وجهة نظر

انتظارات مواطن غائب

على قرب من المقبرة جلست أفكر، يالها من حياة غريبة غير منصفة ، لقد فقدت الكثير من الأصدقاء، هل كان ضروريا أن يرحلوا في غفلة منا بسبب هذا الوباء ، هذا الوباء الذي علمني أن الحياة لاتتكرر مرتين، لقد كنت أنتظر بفارغ الصبر أن تحدث أشياء أمام عيني، أن يكون قدري كما رسمته في مخيلتي، يالها من لعبة ماكرة أكتشفت في الأخير أنني كنت ألعب بدون مشيئتي.

وها هو الحلم يسقط أمام عيني الصغيرتين، فيتبعه سقوط موالي للحلم الكبير، فأجدني وحدي، لاأحد يمسح الدمعة من عيني، ولا أحد يأخذ بيدي ويواسني. ياله من زمن كبرت فيه الإهانة في كل أرجاء البلاد ومع ذلك الجميع يصرخون في صمت، هاهم الشيوخ يطالبون بالموت مبكرا لأنهم فقدوا حاسة الذوق بالحياة، النساء لم يعد يهمهم الرجال في شيء سوى في لحظة لقاء سريع في أي مكان لتجد نفسها منتفخة البطن بعد سبعة شهور وقد تطرد هذا الرجل من البيت في أي لحظة بتهمة من التهم الجاهزة وكثيرا ماتمس حقوق المرأة.

أما بالنسبة للشباب فأغلبهم لايعرفون ماذا يريدون، يعيشون رعبا وتيها، إنهم يريدون كل شيء، من دون أن يقدموا أي شيء، الحياة بالنسبة لهم مجرد ضربة حظ ، لكن الحظ لايمكنه أن يلتفت نحو جيل لايقرأ إلا من أجل الحصول على وظيفة وغائب من كل قضية من قضاياه الحقيقية.

إننا ننتظر جميعا حدوث المعجزة، إننا في حالة تأهب قصوى، كل واحد ينتظر بشكل فردي الفوز بالغنيمة على حساب الجميع، وكم نشعر بالنشوة ونحن نعتقد جادين أننا حققنا الحلم المنتظر، يالها من مفاجأة غير سارة عندما نجد أنفسنا لانملك سوى الخصام والفراق والتشتت والألم…

لقد انتظرنا طويلا أن نغير من الأصنام التي تحكمنا رغما عنا، وفي كل فرصة تاريخية تأتي دون علم منا، نتخذ لها إسما ثوريا ، نبدأ في كتابة قصائد التغيير المنشود، فلا نقبض سوى على الرماد، لقد أتبث التاريخ أننا أمة لاتستفيد من أخطاءها ولا من ألأخطاء المتكررة لصانعي القرار فيها، إننا لانمل أن نكرر نفس الخطأ وبنفس الطريقة ، ونبكي، نبكي بحرقة من أجل أن نقنع أنفسنا أن الحظ يرفض أن يكون حليفنا.

ياللخسارة الكبيرة لشعب تعلم بالفطرة أن ينتظر طول الوقت، ويصدق كل شيء، لم يعد يميز بين الصدق والكذب، لقد تدرب بعد سنوات طويلة على تصديق الكذب وأصبح وجبته المفضلة، يرفض أن يدخل مدرسة الحقيقية، لقد فقد كل انتماء، لم يعد له أي مكان ولايريد أن يعترف أنه أصيب بالشيخوخة التي أصيبت بها كل أجهزة الدولة هي الأخرى.

الآن، بعد أن فرضت علينا كورونا قواعد العيش الجديد، لانتكلم كثيرا، ولانتحرك إلا للضرورة، ولا نجتمع إلا عن بعد، بدأنا نتخلى عن أشكالنا التقليدية في العيش، وبدأنا نتخلى عن كل ما اتفقنا عليه بعد سنوات أنه يدخل في باب المقدس، كالعناق والتقبيل والمصافحة بكل أشكالها، لم نقبل بهذا التحول، إننا نرفض كل الوقت أن نخضع لهذا النظام الجديد، لقد تعودنا زمنا طويلا على اللانظام، إننا شعب نرفض بامتياز أي شيء يغير من طقوسنا المتوارثة أب عن جد، والأخطر من هذا هو أننا ننتظر بفارغ الصبر أن يزول الوباء بالخرافة والدعاء، لكن الله كان حكيما وعادلا بحيث لم يستجب لدعائنا لأننا أمة لا تنتصر للعلم والمعرفة، وبهذا سيظل قدرنا أن ننتظر الذي يأتي والذي لن يأتي .

غادرت المقبرة وأنا أودع كل هؤلاء الأموات ، كل واحد منهم غادرنا بطريقته، محمل بأسرار كثيرة ، كان فيهم رجال كثر يحلمون مثلنا بأحلام كبيرة، لكنهم ذهبوا وفي حلقهم غصة ومرارة من بلاد ظلت مغمضة العينين، لاتريد أن ترى عيوبها الكبيرة وظلت عاجزة سنوات طويلة من تحقيق ولو جزء يسير مما كانوا يحلمون، يالعظمة الموت عندما تضع حدا لحياة كلها انتظارات قاتلة وتضع حدا لأناس لازالوا بيننا مستكنين وصاغرين، فعلا إنهم لايستحقون هذه الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *