وجهة نظر

نداء لكل النساء المغربيات قبل الانتخابات

بادئ ذي بدء، أعتذر كرجل لجميع النساء في العالم ولا سيما النساء المغربيات والعربيات. إنني أدرك أننا نحن الرجال، لطالما احتقرناكم وعذبناكم وما زلنا مستمرين على ذلك رغم خطابنا الحداثي الذي يساير شعارات حقوق المرأة. سواء كنا رجالًا متعلمين أم أميين، مثقفين أم لا، أطر أو عمال، متدينين أم لا متدينين، مؤمنين بهائيين، مسلمين، مسيحيين، يهود أو ملحدين، فنحن لا زلنا نعتبر المرأة في قاع كائناتنا وأنها أدنى منزلة منا رغم أننا نرفع شعار المساواة في الحقوق بين الجنسين ونتفاخر به.

أعترف أننا ارتكبنا الكثير من الإساءات والمظالم وترسخ فينا منذ طفولتنا، نحن الرجال، مفهوم الاستعلاء والتفوق على النساء، و وظفنا الدين لتكريس دونية المرأة وإخضاعها للسلطة والسطوة الذكورية وإيهامها انها ما خلقت إلا لخدمة الرجال.

أعترف أننا مخطئون وأطلب العفو منكنَّ أيها السيدات كما ألتمس منكنَّ أن تكونوا على دراية بهذا الداء والمظلومية في العلاقات الاجتماعية مع الرجال، فلا تترددنَّ في الثورة على هذا الظلم والاعتساف والمطالبة بالحقوق والانصاف سواءً مع الأزواج أو مع الإخوة وزملاء العمل…

تقع على عاتقكنَّ مسؤولية تربيتنا منذ طفولتنا، وعلينا نحن الذكور أن نحترم الأخوات ونؤدي نفس المهام مثلهن. فحتى التنظيف المنزلي ليس واجباً مقدسًا على الفتيات حصرياً بل واجب لا مفر منه على الأولاد والرجال المشاركة في الخدمة المنزلية.

وكأزواج علينا إعادة تربية أنفسنا لتكون الحياة الزوجية قائمة على التشارك والاحترام المتبادل وليس على الخوف والاستغلال الجائر. ويجب علينا نحن الرجال أن ندرك أن العمل المنزلي واجب علينا أيضًا وأنه يندرج ضمن مسؤولياتنا الأسرية سواء أحببنا ذلك أم لا نحب.

يا سيداتي، لا يحق لأحد استعبادكن وإجباركن على خدمة الرجال بل اليوم صار على الرجال واجب الخدمة داخل وخارج البيت.

سيداتي لا تصدقن أبدًا أننا نحن الرجال مهما كان مستوانا الفكري والمجتمعي سنمنحكن في يوم من الأيام جميع حقوقكم. لا تصدقوا كلامنا ومديحنا، فليس لدينا نية صادقة لتغيير وضعكن، فلقد شربنا حليب وهم التفوق والاستعلاء بينما شربتن حليب الخضوع والدونية. نحن الرجال ندرك ذلك وفرضنا عليكن الانصياع للقواعد والتقاليد الجائرة باسم الدين وأوهمناكن أن واجبكن المقدس هو خدمة الرجال وأن في الخروج على ذلك غضب ولعنة الله عليكن والحرمان من جنة غفرانه.

كما جعلناكن بنفس المنهاج تعتقدن أنه يجب عليكن ارتداء الحجاب الجزئي أو الكلي وعدم مغادرة المنزل دون إذن منا وعدم وضع المكياج والعطور، وجعلنا طاعتنا واجباً عليكن في جميع الظروف. لقد جعلناكن تعتقدن أن الزوجة التقية هي التي تُرضي زوجها وتطيعه وتسمح له تعدد الزوجات كيف يشاء.
آسف سيداتي وأطلب المعذرة!

لقد جعلناكن تعتقدن أن الهدف الوحيد من حياة المرأة هو الزواج في أسرع وقت ممكن وطاعة وإرضاء الزوج وخدمته والإنجاب الكثير من الأطفال له. جعلناكن تعتقدن أنه ليس من المهم مواصلة الدراسة أو ولوج الحياة المهنية وكم حرمناكن من الذهاب إلى المدرسة ونزعنا عنكن حق التمدرس واستكمال التعليم.

لقد فرضنا عليكن الزواج منذ سن المراهقة وجعلنا للاغتصاب شكلاً قانونياً شرعياً. لقد منعناكن من اللعب ومن العيش في هناء وازدهار. لقد وضعنا نحن الرجال قانونًا وأعرافاً تسمح لنا بالزواج منكن دون السن القانوني وجعلنا اغتصابكن يتم بموافقة الآباء والمؤسسة الطبية والمحاكم.

الغفران والصفح سيداتي!

أناشدكن أيتها السيدات للوقوف وإحداث ثورة في أنفسكن ضد كل اشكال الجور الذكوري ورفع أصواتكن والصراخ بقوة: كفى كفى عن كل هذه المظالم!

أيتها السيدات اعلمنَّ أننا نحن الرجال مهما كان عمرنا ومستوى تعليمنا ومرتبتنا الاجتماعية، ما زلنا أطفالًا في الخامسة من العمر ونحتاج إلى التربية والتوجيه السليم على يدكنَّ. بالتأكيد نستخدم أصواتنا العميقة وعواءاتنا الطفولية وعضلاتنا الذكورية، لكننا كائنات هشة وضعيفة للغاية ولولاكُنَّ كنا قد فقدنا وجودنا. خوفنا نحن الرجال هو فقدان امتيازاتنا وسطوتنا ولهذا نتجاهل حقوقكنَّ ولكن لا تخفنَ مما نقوم به كترهيب وتخويف وتهويل فكله عبث لن يكسر إرادتكنَّ.

سيداتي، أنتنَّ القوة والذكاء والحكمة والنضج وحُماة البشرية، وأنتم دروعنا، هيا اجمعوا قوتكنَّ وانتزعوا مكانكنَّ بسرعة وخذوا حقوقكنَّ بقوة الحق. وبدون انتفاضتكنَّ لن يتطور مجتمعنا أبدًا وسيظل معطلاً غارقاً في ظلام التخلف!

ليست خطاباتنا الراقية، نحن الرجال، هي التي ستغير أحوالكنَّ أيها السيدات، فكلماتنا لن تصنع التغيير بل إرادتكنَ واتحادكنَ هو الذي سيغير المجتمع ويدفعه للإصغاء لندائكن وتوجيهاتكنَ التي تفتح أبواب المستقبل.

مجتمعنا أشبه بالطائر، أنتن سيداتي تمثلن جناحه الأيمن ونحن الرجال جناحه الأيسر، وللأسف جناحكن مكسور وممزق بسبب ضربات رياح الخبث الذكوري ولهذا لن يستطيع طائر مجتمعنا أن يطير ويترك مستنقع الوحل! مرة أخرى أعتذر لكنَّ سيداتي وأستسمح وأطلب منكن العفو والصفح.

* الدكتور جواد مبروكي، طبيب نفسي ومحلل نفسي للمجتمع المغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *