منتدى العمق

هل درسنا كسب العيش وتدبير الأموال؟

عند نهاية السنة الدراسية يتجدد الحديث حول فعالية شهادة الباكالوريا ومدى أهمية الحصول على هذه الشهادة التي تعتبر كتأشيرة للمرور نحو الجامعة أو المعاهد والمدارس العليا لمواصلة التدريس للحصول على شواهد عليا قصد التتويج بوظيفة في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، الحصول على وظيفة وشراء منزل وشراء سيارة .. هذا عندما نفكر في ضيق جدران عقولنا !

لقد حصلنا على الباكالوريا بميزات مختلفة، لكن الميزة لن تؤثر على سيرك لمواصلة التدريس بالجامعة أو بالمعاهد العليا، إلا أنه هناك أسئلة يجب الإجابة عليها، هل تعلمنا في التعليم النظامي أن نقارع عقبات الحياة؟ هل تعلمنا كيفية جني الأموال؟ هل درسنا كسب العيش وتدبير الأموال؟

الحياة العامة بدورها مدرسة تعلمنا، وبالأخص مخالطة الناس بمختلف الأعمار والأفكار والإنفتاح على المجتمع، أعتقد بأن الحياة مدرسة مستمرة، كما يجب ألا تتوقف عن التعلم وتطوير نفسك بعد التخرج من المدرسة لأن العلم بحر لا ينتهي، فمهما اغترفنا من العلم فلن نغترف إلا القليل!!! نعلم القليل ونجهل الكثير في هذا الكون البديع! إقرأ الكتب بشكل متواصل، أرجوك لا تتوقف عن القراءة، اقرأ في مجالات مختلفة، شارك في الدورات التكوينية، كما يمكنك مشاهدة محاضرات على مواقع التواصل الإجتماعي بالمجان.

نتعلم في المدرسة القراءة والكتابة وقد نكون محظوظين عندما نتعلم الإبداع والفن والإختراع في المجالات الفنية والصناعية ونكون أكثر حظا عندما نتعلم خبايا التكنولوجيا الحديثة التي أحدثت ثورة عالمية في العقد الأخير.

أعتقد أنه كل منا قد سأله المدرس يوما ما عن طموحه في المستقبل، قد قال لك المدرس ماذا تريد أن تكون في المستقبل؟

سؤال يتجدد دائما في المدرسة لمعرفة طموح الطلاب!

بكل براءة يجيب التلميذ أريد أن أكون طبيب، وهناك من يريد أن يكون موظف، والآخر يطمح أن يكون أستاذ وهلم جرى … يتم بشكل عفوي تعبئة أذهان الأطفال بأفكار محدودة “الوظيفة”، ومع مرور الزمن يجد الطالب نفسه أمام طموح محدود، حلمه يقتصر على الحصول على وظيفة وقد لا يجد في طريقه شيئا من هذا القبيل، تكبر فكرة الحصول على وظيفة في باطن ذهن الطالب، بل تأخذ هذه الفكرة مساحة كبيرة داخل جدران وعيه، يتم تطعيم اللاوعي بفكرة الوظيفة، عملية شبيهة بغسل الدماغ، غسل بشكل عفوي إلى أن يجد الطالب نفسه في وظيفة تسمح له بأن يأكل ويشرب وينام وقد يحقق مآرب أخرى.

للأسف المدرسة لا تعلم الطلاب بأن يكونوا مستثمرين، لا تعلمنا المدرسة أدبيات القيادة، لهذا يجب أن تضع سؤال وتكتبه بخط عريض، لماذا أبناء النخبة السياسية لا يدرسون معنا في التعليم العمومي؟

المدرسة لا تعلمنا أن نكون قادة، المدرسة لا تعلمنا ماهية الإستثمار، ولا تعلمنا كسب العيش، ولا تعلمنا تدبير الأموال.

لهذا سنجد معظم الطلاب يتوجهون إلى البحث عن الوظيفة بعد حصولهم على الشواهد، لكن بعد اندماجهم في وظيفة كانت حلما لهم في يوم من الأيام، وقد أصبح لهم راتب شهري، سنجد أغلبية الموظفين والمستخدمين اتخذوا تدبير أموالهم وفق عادات كان يقوم بها آبائهم أو عامة الناس داخل المجتمع، هناك عبارة يتم ترديدها كثيرا داخل المجتمع المغربي “ادخر أموالك لأيام الشدة” أو كما يقال بالدرجة “اجمع فلوسك لدواير الزمان” يعني ادخر أموالك لعل الزمان يدور عليك بأزمة أوضائقة، لكن في الحقيقة يجب علينا أن نقول ادخر أموالك ليوم جميل لأجل الإستجمام في الشواطىء أو السفر إلى جهة معينة لأجل المعرفة أو لهدف آخر، استبشر خيرا لعلك ستجد خيرا، واعمل على تطعيم أوتلقيح العقل الباطني بأفكار إيجابية.

إننا ندير أموالنا بناءا على تراكمات إرثية ومخلفات فكرية غير علمية، لهذا سنجد أكبر نسبة من الأشخاص يعملون من أجل الإدخار فقط، الإعتماد على الإدخار فقط دون تحريك عجلة الإستثمار بمثابة وقوفك في نصف الطريق، إننا لم نتعلم قواعد التدبير المالي والتي تعتمد على الإدخار والإستثمار في مشاريع تجلب لنا المال أو الحرية المالية، لقد حان الآوان لتغيير على مستوى عقلياتنا خاصة في مجتمعاتنا العربية أو بعبارة أخرى يجب تحرير العقول من المغالطات والأفكار المحدودة إنها أفكار شبيه بالأعشاب الضارة.

ذات يوم سخر مني أحد زملاء العمل عندما كنت أقرأ كتابا، قال لي ساخرا ماذا ستجني من قراءة الكتب؟ زاد قائلا إنها مضيعة للوقت وللمال؟

بعد مرور الزمن أدركت بأنه يتوفر على رأس مال ضخم، كان يدعي بأنه قد حصل على هذه الأموال عن طريق التجارة الإلكترونية، وبعد مرور أشهر أخبرني بأنه اشترى شقة سكنية في إحدى العمارات في السكن الإجتماعي!

هذا الشخص ذهب مع فكرة عامة الناس التي تقول يقاس النجاح في الحياة بشراء منزل وشراء سيارة ولو كان ذلك بقرض ربوي …! لكن هذا خطأ يرتكبه العديد من الأفراد لأنهم لم يدرسوا تدبير الأموال وكسب العيش.

وعلمت أن أحد الأشخاص يتقاضى راتب سمين، اللهم زد وبارك، لقد اقترض أموالا من أجل شراء منزل “فيلا” وليست شقة سكنية في عمارة ! غالبا ما تكون أثمنة المنازل المستقلة باهضة الثمن وبالخصوص في المدن الكبرى.

الشخص الأول أتلف أمواله في شقة سكنية في السكن الإجتماعي والثاني ربط نفسه عند مؤسسة بنكية وهنا تضع نفسك بين المطرقة والسندان، مطرقة المؤسسة التي تعمل لصالحها وسندان المؤسسة البنكية !

الشخص الأول لو علم ما يفعله الإستثمار في جني الأمول لذهب لاستثمار أمواله في مشروع قد يجلب له شقق سكنية ويحقق لنفسه حرية مالية دون اللجوء للعمل براتب شهري!

أما الشخص الثاني براتبه السمين، كان بإمكانه تحقيق الحرية المالية لو إلتجأ إلى تغيير العقلية في تدبير أمواله، لأن ارتفاع دخله الوظيفي سيمكنه من ازدياد الإدخار والإستثمار، وهنا يذكر لنا هارف إيكر في كتابه أسرار عقل المليونير أربعة عوامل متعلقة بصافي الربح: زيادة دخلك، زيادة مدخراتك، زيادة استثماراتك، وتقليل مصروفات معيشتك عن طريق تبسيط أسلوب حياتك.

كلما زاد دخلك، ستتمكن من زيادة مدخراتك، وهذا ما يزيد في استثماراتك مع تبسيط أسلوب حياتك.

الحرية المالية تقتضي منا أن نكون مستثمرين، ويمكننا الحصول على كتب تتحدث عن الإستثمار والتدبير المالي وكذا تغيير عقلية العبيد أو القطيع التي ترسم مخططاتها للحصول على وظيفة! يوجد كتاب بعنوان الأب الغني والأب الفقير للكاتب روبرت كيوساكي، كتاب أسرار عقل المليونير للكاتب الأمريكي هارف إيكر، وكتاب فكر وازدد ثراء للكاتب الأمريكي نابليون هيل وكتب أخرى عدة.

عندما ستقرأ كتب في هذا المجال ستدرك جيدا حجم الحواجز والمتارس التي تم بنائها في عقولنا أثناء تدرجنا في التعليم النظامي، وهنا أذكر بأنني لست ضد التعليم النظامي والتمدرس بل ضد بعض البرامج والأفكار التي تكبر في عقولنا مثل الفيروسات دون أن ندرك حجم التظليل الذي تعرضنا له في صغرنا.

في كتابه أسرار عقل المليونير يرى هارف إيكر بأن “الأفكار تقود إلى المشاعر، والمشاعر تقود إلى الأفعال، والأفعال تقود إلى النتائج، كل شيء يبدأ بأفكارك التي هي نتاج لعقلك”.

إذا كنت تفكر في سُبل الحصول على وظيفة ستجد وظيفة، وإذا كنت تفكر وتعمل من أجل الإستثمار ستصبح مستثمرا وقائدا يدير أمواله وفق استراتيجية مدروسة تمكنه من معرفة النتائج التي سيحصل عليها لاحقا، وإدارة الأموال تبدأ بالدرهم الواحد الذي حصلت عليه وليس حتى تجني أموالا ضخمة، لأنك إذا لم تستطيع إدارة أموال قليلة فلن تستطيع السيطرة على أموال ضخمة، وهذا ما يحصل في مجتمعاتنا جميع الفئات تريد الحصول على كثرة الأموال، لكن بأي عقلية ستدير هذه الأموال، وبأي استراتيجية ستتصرف في الأموال، أجدد الدعوة للرجوع إلى قراءة الكتب المتعلقة بالتدبير المالي والإستثمار.

ونختم هذا المقال بفقرة مقتطفة من كتاب أسرار عقل المليونير للكاتب الأمريكي هارف إيكر “طور من نفسك لأن حياتك لن تكون إلا نفسك، أي أنك إذا طورت نفسك حتى تصبح شخصا ناجحا في قوة شخصيتك ورجاحة عقلك، فإنك سوف تصبح ناجحا بشكل طبيعي في أي شيء تفعله في حياتك، سوف تكتسب قوة الإختيار المطلق، سوف تكتسب القدرة والقوة الداخلية لكي تختار أي مشروع أو مجال استثمار وأنت تعلم أنك ستنجح فيه”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *