السياسية لا يرتبط فقط بالمشاركة في البرلمان والمجالس المنتخبة، ولكن أيضا بتمكينها الفعلي في اتخاذ القرارات الحيوية داخل الدولة وتشجيعها على المشاركة السياسية في مختلف المجالات، وهو ما يصطدم بدوره باختلال بنيوي بين الرجال والنساء تعوق هذه المشاركة الواسعة للنساء في الشأن العام.

اختلال بنيوي بين النساء والرجال

ويعكس ضعف مشاركة النساء في المؤسسة التشريعية ليس فقط ضعف ثقافة الاشراك داخل الأحزاب السياسية ولكن أيضا عن خلل بنيوي بين النساء والرجال على المستوى الاقتصادي. فعلى سبيل المثال، تعاني النساء من نسب عالية من الأمية، خاصة في صفوف المرأة القروية مقارنة مع الذكور، فحسب أرقام الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014 فإنَّ نسبة الأمية في صفوف الإناث بلغت 41.9%، مقابل 22.1% بالنسبة للذكور، في حين تصل نسبة سكان الوسط القروي الأميين إلى 47.7%، مقارنة بـــ 22.2% لسكان الوسط الحضري. وهذا يرجع إلى تدني مستوى التعليم وارتفاع نسبة الهدر المدرسي بالمغرب بشكل عام، وهو ما يمنع الفتيات خاصة من تتميم تعليمهن.

وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي، لا زالت تعاني المرأة ربي من ظروف الفقر والبطالة بنسب أكبر من الرجل، فبحسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط، تطال البطالة النساء مع معدل نسبته 14.7% مقابل 8.8% بين الرجال. ومع أن الدولة وهيئات المجتمع المدني اتخذت خطوات في هذا الإطار، والمتمثلة في المشاريع الصغيرة وخاصة على مستوى القرى والبوادي الفقيرة، وتشجيع الإنتاج المحلي والمقاولات الصغرى. إلا أن هذه الاجراءات تبقى غير كافية وخاصة في ظل الظروف والأزمات الاقتصادية الحالية.

ولقد تم تشجيع تحرر المرأة وتمكينها، وذلك بفضل إصلاح مدونة الأسرة على وجه الخصوص، كما تم ترسيخ التمثيلية النسوية في مختلف المجالس، سواء الجماعية أو الجهوية أو الوطنية. وقد حرص القانون التنظيمي رقم 15.34 الصادر في 16 يوليوز 2015 على أن تصل نسبة النساء المنتخبات في الجماعات الترابية إلى 30%.

ومع ذلك، فإن التحليل الإقليمي للديناميات الاجتماعية والسلوكيات الانتخابية يكشف عن أوضاع معاكسة لذلك على مستوى الجماعات المغربية، وهو ما يطرح التساؤل حول ما إذا كان الإطار التنظيمي والممارسات الحزبية يتماشيان مع الوضع الاجتماعي للمرأة.

تقترح أليسيا فرانسوا ودافيد غوري في الجزء الأول من تقريرها تحليلاً دقيقاً لديناميات تمكين المرأة، انطلاقاً من سلسلة من المؤشرات المرتبطة بمستويات التعليم وسن الزواج والخصوبة ومعدلات النشاط والحصول على مداخيل نقدية مباشرة، كما يسلطان الضوء على الفوارق الإقليمية الكبيرة على مستويي التعليم وفرص الحصول على العمل المأجور.

أما في الجزء الثاني، فيتطرقان إلى التمثيل السياسي النسوي داخل المجالس المنتخبة، ويبينان أن المنطق التنظيمي المعتمد يحفز بشكل خاص المشاركة النسوية في الجماعات الأقل كثافة من الناحية السكانية في ربوع المملكة.

وللوقوف على الديناميات المتدخلة في هذه المسألة والاقتراب من فهمها، تقترح كل من فرانسوا وغوري إجراء تحليل للديناميات الجماعية في جهة الدار البيضاء سطات وجهة الرباط سلا القنيطرة بهدف استيعاب حجم الفوارق الإقليمية داخل جهتين هما الأكثر نشاطاً في المملكة.

تمثيل سياسي نسوي ضعيف

بالموازاة مع الديناميات الاقتصادية والاجتماعية، قررت السلطات زيادة التمثيل النسوي داخل المجالس المنتخبة. لكن في إطار الانتخابات الجماعية لسنة 2015، فقد كان الأمر يتعلق ببروتوكول معقد ارتبط ارتباطاً وثيقاً بحجم الجماعات. وبالتالي، ففي الجماعات التي تقل ساكنتها عن 35 ألف نسمة، والمقسمة إلى أربع دوائر انتخابية ذات مرشح واحد، حصلت الدوائر الانتخابية الأربع ذات الكثافة السكانية الأعلى على مقعد تكميلي نسوي ثان.

أما في الجماعات التي تزيد ساكنتها عن 35 ألف نسمة وفي الدوائر، توجد لائحة نساء تضم 6 أسماء عن الجماعات والدوائر التي تقل ساكنتها عن 200 ألف نسمة، و8 أسماء عن نظيرتها التي تزيد ساكنتها عن 200 ألف نسمة.

غير أن عدد المقاعد مرتبط بدرجة كبيرة بحجم الساكنة، حيث إنه وفقاً لهذا المنطق التنظيمي، تضم الجماعات ذات الكثافة السكانية الأقل، أي التي لا يصل عدد سكانها إلى 7500 نسمة، المجالس البلدية ذات أكبر حضور نسوي بـ4 نساء منتخبات من أصل 15 عضواً بالمجلس، ما يعادل نسبة 26.67%. وتنضاف إلى هذا حالات استثنائية في جماعات الأحياء التابعة للقصور الملكية مثل تواركة بالرباط والمشور بالدار البيضاء، والتي تضم 13 عضواً منتخباً، من بينهم 4 نساء، أي أن نسبة المشاركة النسوية الدنيا تصل إلى 30.3%.

وبالمقابل، كلما زاد حجم الجماعة، تراجعت نسبة المشاركة النسوية الدنيا داخل المجالس. حيث تنخفض إلى 23.53% في الجماعات التي يتراوح عدد سكانها بين 7500 و12 ألف و500 نسمة، والتي تتألف مجالسها من 17 عضواً منتخباً. وتصل هذه النسبة إلى 21.05% في الجماعات التي يتراوح عدد سكانها بين 12 ألفاً و500 و15 ألف نسمة، والتي تضم 19 عضواً منتخباً، كما تواصل الانحدار لتصل إلى 13.79% في الجماعات التي يتراوح عدد سكانها بين 25 ألف و35 ألف نسمة، وتضم 29 عضواً منتخباً. وأخيراً، ترتفع نسبة النساء المنتخبات لتصل إلى 20.69% في الجماعات ذات اللائحة الواحدة التي يزيد عدد سكانها عن 35 ألف نسمة، وتتألف مجالسها من 29 عضواً منتخباً لكن يفرض القانون أن تضم 6 نساء.

بيد أن هذه النسبة تتراجع إلى 17.14% في الجماعات التي يزيد عدد سكانها عن 50 ألف نسمة وتضم 35 عضواً منتخباً، وتواصل الانخفاض لتصل إلى 15.38% في الجماعات التي يزيد عدد سكانها عن 100 ألف نسمة وتضم 39 عضواً منتخباً، ثم إلى 13.95% في الجماعات التي يزيد عدد سكانها عن 150 ألف نسمة وتضم 43 عضواً منتخباً. أما بالنسبة للجماعات التي يصل عدد سكانها إلى 200 ألف نسمة وتضم 47 عضواً منتخباً، من بينهم 8 نساء، فإن النسبة القانونية الدنيا تصل على 17.02%، فيما تتراجع إلى 12.31% كحد أدنى في كُبريات البلديات مثل مكناس ووجدة وأكادير والقنيطرة، والتي تضم مجالسها البلدية 65 عضواً منتخباً.

أما فيما يخص الدوائر، يتباين عدد الأعضاء المنتخبين في مجالسها بشكل كبير، حيث يتراوح بين 19 بالدار البيضاء – أنفا و44 في الرباط – يعقوب المنصور، وهو ما يتسبب في تباين نسبة المشاركة النسوية المفروضة قانونياً. ففي أنفا، تصل نسبة المشاركة النسوية المفروضة إلى 31.58%، وهي الأعلى في المغرب، في حين أنها في يعقوب المنصور من بين الأدنى في المملكة، حيث لا تتجاوز 13.64%.

ويتسبب هذا التعقيد القانوني إذن في تحيز إحصائي غير خطي، الأمر الذي يطرح إشكالية التمثيل النسوي، ففي الجماعات التي يصل عدد سكانها إلى 35 ألف نسمة، يؤدي اختيار مقعد تكميلي، بدل اللائحة الجماعية الخاصة بالنساء كما في انتخابات 2009، إلى إضعاف موقعهن، ويفرض عليهن أن يكن خلف الرجل وعرضة لهيمنته. وبالتالي، فإن جماعتين في إقليم الخميسات، وهما الغوالم وأولماس، لا تحققان العتبة القانونية الذي يقضي بوجود أربع نساء في المجلس الجماعي، حيث لا يضم المجلسان الجماعيان سوى امرأتين وثلاث نساء على التوالي. وقد أدت نزاعات سياسية عنيفة أثناء الانتخابات إلى إلغاء الاقتراع في دائرتين انتخابيتين رئيسيتين في الغوالم وفي دائرة انتخابية واحدة في أولماس، ما حال دون التصويت وأدى بالتالي إلى مجلس غير مكتمل.

حالياً، يبدو أن جماعات قليلة جداً تتجاوز العتبة القانونية، ففي جهة الدار البيضاء سطات وجهة الرباط سلا القنيطرة، يتجاوز التمثيل النسوي العتبة القانونية في 52 جماعة فقط، مقارنة بـ255 جماعة تمتثل للقانون بشكل صارم: 19 من أصل 215 جماعة قروية، أي 8.8% من الجماعات القروية، و16 من أصل 49 بلدية، أي 32.6% من البلديات، و17 من أصل 26 دائرة، أي 65.4% من مجموع الدوائر.

فبالنسبة لحالات انتخاب المرشح الواحد، يفترض أن تمثل امرأة واحدة القرية أو الحي، وبالنسبة لحالات الانتخاب باللائحة، يفترض أن تمنح أهلية الانتخاب في صدارة اللائحة لامرأة. لكن يظل من الصعب بالنسبة لامرأة أن تثبت نفسها كممثل وحيد للحي. ففي جهة الدار البيضاء سطات وجهة الرباط سلا القنيطرة، نجحت 25 امرأة فقط في الفوز بمقاعد من بين 3927 مقعداً متوفراً: أي أن 0.6% من الأعضاء المنتخبين في انتخابات المرشح الواحد، دون احتساب المقعد التكميلي، هن نساء. وتعد الهرهورة الجماعة الوحيدة التي تضم أقل من 35 ألف نسمة حيث نجحت امرأتان في تحقيق هذا الإنجاز.

ويبدو أنه من السهل بالنسبة للأحزاب في الجماعات التي تضم أكثر من 35 ألف نسمة وفي الدوائر أن تمنح أهلية الانتخاب للنساء، خارج اللائحة المخصصة لهن. إلا أن 52 امرأة فقط تم انتخابهن من ضمن اللائحة الرئيسية، وذلك من بين 1692 مقعداً متوفراً، لتصل نسبة التمثيل النسوي إلى 3%. وتمثل دائرة أكدال – الرياض استثناءً حيث تضم 7 نساء منتخبات من بين 30 اسماً في اللائحة الرئيسية. وتجدر الإشارة أيضاً إلى الجهد الاستثنائي الذي تم بذله في القنيطرة حيث تظهر 7 نساء على اللائحة الرئيسية التي ضمت 57 اسماً.

وجود عدد أكبر من المرشحات هل سيرفع نسبة المشاركة؟

يتسم السلوك الانتخابي في الجماعات ذات المجالس التي تكون فيها نسبة التمثيل النسائي مرتفعة بتباين كبير، لإن المشاركة تكون أضعف بكثير في الدوائر مقارنة بالجماعات القروية بحوالي 40 نقطة (أي بمعدل 36% في الدوائر، مقابل 5%7 في الجماعات القروية).

وفي الدوائر الـ10 التي يتواجد فيها أزيد من 25% من النساء المنتخبات، حصد “حزب العدالة والتنمية” الصدارة (باستثناء دائرة السويسي بالرباط التي فاز بها “حزب الأصالة والمعاصرة”)، محققاً بذلك معدل 38%. ومن ناحية أخرى، من بين 46 جماعة قروية، 33 منها فقط كانت تضم مرشحين من “حزب العدالة والتنمية”، إذ لم يحل أولاً إلا مرة واحدة، محققاً بذلك معدل 7.9%، أي 30 نقطة أقل بالمقارنة مع ما حققه في الدوائر. وهكذا، يبدو أن التشريع يؤدي إلى رفع التمثيلية النسائية في سياقات سياسية جد مختلفة، سواء على مستوى المشاركة أو التوجهات الحزبية.

وأخيراً، تجدر الإشارة إلى أن الدوائر التي تتوفر على أكبر عدد من النساء المنتخبات هي التي عرفت أكبر معدلات مشاركة في الانتخابات، كدائرة أنفا بالدار البيضاء (بمعدل 37% مقابل 30% في المدينة ككل)، وكذلك أكدال-الرياض والسويسي بالرباط (الدائرتان الوحيدتان اللتان حققتا 45% و51% على التوالي متجاوزين بذلك معدل المشاركة). إلا أنها لم تكن الدوائر التي حقق فيها “حزب العدالة والتنمية” أفضل نتائجه، وهو الحزب الذي ساعدته نسبة المشاركة الضعيفة للناخبين. ونتيجة لذلك، فإن خيار إشراك النساء بصورة كبيرة في الانتخابات الجماعية في الدوائر التي تتمتع فيها النساء باستقلالية أكبر قد يكون استراتيجية ناجحة ليس فقط من حيث التعبئة الانتخابية، بل كذلك فيما يتعلق بإضعاف احتكار “حزب العدالة والتنمية” للساحة السياسية.

الديناميات الحزبية لا تصب في صالح النساء

عقب الدورة الأولى، طُرحت مسألة تعيين رؤساء الجماعات، ويبدو أن النساء هن الفئة التي تأثرت على وجه الخصوص. إذ إن ثلاث جماعات فقط (1.4%) من أصل 215 جماعة قروية تتولى رئاستها نساء، وهن: فاطنة لكحيل رئيسة جماعة عرباوة (إقليم القنيطرة) والتي تتولى هذا المنصب منذ 2009، وهي شخصية سياسية بارزة تنتمي لـ”الحركة الشعبية”، وقد كانت نائبة برلمانية في الفترة ما بين 2002 و2016، ونائبة لرئيس مجلس النواب ما بين 2003 و2008، ومنذ 2017، شغلت منصب كاتبة الدولة المكلفة بالإسكان؛ ووفاء البوعمري رئيسة جماعة أولاد زيان (إقليم برشيد)، والي تتولى هذا المنصب منذ 2009، وهي أيضاً عضو في المكتب السياسي لـ”الحركة الشعبية”؛ وأخيراً كلثوم نعيم رئيسة جماعة لعطاطرة (إقليم سيدي بنور)، ابنة رئيس دائرة سيدي بنور السابق محمد نعيم، التي كانت تبلغ 26 عاماً حين تم انتخابها عن حزب “التجمع الوطني للأحرار”، والتي سبق لها أن شغلت منصب مستشارة جماعية وإقليمية في 2009، وقد تمكنت من أن تصبح مرشحة رئيسية في دائرة انتخابية تتوفر على مقعد نسائي تكميلي، الأمر الذي جعل دائرتها واحدة من الدوائر الانتخابية النادرة التي تعرف حضوراً نسائياً مضاعفاً. إن المسارات الثلاث الاستثنائية هذه تعكس صعوبة ترسيخ القيادة السياسية النسائية. هذا وتُعد رئيسات الجماعات الثلاث من بين النساء الـ25 اللواتي تم انتخابهن دون اللجوء إلى المقاعد التكميلية. وعلى ذلك، فإن الخطوة الأولى نحو الرئاسة تتجسد في أن تترشح المرأة في دائرة انتخابية ذات مقعد واحد.

وعلى نحو مماثل، لا تترأس النساء سوى ثلاث دوائر من أصل 26، وهي مقاطعة حسان في الرباط التي تترأسها سعاد الزخنيني (“حزب العدالة والتنمية”)، ومقاطعتي تابريكت وبطانة في سلا اللتان تترأسهما كريمة بوتخيل (“حزب العدالة والتنمية”) ورشيدة الحايل (“الحركة الشعبية”)، ما يجعل سلا المدينة التي تشغل فيها النساء أكبر عدد من المناصب القيادية.

ومن ناحية أخرى، ليست هناك أي دائرة أو مجلس جماعي بالدار البيضاء تترأسه امرأة، حيث تسند وظائف ثانوية إلى النساء تتمثل في نائبات الرئيس السادسة والتاسعة والعاشرة. ويُعد هذا تراجعاً مقارنة بالانتخابات السابقة لسنتي 2003 و2009، والتي انتُخبت فيها الاستقلالية ياسمينة بادو رئيسة لدائرة أنفا.

وفي سنة 2005، كانت دائرة أنفا تحظى بأكبر تمثيلية نسائية في المغرب نتيجة لهذا الإرث، حيث كانت ياسمينة بادو لا تزال على رأس اللائحة وذلك من أجل الدفاع عن ولايتها. وقد تمت محاكاة هذه الاستراتيجية المتمثلة في وضع النساء الجديرات بالانتخاب في اللائحة الرسمية من طرف “حزب الأصالة والمعاصرة”، كما اتبعتها أحزاب أخرى كـ”حزب العدالة والتنمية”. إلا أنه على خلاف ذلك، لم يرغب “حزب العدالة والتنمية” في تعزيز دور النساء في الدار البيضاء كما فعل في الرباط وسلا.

وأخيراً، لا توجد امرأة على رأس أي بلدية في هاتين الجهتين، ما يجعل من هذا المستوى نقطة عمياء فيما يتعلق بمسألة الرفع من التمثيلية النسائية.

لم تصب الديناميات الحزبية في صالح وصول المرأة لمناصب رئاسة الجماعات. في الواقع، نادراً جداً ما دعمت الأحزاب عمليات ترشيح نسائية قيادية، خاصة في الدار البيضاء والرباط. ولهذا فإن ما حققته ياسمينة بادو في سنة 2003 و2009 ما هو إلا استثناء. ففي 2015، سادت هذه الدينامية على المستوى الوطني، حيث لم يتم انتخاب أي امرأة على رأس حاضرة مغربية كبرى كما كان الحال بالنسبة لفاطمة الزهراء المنصوري سنة 2009 بمراكش. وعموماً، تمكن العدد القليل من النساء اللواتي يشغلن مناصب الرئاسة في الجماعات من تأكيد حضورهم في المدن الثانوية الصغيرة مثل أزيلال وجرادة والدراركة وخاصة في الجماعات القروية.

ومن هذا، يتبين أن نظام الانتخاب على دورتين لتعيين الرؤساء لا يصب في مصلحة النساء، نظراً لغياب إرادة حزبية لتعزيز حضورهن على مستوى المناصب الرئيسية.

فإذا كانت النساء تمثلن 21% من أعضاء المجالس الجماعية، فإن 17 منهن فقط تمكن من رئاسة جماعة ما، أي 1.1% من الجماعات المغربية. وعلى نحو مماثل، إذا كُنَّ يمثلن %37.6 من أعضاء المجالس الجهويين، فإن ولا واحدة منهن توجد على رأس أي جهة. وأخيراً، لا تمثل النساء سوى 4% من أعضاء مجالس العمالات والأقاليم الذين تم انتخابهم عن طريق الانتخابات غير المباشرة والوحيدة، وهناك مجلس عمالة واحد تترأسه امرأة، وهو مجلس عمالة مراكش. بالإضافة إلى ذلك، يتم إسناد الوظائف الثانوية إلى النساء داخل المجالس المختلفة على نحو منهجي، كما أنه نادراً جداً ما يصلن إلى المناصب المهمة مثل مناصب المالية أو التخطيط الحضري. هذا ويبدو أن الرفع من التمثيل النسائي داخل الجماعات الترابية تحدٍّ هائل في انتظار انتخابات 2021

القاسم الانتخابي والمشاركة السياسية للنساء

اثارت خلافات بين الأحزاب المغربية حيال القوانين الانتخابية، على خلفية مشاورات تجريها وزارة الداخلية مع هذه الأحزاب استعدادا للانتخابات البرلمانية والبلدية لعام 2021.

ومنذ يونيو/ حزيران الماضي، تجري الوزارة مشاورات مع الأحزاب حول مشاريع القوانين التي ستجرى من خلالها الانتخابات، سواء المتعلقة بمباشرة الحقوق السياسية وطريقة التصويت أو الدوائر الانتخابية وتقسيمها، قبل أن تحال هذه المشاريع إلى البرلمان لإقرارها.

وعقد رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، اجتماعا مع زعماء الأحزاب الثمانية الممثلة في البرلمان، استغرق أكثر من أربع ساعات، لكن لم يتمكن من تقريب وجهات النظر حول القضايا الخلافية.

وبشكل أساسي، طفى على السطح مطلبان لأحزاب المعارضة والأحزاب الصغيرة، الأول هو إعادة النظر في القاسم الانتخابي، الذي يتم على أساسه توزيع المقاعد البرلمانية بعد إجراء عملية التصويت.

ويقترح حزب “العدالة والتنمية” (مرجعية إسلامية)، قائد الائتلاف الحكومي، استمرار اعتماد الطريقة الراهنة في حساب القاسم الانتخابي، أي استخراجه بقسمة عدد الأصوات الصحيحة على عدد المقاعد.

بينما تطالب باقي الأحزاب، باستثناء “الأصالة والمعاصرة” أكبر أحزاب المعارضة، بقسمة مجموع الناخبين المسجلين في اللوائح الانتخابية على المقاعد في الدائرة الانتخابية.

أما المطلب الثاني فهو تعديل العتبة الانتخابية، وهي الحد الأدنى من الأصوات المحصلة في الانتخابات البرلمانية، والتي تمكن حزبا ما من الحصول على أحد المقاعد المتنافس عليها في أية دائرة انتخابية.

ويقترح حزب “العدالة والتنمية” رفع العتبة الانتخابية إلى 6 بالمئة، وهو ما تعارضه الأحزاب الصغيرة والمتوسطة من حيث أدائها الانتخابي، خشية أن يحول دون تمثيلها في البرلمان. فيما تدعو أحزاب أخرى إلى إلغاء العتبة الانتخابية تماما.

وأجريت انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 بعتبة بلغت 6 بالمئة، ثم تم تخفيضها إلى 3 بالمئة في انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2016.

وفاز حزب “العدالة والتنمية” بانتخابات 2011 و2016، وهو يقود الحكومة منذ 2011، للمرة الأولى في تاريخ المملكة.

وفضلا عن الخلاف حول هاتين الجزئيتين، يوجد خلاف أيضا حول مطلب إلغاء اللائحة الوطنية للشباب (30 مقعدا)، حيث يتشبث بها حزبا “العدالة والتنمية” و”التجمع الوطني للأحرار” (عضو بالائتلاف الحكومي)، بينما تطالب بقية الأحزاب بلائحة للكفاءات من 90 مقعدا تضم الشباب والنساء، ويتم اعتمادها جهويا.

وينص القانون الحالي على أن تخصص المقاعد لمترشحي كل لائحة حسب ترتيبهم التسلسلي في اللائحة، مشيرا إلى أنه “غير أن مترشحي كل من اللائحة التي تبين بعد تسجيلها وجود مترشح بها غير مؤهل للانتخاب وكذا اللائحة التي فقدت أحد مترشحيها بسبب الوفاة خارج أجل التعويض المشار إليه في المادة 23 من هذا القانون التنظيمي والمرتبين في المراتب الدنيا بالنسبة للمترشح غير المؤهل أو المترشح المتوفى، يرتقون بحكم القانون”.

وبالتزامن مع إعلان رئاسة لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة بمجلس النواب أن آخر أجل لوضع التعديلات حول مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالانتخابات هو اليوم الثلاثاء سيصوت في البرلمان ضد تعديل القاسم الانتخابي في حال تم احتسابه على أساس عدد المسجلين.

وأعلن سليمان العمراني، نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، في تصريح صحافي مصور، أن فريقي “المصباح” بمجلسي النواب والمستشارين سيصوتان ضد مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب، مؤكدا أن التنظيم سعى إلى بناء توافقات مع الأحزاب السياسية.

محطة الانتخابات التشريعية 2021، بدأت تضيق خيارات التوافق حول القضايا الإشكالية التي يفترض أن تحسمها القوانين التنظيمية المنظمة للعملية الانتخابية، وفي المقابل بدأت تبرز معالم الصورة التي سيأخذها المسار الديمقراطي بالمغرب، لاسيما بعد المصادقة في المجلس الوزاري الأخير على أربعة قوانين تنظيمية بهذا الخصوص.

والواقع، أن العنصر الحاسم في تكوين هذه الصورة غاب عن هذه القوانين (القاسم الانتخابي) فلحد الآن لا يعرف هل سيحتسب القاسم الانتخابي على قاعدة المصوتين كما يجري الحال في مختلف الديمقراطيات، أم سيتم احتسابه على قاعدة عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، والذي ليس له من مضمون سياسي سوى إضعاف قدرة أي حزب على الفوز بأكثر من مقعد في الدائرة الواحدة.

ومع أن هذا العنصر الحاسم ذا الطبيعة التقنية في شكله، يختصر في الجوهر الخلاف السياسي حول المضمون الديمقراطي للعملية الانتخابية، وهل يراد للتجربة السياسية المغربية أن تحقق التراكم الديمقراطي، أم يراد لها أن تبقى محكومة بالتوازن وإدارة النخب، فإن القوانين التنظيمية الأربعة التي صادق عليها المجلس الوزاري لا تترك المساحة بالغموض الذي كانت عليه من قبل.

فقد ظهر من موادها الرئيسية، ثلاثة توجهات كبرى، يصعب قراءتها من وحي ما تعبر عنه ديباجة هذه القوانين، التي تقدم تعليلات تضمر الخلفية السياسية للمشرع أو الذي يقوم وراءه. أول هذه التوجهات، هو العدول عن نمط الاقتراع اللائحي إلى نمط الاقتراع الفردي في الدوائر الانتخابية التي يبلغ عدد سكانها 35 ألف نسمة بعدما كانت من قبل في حدود 50 ألف نسمة، وهو ما يفيد توسيع نطاق العمل بالاقتراع الفردي على حساب الاقتراع اللائحي. الثاني، يتعلق بإعمال قاعدة التنافي بين رئاسة المجالس الجماعية وبين العضوية في البرلمان في عدد من الدوائر الكبرى، بعدما كان الجمع بين ذلك جائزا ومبررا في القوانين التنظيمية السابقة.

أما الثالث، فيتعلق، بتمثيلية المنظمات المهنية، ووضع ضوابط قانونية ترسم تراتيب تنظيمية داخلية أقدم عليها الاتحاد العام لمقاولات المغرب، بغية إبقائه على طبيعته، وحماية فريقه من الترحال السياسي في مجلس النواب.

بيان ذلك، أن هذه المنظمة المهنية، المقربة جدا من حزب التجمع الوطني للأحرار، أقدمت مؤخرا على تعديلات قانونية، تمنع بموجبها أعضاءها من الانتماء للأحزاب، فجاء القانون التنظيمي، ليؤكدها بالتنصيص على سحب عضوية أي برلماني يغادر المنظمة المهنية إلى أي حزب سياسي. التأمل في ديباجة هذه القوانين، والتعليلات التي تم سوقها لتبرير اللجوء إليها، يشعر بأن المقصود هو تعزيز المضمون الديمقراطي، لاسيما إن تم النظر إلى هذه التوجهات الثلاثة في علاقة بما ورد في مقتضيات أخرى، تهم تعزيز المشاركة السياسية للمرأة، وتقوية الدعم المالي للأحزاب، لكن، الدخول في التفاصيل، يشعر بأن التحديات المطروحة على العملية الانتخابية، تمس في الجوهر المضمون الديمقراطي، وتسائل المسار برمته، هذا بدون استحضار ما يمكن أن يؤول إليه الخلاف حول القاسم الانتخابي وحول «كوتا» الشباب وغير ذلك من القضايا الخلافية التي لم تحسم لحد الآن.

بدأت تضيق خيارات التوافق حول القضايا الإشكالية التي يفترض أن تحسمها القوانين التنظيمية المنظمة للعملية الانتخابية، وفي المقابل بدأت تبرز معالم الصورة التي سيأخذها المسار الديمقراطي بالمغرب

بيان ذلك يتضح إذا تم استحضار الحلقات السابقة من التراكم الديمقراطي، وبالتحديد، التعليلات التي وضعها المشرع في القوانين التنظيمية السابقة، التي انتصرت بقوة لنمط الاقتراع اللائحي، واعتبرته آلية مهمة لنقل وعي القاعدة الانتخابية من مستوى الارتباط بالشخص والقبيلة إلى مستوى الارتباط بالحزب السياسي والبرنامج والاختيارات. صحيح أن العدول إلى الاقتراع الفردي في القوانين الجديدة ليس كليا، وإنما شمل دوائر معينة، وأبقى الدوائر الكثيفة سكانيا، لاسيما منها في المجال الحضري، تحت طائلة الاقتراع اللائحي، لكن، بين الدوائر التي يسكن بها 25 ألف نسمة، والتي يسكن بها 50 ألف نسمة، ثمة حساب دقيق، يبرر عملية الانتقال من اللائحي إلى الفردي: حساب تكشفه نتائج الانتخابات السابقة، ويبين أن المقصود ليس إلا الإضعاف الانتخابي للأحزاب التي كانت المستفيد الأول من نمط الاقتراع اللائحي مثل حزب العدالة والتنمية، والانتصار للأحزاب التي كانت تفوز في السابق بنمط الاقتراع الفردي، فصارت «ضحية» لاعتماد نمط الاقتراع اللائحي مثل حزب الاستقلال وأحزاب الأعيان عموما.

المعطى الثاني يزيد الأمر توضيحا، فتنصيص القانون على تنافي صفة برلماني مع رئاسة مجالس الجماعات (عمدة) في الدوائر التي يفوق عدد سكانها 300 ألف نسمة، لا يحتاج إلى تحليل، فالمعني الأول بهذه الدوائر، هو حزب العدالة والتنمية، الذي حصل العمودية في أغلب المدن الكبرى والمتوسطة، وهو ما يعني، إجبار هؤلاء الذين تتوفر فيهم صفة الجمع بين رئاسة المجلس الجماعي وبين صفة برلماني على اختيار واحد بدلا من فرصتين، أي إضعاف قدرتهم على استثمار إنجازهم في التدبير الجماعي، وتحويله إلى مكسب يحصلون من ورائه الصفة البرلمانية، وفي الوقت ذاته، الاضطرار إلى اللعب بلاعبين جدد، لا تتوفر فيهم الكاريزما السياسية اللازمة لتحصيل المقعد البرلماني أو الجماعي. أما المعطى الثالث، فرغم أن الظاهر فيه حماية الفريق الممثل للمنظمة المهنية الممثلة لرجال الأعمال (الاتحاد العام لمقاولات المغرب) والإبقاء على حياديته السياسية، إلا أن أحزابا أخرى-مثل حزب الاستقلال-ترى أن المقصود شيء آخر، وهو التمكين لحزب التجمع الوطني الأحرار، الذي تعتبر هذه المنظمة تعبيره الاقتصادي وصوته داخل رجال الأعمال، وفي الوقت ذاته، احتكار الحزب لهذه المنظمة، وحرمان الأحزاب السياسية من حقها في التمثيل داخلها. ثمة شيء واحد ربما ينظر إليه البعض على أنه يسير في اتجاه تراكمي، وهو تمثيلية النساء ودعمها، وأن القوانين التنظيمية الأخيرة مضت في اتجاه تعزيز تمثيليتهم، بعد أن نقلت أساس التمثيلية في اللائحة الوطنية من طابعه الوطني إلى طابعه الجهوي. والحقيقة، أن هذا المعطى يمكن النظر إليه من زاويتين متقابلتين، فبقدر ما يفيد الانفتاح على الكفاءات الجهوية، وضمان حقها في التمثيل، بعدما أن كان الأمر حكرا على القيادات الوطنية، بقدر ما يفيد إنهاء سطوة الأحزاب التي كانت المستفيدة رقم واحد من اللائحة الوطنية النسائية، وإعادة رسم التمثيلية بناء على الأصوات الجهوية، بما يعني التقليص من حظوظها، أي سيكون مطلوبا من حزب العدالة والتنمية، باعتبار أنه كان المستفيد الأول من اللائحة الوطنية النسائية، أن يضمن للوائحه النسائية الجهوية نفس الزخم الذي كان يوفره على مستوى اللائحة النسائية الوطنية لكي يحصن عدد مقاعده فيها، وهم أمر مشكوك فيه.

وصادق المجلس الوزاري الذي ترأسه العاهل المغربي الملك محمد السادس، الخميس، على أربعة مشاريع قوانين تنظيمية في سياق الاستعدادات للانتخابات العامة المقبلة، من بينها مشروع قانون يتعلق بالرفع من مبلغ الدعم العمومي الممنوح للأحزاب السياسية.

وتأتي هذه الخطوة في أعقاب انتقادات لاذعة من المعارضة المغربية التي سجلت تأخيرا لافتا في تمرير هذه المشاريع إلى البرلمان من أجل المصادقة عليها مع بدء العد التنازلي للانتخابات القادمة المقررة في أكتوبر المقبل.

وقال بيان للديوان الملكي إن القوانين التنظيمية الأربعة تهدف إلى “تطوير قواعد النظام الانتخابي وتقوية الضمانات الانتخابية وضبط قواعد استفادة الأحزاب السياسية من الدعم المالي وأخلقة العمليات الانتخابية وتعزيز الشفافية المالية للحملات الانتخابية للمرشحين”.

وأكد رئيس الشبكة الوطنية للمجالس المحلية للشباب، نضال بنعلي الشرقاوي، أن “المصادقة على مشاريع قوانين انتخابية ستؤطر الاستحقاقات القادمة هي ضوء أخضر لبداية مسلسل التحضير المحكم للعملية الانتخابية بالمغرب سواء تعلق الأمر بالتشريعية أو الانتخابات المحلية والجهوية”.

وتنص مشاريع القوانين الجديدة على تطوير الآلية التشريعية المتعلقة بتمثيل النساء في مجلس النواب (الغرفة الأولى من البرلمان)، من خلال تعويض الدائرة الانتخابية الوطنية بدوائر انتخابية جهوية، اعتبارا “للمكانة الدستورية للجهة في التنظيم الترابي للمملكة”.

* رضوان بوسنينة
رئيس مؤسسة تراحم للدراسات والبحوث الاستراتيجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *