وجهة نظر

العدالة والتنمية بين الكولسة والكولسة المضادة

إن الغاية من الأحزاب السياسية ومبرر وجودها، هو تنزيل الدمقراطية وتمثيل الشعب أمام الدولة ومؤسساتها، في إطار وساطة اتفاقية بين المواطنين وبين إدارة الدولة، حيث يعطي الشعب الشرعية للدولة، وتعطي إدارة الدولة للشعب المكتسبات والمطالب والخدمات.

ولتفعيل الديمقراطية  داخل مؤسسات الدولة، ينبغي أولا أن تطبق داخل مؤسسات المطالبين بها ، وفي مقدمتها الأحزاب ، إذ فاقد الشيء لا يعطيه ، ففي تفعيل الدمقراطية الداخلية  تدريب عليها وفهم لمعانيها وممارستها عمليا . ومن المحطات التي تختبر فيها ديمقراطية  الأحزاب ، منها المحطات التنظيمية التي يختار فيها أعضاء الحزب من يدبر الحزب تنظيما ، وكذا المحطات الترشيحية التي يختار فيها أعضاء الحزب من يمثلهم من داخل المؤسسات المنتخبة التمثيلية ، سواء وطنيا (حكومة/برلمان) أو ترابيا (جهات /جماعات ). ومن خلال هذه المحطات تعرض الديمقراطية الداخلية  للأحزاب للاختبار ليعلم مدى ديموقراطيتها أو خلاف ذلك .

ومن خلال هذه الكلمات المختصرة المعتصرة سنناقش إشكالية الديمقراطية الداخلية عند حزب العدالة والتنمية، ليس بمنطق الباحث الذي ينظر إلى الموضوع بدم بارد ، بل سأنفعل معه وأتفاعل معه بعين الناقد المعايش المشاهد ، عملا بمنهج البحث من الداخل .

والديمقراطية كمفهوم مثالي نتوق إلى جنته ويوتبياه إن صح التعبير ، فقد تعرض للعديد من الانتقادات النظرية  ، حتى كتب عالم السياسة الأمريكي روبرت دال كتابه ( الديمقراطية ونقادها ) وقديما قد عاداها أفلاطون  ، باعتبارها سببا في وفاة شيخه سقراط  …

فاذا كانت الديمقراطية  وسيلة والية   لتدبير الصراع والخلاف ، فنقادها عمليا ، أو  نقاضها وهدامها الذين يكنون لها العداء ، يعملون جاهدين من أجل تجاوزها والبحث عن ثغرات تجعلها ديمقراطية صورية وشكلية فراغة المضمون .

وسنحاول أن نناقش هذا الموضوع انطلاقا من المحاور التالية:

1/ طرق الاختيار التنظيمي والترشيحي عند حزب العدالة والتنمية

2/الكولسة  كمعيق للديمقراطية الداخلية

3/مخرجات الكولسة وأضرارها على إرادة الناخبين

4/مقترحات تصويبية في طرق الاختيارات التنظيمية والترشيحية

1/ إن حزب العدالة  والتنمية كباقي الأحزاب العقدية (الأيديولوجية) له مرجعية وإطار فكري،  يحكم سلوكه ويؤطر اختياراته التنظيمية وسلوكه السياسي وتحالفاته وتوجهاته ، وهذه المرجعية التي يتبناها حزب العدالة والتنمية كما تقر بذلك أوراقه هي المرجعية الإسلامية  بفهمها الوسطي والمتجدد ، ويومن بالديمقراطية باعتبارها وسيلة وأداة لتنزيل مبدئ الشورى المقر نصا والمتعارف عليها إسلاميا  .

لكن هذه الديمقراطية  يتم تنزيلها عبر آليات تتضمن قيما ومعايير أخلاقية  تستمد من الشريعة  الإسلامية ، وفي مقدمتها أن لا يرشح العضو نفسه للمسؤولية حتى وإن كان قادرا عليها وليس راغبا فيها ، وحتى إن اختير من هو دون المستوى المطلوب في أداءها (لانقصد بلفظة  دونه أي تنقيص حاشا) عملا بمعنى الحديث الذي يقول لا نولي أمرنا هذا من طلبه ، أو كما قال الحديث.

وبما أن حزب العدالة والتنمية حزب سياسي ذي مرجعية إسلامية ، خرج أساسا من رحم الحركة الاسلامية ، ويعتبر النافذة السياسية لتحقيق الاصلاح السياسي ، فإن سلوكه التنظيمي يمتح أساسا من المرجعية التراثية ، تأصيلا وتنظيرا وحتى تبريرا ، والشواهد في ذلك كثيرا يعرفها المتتبعون وليس مقامها هنا .

فإن اختيار المسؤولين المجاليين ، سواء أكانوا وطنيا أو جهويا أو محليا ، يتم عن طريق اختيار الأعضاء دون ترشح من المسؤول نفسه ، خلافا على باقي الأحزاب ، ويتم اختياره بناء على عدة معايير، لا تنحصر في الكفاءة فقط ، بل يدخل فيها الجانب الخلقي ، وهما اللذان يوضحان عبر آلية التداول أو الجرح والتعديل ، التي يناقش فيه الشخص المختار ، كما يفترض ذلك ،  بكل حرية دون تجريح وعليه أن يتقبل سهام النقد الموجهة  إليه ، ليس تصفية للحسابات وإنما القصد منها مساعدة المؤتمرين على الاختيار ومده بالمعطيات التي لم يكونوا يتوفرون عليها قبل التداول ، والتي تساعدهم على الاختيار الصحيح .

 

2/ إن طريقة الاختيار المثالية هذه والتي يسودها جو من الأخوة كما حكي لنا عليها ، لم تدم طويلا، وإنما تربص بها جمهرة من المتربصون ، وأمسكوا بزمام عقالها ، وصيروها في يدهم ، يقدمون بها من يشاؤون ويأخرون بها من يشاؤون وكل ذلك بما يرضي الله شكلا وليس مضمونا ، وفي حالنا هذا تصر الديمقراطية  وبالا على الجميع ، فتصير خادمة للأطماع الفاسدة  والطموحات الشهوانية . ومن أجل ذلك يتدخل المعنيون بالأمر قصد توجيه اختيارات المؤتمر عن طريق الكولسة ، والكولسة  ببساطة كلمة  تمت استعاراتها من فضاء المسرح ، أي الكواليس ، وهو فضاء مكاني يستعد فيه للدخول إلى الخشبة ، والمكولسون  كذلك يستعدون في الكواليس تحضيرا للمسرحية  التي سيشاركون فيها ، وعنوان هذه المسرحية ، الديمقراطية الداخلية . حيث يحددون الاشخاص المختارة سلفا ، ويتكتلون لها إما فئويا أو مهنيا أو جغرافيا (قروي /مدني) ….

والكولسة هي المعيق القوي للديمقراطية الداخلية ، والعجيب أن من له غيرة على الحزب ومؤسساته وفكرته ومشروعه ، يحاول أن يوقف هذا العبث بالديمقراطية الذي تسببه الكولسة ، لكن مع الأسف لا يوقفونه  بالأدوات المنهجية والديمقراطية  ،بل بالكولسة المضادة ، متجاوزين العطب الحقيقي والمشكل الأساس ، محاولين علاج الداء بالداء ، بدل الدواء ، وهو الحل التنظيمي ، الذي سنقترحه وقد اقترحه غيرنا من قبل (رغم أننا لم تعد تربطنا صلة بالحزب ، لكن نتحدث كمواطن غيور على مصائر الأحزاب الوطنية التي فيها بصيص أمل لا شك ) .

فعندما تمنع أو تحول بين العضو وطموحه ، خصوصا من جاء لحزب العدالة  والتنمية بمنطق وقيم مفارقة  لما تربى عليه أبناء الحركة الاسلامية ، فإنه سيبحث لنفسه عن مخرج ، وحتى  من تربى على تلك القيم الاسلامية ، قد تعتريه لحظات ضعف فيختلط عنده الطمح بالطمع ، ويدفعه هذا الشعور الى البحث عن ذاته لكن بطرق غير مشروعة أخلاقيا وتنظيميا ومخالفة لثقافة المجموع  التي تواطأ الأعضاء حولها . فإنه سيبحث عن منفذ ليصل إلى بغيته .

3/ قد يرى البعض أن أمر الكولسة هذا شأن داخلي خاص بالعدالة والتنمية وأعضائه فقط ، ولا فائدة للمواطنين من مثل هذه النقاشات ، لكن على العكس نقول له ، إن الكولسة هي التي تقدم لك وكلاء اللوائح وأعضاءها ، وهي التي تحدد لك من سينوب عنك في البرلمان وهي التي ستقدم لك من ينوب عنك في الجماعات الترابية ، خصوصا وأن المواطنين لا يصوتون على العدالة والتنمية كأشخاص مقدمين في لوائح ، بل يصوتون على الحزب ، لدرجة أن أحد المواطنين قال لي (قالها مازحا يعني)  شخصيا في الحملة ، إن العدالة والتنمية ولو قدموا قردا في اللائحة سيصوت عليه الناس ، لأن المواطنون يصوتون على الحزب وليس الأشخاص ، لأنهم يعلمون حسب ظنه ورأيه جازما أن أفراد الحزب أكفاء ولا يقدمون إلا الأكفاء ( ليس دوما طبعا) .

ولنا في ذلك مثال ونموذج ، الكاتب الجهوي السابق للعدالة  والتنمية بفاس ، الذي حصل في الانتخابات على مقعدين ، لكن لما ترشح مع حزب الأصالة والمعاصرة  لم يحصل على أي مقعد ، ومنه أن الناس لم يختاروه كشخص (الغالبية ) ولكن كان تصويتهم على الحزب . وهذا يمكن دراسته من داخل سوسيولوجيا الانتخابات ، بطريقة علمية ومنهجية وليس مقامها هنا.

ولذلك رأينا ضعف بعض المدبرين السياسيين ، وكارثية تسييرهم ، لأنهم إما لم يختاروا بطريقة ديموقراطية ، أو كانوا من ضحايا الديمقراطية ، ومن فلتات الاختيار الديمقراطي .

فالديمقراطية عملة بوجهين ، إما أن تمنحك  مسيرا  ناجحا  وكفاءة  تجمع بين القدرة والرؤية ، رؤية التدبير وقدرة  التسيير ، أو تعطينا كوارث سياسية وحوادث سير انتخابية ، لا يعرفون مالهم وما عليهم ، لم يخلقوا للسياسة ، قد يكونون  صالحين لأي شيء آخر إلا أن يكونون صالحين  للسياسة .

و لا ننسى أننا نحن المغاربة قد وقعت علينا كولسة كبيرة ومسرحية مضحكة  إبان (البلوكاج) العرقلة  الحكومية ، إذ كنا قد اخترنا شخص التف حوله المغاربة (ليس الجميع طبعا فلا إجماع إلا على المقدس ، وحتى المقدس فهنالك من لا يقبله) وآمنوا به ، وفوضوه لمرة ثانية كي يدبر الحكومة ، لكن خرج علينا شخص آخر ، وفرضت علينا إرادة أخرى وطمست إرادتنا ، حتى قواعد الرياضيات والمنطق انقلب عليها ، فبقدرة قادر صار الرقم 37 أكبر من الرقم 127 ، ولتعلموا أن صاحب الإٍرادة والإدارة على كل شيء قدير ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، فاللهم لا حسد.  وهذه وتلك من الأعطاب التي تجعلنا نطرح ألف سؤال وسؤال عن الديمقراطية .

4/ إن الحل الذي يقترحه البعض لمعضلة الكولسة ومشتقاتها ، من تلاعب في لوائح الأعضاء ومنحها لبعض ورفضها للبعض ، ومن اتخاذ للقرارات الاحترازية تجاه البعض وغيرها من الأساليب الرعناء التي تعطي اشارات سلبية وتدفع الكثير ممن امنوا بأطروحة الاصلاح من الداخل ومن تبنوا أطروحة الاصلاح في ظل الاستقرار وامنوا بها تحقيقا لا تعليقا ، إن مثل تلك السلوكيات دفعت العديد الى التراجع أحيانا ( الأغلبية الصامتة خصوصا الوافدين من الدراع الدعوي ) والآخرين الى الاستقالة ، وقد رأينا العديد ممن قدموا استقالتهم وهم من شرفاء العدالة والتنمية ( البيدوري/ التاغي………) العشرات ان لم نقل المئات من الذين تذمروا من هذه السلوكيات الرعناء .

والطريقة المثلى هي اعتماد طريقة الترشح بالنسبة للمهام التنظيمية والانتدابية كذلك ، كباقي الأحزاب ، عبر طريقة المشاريع ، حيث يأتي المترشح ويقدم أمام المؤتمر برنامجا تنظيميا نضاليا ،أو برنامجا تدبيريا ترابيا أو تشريعيا ، ويناقش فيه ويختار بناء عليه ، ويحاسب ويراقب من خلاله ووفقه ، أثناء المرحلة وبعد انتهاءها ، وتوضع الاليات التي تحدد طرائق ذلك ، ويمكن أن تعين لجان لتزكية الأفراد أو تصاغ طرق أخلاقيا لضبط العملية حماية وحفاظا على الحزب من طلاب المناصب والمكاسب ، والحزب ومن فيه قادرون على تحصينه من ذلك ، مع تمكينه وتمليكه للمغاربة ، فهو حزب سياسي وليس طائفة كما نعلم ، لكنه حزب له طعم ولون ورائحة عليه أن يحافظ عليها كي يظل صالحا ، فالماء المتغير(بالنجس)  يطرح ، فلا يصلح لا للعادة ولا للعبادة .

فالحزب يقدم أشخاصا لا يقيم تجربتهم ولا يراقب فاعليتهم ، ولم يعط هو كذلك المثال في ذلك ، ولم يسائل نفسه ويقف وقفة مع ذاته بعد تسييره لمدة عشر سنوات ، ماذا ؟ وإلى أين ؟ وماذا يريد ؟

ماذا حقق ؟

إلى أين يتجه ؟

وماذا يريده من المشاركة السياسية ؟

ويتساءل عن الشعارات التي رفعها ، في ترسيخ الديمقراطية  وتحصين مسارها ، وعن التنمية وماذا حقق فيها، وعن حقوق الانسان ومكتسبات وزير دولته فيها ؟ وعن إرادة الناخبين وجدواها ، وعن مقاصد الشريعة وما حقق منها ، وعن الضعيف والمسكين والمحتاج ؟

هي أسئلة الإجابة عنها قد تكون إما محفزة للاستمرار أو محددة للوجهة  والمسار .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *