المغرب العميق، مجتمع

تراث درعة .. “الملة” من عمق محاميد الغزلان وأشعار الركبة المعقلية

تنتمي واحة “محاميد الغزلان” إلى منطقة درعة المتواجدة في الجنوب الشرقي والتي تحتوي على ست واحات هي: مزكيطة، تنزولين، ترناتة، فزواطة، أكتاوة وامحاميد.

وتتميز منطقة درعة بتنوع إنساني أصيل، وقد عرفت المنطقة تعايشا متعددا منذ زمن طويل سواء على المستوى الاجتماعي أو الثقافي أو التراثي أو الفني ولا ننسى أيضا التجاري.

ويتوفر أهل درعة على تكوين زراعي جيد ويعتمدون في الري على المطر.. ويعيشون على الشعير والتمر والحطب القليل والخشب، لذلك نجدهم يستعملون جدوع النخيل الميتة لتسقيف بيوتهم وجريده مكان الحطب.

ويعتمد ساكنة مناطق درعة القمح بأنواعه المتوفرة لإعداد الخبز، يليه التمر من مأكول ومشروب، إلى جانب الماء.

تصبونت
ذكرنا سابقا في مقال “خبز الشحمة الزاكوري”، المنشور في جريدة العمق المغربي، مشروب “تصبونت”، الذي سنتحدث عن طريقة إعداده وعن فوائده ولماذا يشربه سكان مدينة زاكورة؟.

إن “تصبونت ” هو عبارة عن عصير يتم فيه مزج التمر بالماء الذي تخمر فيه الأعشاب التالية:

“جدر السدر، أساي، جيجو، خودنجال، القرفة، أوسكشكام، الريحان، لقرنقل، الزعفرن، تيصماص، تارا، اوتاوسرغينت”. تترك جميع هاته الأعشاب في الماء حتى يتغير لونه ويصبح لزجا، بعدها تأخده النساء ويضفنه في خلاط مع التمر ويضرب، ويكمن سر نجاح المشروب في كم الرغوة التي تظهر على سطحه بعد التحضير.

وسمي تصبونت لأن ملمسه صابوني لزج، وتصبونت بتشديد الصاد كلمة أمازيغية تعني الصابون، يوصف بها مظهر المشروب.

ولعصير “تصبونت” فوائد عديدة من أهمها طرد السموم المتراكمة في الجسم، وإمداد الجسم بالطاقة، ونجد الرجل الزاكوري يحمله معه في قدر من الفخار إلى جانب الماء ليرتشف منه كلما أحس بالعطش والجوع وقت اشتغاله بالواحة.

أما النساء، فينصح بعدم شربه من طرف الحامل. وأخد مقدار منه للمرأة التي ترغب بالإنجاب وتطهير جسمها من السموم.

الملة والزي وأشعار درعة
تمتاز منطقة ”امحاميد الغزلان” بخبز “الملة” الذي يختلف نسبيا عن “خبز الشحمة الزاكوري”.

وقد صرح “بقاس” لجريدة العمق المغربي، أن خبز “الملة” أو “أبادير” كما يطلق عليه باللغة الأمازيغية، له دلالة تراثية في منطقة محاميد الغزلان.

مضيفا أن إعداده يتم على رمل ساخن جدا، ويقوم الرجال حاليا بإعداده نظرا لإشرافهم على الخرجات السياحية التي يعرفون من خلالها السائح أو الزائر على عادات وتقاليد المنطقة.

وأشار “بقاس” أن النساء أيضا يقمن بإعداد خبز الملة في المنزل، كما يقمن بتحضيره خلال المناسبات والأعراس، حيت يتم طهي خبزة “ملة” واحدة يصل قطرها إلى 40 سنتيمتر، ويهديها أهل العروس للعريس في مجمع يتم تقسيمها فيه لتعم البركة.

ولمباركة الحفل على سبيل المثال يقول الشاعر: جيت نبارك ليك لي يا هلال الدار .. الضاوية مع فاطمة، الفرح والهنا والساعة تزيان.

وفيما يخص الجانب الخاص بالتغني بأشعار درعة، قالت “جميلة أيت لمودن” طالبة باحثة في التراث بجامعة ابن زهر بأكادير، لـ “العمق المغربي”، “إن تغني أهل درعة عامة بأشعار مختلفة، لا يقتصر إطلاقا على مجمع يخص تحضير الأطباق فقط، بل نجدهم يرددون أشعارا تهم الحياة اليومية وتجسد الواقع المعاش”.

وأوضحت “أيت المودن”، أن أشعار درعة لا تعد ولا تحصى، وأنه وجب على أبناء الجنوب الحفاظ عليها وتوثيقها وتوارثها أيضا، والإهتمام بالزي التقليدي للمنطقة لأنه هوياتي بامتياز.

إن “خبز الملة يزداد لدة إذا أضيف له الشحم المتبل، ومجموعة من الحشوات التي تعدها نساء المنطقة .. نحن نتحدث الآن لكن فعلا طعم مخبوزات درعة لا تقاوم”. تقول “أيت المودن”.

وفي السياق نفسه، ذكر الباحث المغربي “عبد الكريم التزارني”، في مجلة الثقافة الجنوبية، أن “شارل دوفوكو” قال إن غذاء أهل درعة مكون من التمر ودقيق الشعير.

وفيما يخص زيهم، كتب “التزارني”، أنه مكون من “الخنيف والبرنس وهو لباس ينسج من شعر المعز الداكن والرمادي ذو ضلوع من أشرطة ناعمة بيضاء وسوداءوحائك أسمر، تلبس النساء الغنيات الخنث والفقيرات ملابس من صوف أبيض داكن، أما الرجال فيلبسون الخنيف أو البرنس الطويل الأبيض أو الأزرق المصنوع من الصوف المصبوغ”.

أما بالنسبة للأشعار التي يتغنى بها أهل درعة، فقد قلت بشكل ملحوظ ولم يعد يهتم بها سوى الفئة الكبيرة من الرجال والنساء اللواتي أخبرتنا عنهن، “زهرة العلاوي” سابقا أنهن يتبادلن المواعظ على شكل أبيات أو كلام موزون تصوغه الجدات بإتقان تام.

وقالت “زهرة العلاوي” للعمق المغربي، أن الأشعار والرقصات في درعة تختلف من منطقة إلى أخرى، وهذا ما أبرزه الباحث المغربي “عبد الكريم التزارني” في المؤلف الجماعي “واحات درعة تافيلالت التراث والتنمية”.

وختامها مسك، فن رقصة الركبة، وهي رقصة جماعية عبارة عن حركات رشيقة مضبوطة تؤدى من طرف القبائل العربية المعقلية بدرعة، خاصة “قبائل أولاد يحيى” و”قبائل الروحا”، يردد خلالها الراقصون أشعارا مغناة بالعربية العامية، وتؤدى من لدن الرجال والنساء معا، أو تقتصر على جنس واحد فقط.

وأشار “التزارني” أن قبائل الواحاتتتغنى بكل ما له صلة بمجالها ومحيطها الإجتماعي .. كما تطرقت القصائد الشعرية إلى موضوعات مختلفة كالقضايا الوطنية مثل قضية الصحراء المغربية وتلاحم الشعب والعرش، وأعداء الوحدة الترابية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *