وجهة نظر

هل يصوت أنصار العدل والإحسان لصالح العدالة والتنمية؟

لعل أهم ما يميز مواسم الانتخابات في المغرب هي أنها تفقد مختلف المنخرطين فيها صوابهم، فتجعلهم يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال بحثا عما يزكيهم ويطعن في ذمة مخالفيهم بأية وسيلة، ولا تقتصر سهامهم على المتنافسين معهم على فتات الكعكة المخزنية، حيث تستخدم نفس الأساليب مع المقاطعين الذين يحظون بالنصيب الأكبر منها لأن موقفهم يفسد العرس السلطوي ويفقده جاذبيته.

ففوق حرمان النخب والتيارات التي تتبنى موقف غالبية المغاربة المقاطع للانتخابات من التعبير عن وجهات نظرهم في الإعلام العمومي واستهداف من يخرج منهم للشارع بالقمع وبالاعتقال فإن إسقاط عدالة موقفهم بترويج الشائعات الكاذبة حولهم يشكل أولوية لدى أنصار السلطة سواء كانوا حزبيين أو صحفيين أو غير ذلك.

الحديث عن تصويت أنصار العدل والإحسان لصالح العدالة والتنمية واحدة من هذه الشائعات التي تتداولها عدة أطراف هذه الأيام والتي تهدف إلى تسفيه موقف الجماعة باعتبارها أبرز مكون داع إلى مقاطعة الانتخابات ورميها بالازدواجية والنفاق السياسي، لتخلص إلى أن أغلب الفاعلين السياسيين والمجتمعيين يشاركون بشكل مباشر أو غير مباشر في الانتخابات لأن المشاركة هي الأصل أما المقاطعة فهي للاستهلاك الإعلامي لا غير.

اللافت هو حالة اليقين التي تطبع مروجي هذا الكلام والتي نجهل مصدرها والكيفية التي أيقنوا من خلالها بأن أعضاء العدل والإحسان يصوتون لحزب العثماني، فهل سبق أن رصدوا توجيها رسميا أو غير رسمي من طرف أحد قادة التنظيم المذكور لأعضاءه يؤكد هذا الموقف؟ أم تراهم يملكون كاميرات سرية للمراقبة من داخل مخادع التصويت جعلتهم يراقبون العملية بكل دقة؟ وفي هذه الحالة فإن عليهم أن يخبروا الرأي العام عن طريقتهم في تمييز أعضاء الجماعة عن غيرهم، فهل يتوفرون على قوائم مسبقة بأعضاء الجماعة أم أن المنتسبين إليها لا يصوتون إلا إن كتبوا على جبينهم اسم العدل والإحسان؟

الواقع أن عملية الفرز التنظيمي هي هواية بعض الهواة من الصحفيين والفاعلين السياسيين والتي يحدث فيها تَجَنٍّ كبير، ذلك أن الكثير من الناس يُحسَبون على تنظيم معين وهم منه براء استنادا لمعايير لا تخلو من طرافة، وهكذا قد يحسب على العدل والإحسان من ليس منها أو من غادرها ردحا من الزمن لكن أولئك المراقبين لم يحينوا معلوماتهم بعد؛ وعلى فرض رصد دخول أحد المنتسبين للجماعة إلى إحدى مراكز الاقتراع فلماذا الجزم بأن صوته سيذهب للعدالة والتنمية؟ أليس محتملا أن يصوت على غيرها من الأحزاب؟ ولماذا يعمم فعله الشاذ إن حدث على تنظيم جماهيري واسع الانتشار والمعروف أعضاؤه بالانضباط لقراراته؟

هناك من يستثمر انتماء العدل والإحسان والعدالة والتنمية لنفس المرجعية لوضع كليهما في بوثقة واحدة متجاهلا تاريخ العلاقة بينهما التي طبعها التشنج أكثر مما طبعها التفاهم والانسجام، وهو ما انعكس في الساحة الجامعية بين فصيليهما الطلابيين وانعكس أيضا في الساحة النقابية وفي انتخابات اللجان الثنائية التي اختار فيها نقابيو الجماعة اختيارات معاكسة لاختيارات نقابيي العدالة والتنمية وهذا أمر معروف عند النقابيين من مختلف الإطارات النقابية؛ هذا دون الحديث عن التراشق الذي لا يكاد يتوقف على منصات التواصل الاجتماعي بين نشطاء التنظيمين.

المعلوم أن الاصطفافات في المغرب هي اصطفافات سياسية وليست إيديولوجية، فكما أن هناك يسار مخزني ويسار معارض هناك أيضا إسلاميو المخزن وإسلاميو المعارضة، وكما أن أحدا لا يتوقع من نشطاء النهج الديمقراطي أن يهبوا أصواتهم لرفقائهم في الاشتراكي الموحد أو فيدرالية اليسار أو الاتحاد الاشتراكي فلا مبرر منطقي يجعل أنصار العدل والإحسان يتصدقون بأصواتهم لحزب العدالة والتنمية.

الذي يحدث عمليا هو نقيض ذلك حيث أن التوتر يزداد بين شركاء المرجعية، فحلفاء المخزن يحاولون الابتعاد عن معارضيه توددا لدوائر الحكم والمعارضون بدورهم تستفزهم تنازلات حاشية السلطة التي يعتبرونها تشويها لمرجعيتهم وخيانة لها، وهذا ما بدا بشكل واضح بعد القرارات والممارسات التي تم تمريرها باسم حكومتي العدالة والتنمية مثل التطبيع والاعتقالات وقمع الاحتجاجات وضرب القدرة الشرائية للمغاربة وفرنسة النظام التعليمي وإغلاق المساجد ومنع صلاتي التراويح والعيد وتشميع بيوت أعضاء الجماعة وحملات إعفاء الأطر وترسيب الأساتذة المتدربين وطرد الطلبة والمحاولة غير المسبوقة لمنع إحدى ملتقيات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب سنة 2013 بالقنيطرة وغير ذلك كثير الشيء الذي زاد في تأزيم الأجواء بين الطرفين.

لا شيء يغري أنصار الجماعة ببقاء العدالة والتنمية على رأس الحكومة سواء من الناحية المبدئية أو من الناحية البراغماتية، ولو كانوا سيتنازلون عن موقفهم بمقاطعة التصويت فهم أولى بأصواتهم من غيرهم ولما تركوا حزبا أقل شأنا من تنظيمهم حضورا وجماهيرية يأخذ حيزا في دار المخزن عرض عليهم وزهدوا فيه من البداية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *