سياسة، مجتمع

هل يفلح بنموسى في تنزيل توصيات لجنة النموذج التنموي وإنهاء “أزمة” التعليم؟

شكيب بنموسى: وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة

ظل قطاع التعليم منذ الاستقلال إلى اليوم قطاعا يعاني مشاكل عدة، إذ لم يفلح تغيير الوزراء في إنهاء التوتر الذي يعرفه مع كل موسم دراسي.

أزمة التعليم في المغرب تعترف بها التقارير الوطنية الرسمية قبل الدولية، إذ أكد تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي التي ترأسها شكيب بنموسى على ضعف تطور التعليم وعلى تعثر الإصلاحات التي تم اعتمادها لإنقاذ التعليم المغربي.

وأرجع تقرير بنموسى ذلك إلى عدة عوامل، أبرزها تتعلق بمستوى المدرسين، إذ أن مهن التدريس لا تستقطب أفضل المرشحين، إلى جانب عدم تقييم التلاميذ بشكل مستقل، حيث ينتقلون من مستوى دراسي إلى آخر دون تمكنهم من المهارات الاساسية، ويراكمون بذلك عدة نقائص.

ومن بين الأسباب كذلك، يضيف التقرير، استقرار الميزانية المخصصة لقطاع التربية الوطنية رغم أن المغرب اختار تعميم التعليم منذ سنة 2000، ورغم أن تحسين الأداء النوعي للنظام التعليمي يتطلب تمويلا إضافيا مهما.

صاحب التقرير، عين أمس الخميس، على رأس قطاع التعليم ليجد أمامه مجموعة من المقترحات وضعها رفقة أعضاء لجنته لتحقيق تعليم ذي جودة للجميع، فماهي هذه المقترحات؟.

يطمـح النمـوذج التنمـوي الجديـد إلـى إحداث نهضـة حقيقية للمنظومـة التربويـة، إذ يجب على المدرسة المغربية أن تمكــن كل متعلــم مــن اكتســاب المهــارات الأساســية لضمــان اندماجــه الاجتماعــي، ودعــم نجاحــه الأكاديمـي والمهنـي. كمـا يجـب على هذه المدرسة أن تصبـح بوتقـة لتكويـن شـباب متفتـح يطـور ذاتـه ويصنـع مسـتقبل المغـرب، مـن خـلال تلقينـه معنـى الاستقلالية والمسـؤولية وأخلاقيات مطبوعـة بالقيـم الإنسـانية الراسـخة فـي الهويـة المغربيـة وفكـر منفتـح وقـدرة علـى التأقلـم مـع التحـولات السـريعة التـي يعرفهـا العالـم.

ومن أجل ذلك يشدد النموذج التنموي لشكيب بنموسى ضرورة تجـاوز الأزمـة ثلاثية الأبعـاد التـي يعيشـها النظـام التربـوي المغربـي المتمثلة في أزمـة جـودة التعلمـات، التي تتجلى فـي عـدم إتقـان أغلبيـة التلاميذ للمهـارات الأساسـية فـي القـراءة والحسـاب واللغـات، فـي نهايـة مسـارهم الدراسـي؛ وأزمـة ثقـة المغاربـة إزاء المؤسسـة التربويـة وهيئتهـا التعليميـة؛ وأزمـة فــي مكانــة المدرســة التــي لــم تعــد تلعــب دورهــا فــي الارتقــاء الاجتماعــي وتشــجيع تكافــؤ الفــرص.

وأشار التقرير الذي خصص الاختيار الاستراتيجي الأول ضمن المحور الثاني للحديث عن التعليم، (أشار) إلى أن هـذا الطمـوح يقتضي تغييـرا نسـقيا يشـمل المحـددات الأساسـية لجـودة التعليـم، مقترحا تسـريع ديناميـة التغييـر تسـريعا دالا عبـر أربـع رافعـات قصـد الارتقـاء بجـودة نظامنـا التربـوي والتكوينـي بشـكل جوهري.

تكوين ونحفيز المدرسين

وحدد الرافعة الأولى في الاسـتثمار فـي تكويـن وتحفيـز المدرسـين قصـد جعلهـم الضامنيـن لنجـاح التعلمـات، مؤكدا أن جـودة أي نظـام تعليمـي يحددهـا مسـتوى المدرسـين العامليـن بـه.

ولإنجـاح النهضة التربويـة المنشودة، يتعيـن علـى المغـرب، بحسب لغة التقرير، إيلاء الأهميـة الكبـرى لتثميـن هيئـة التدريـس والارتقـاء بمسـتوى كفاءاتهـا وتأطيرهـا وفـق معاييـر مهنيـة صارمـة وجعـل مهنـة ووضعيـة المـدرس أكثـر جاذبيـة قصـد اسـتقطاب الطلبـة المتفوقيـن.

وقالت اللجنة الخاصـة بالنمـوذج التنمـوي في الوثيقة ذاتها إنه مـن الضـروري الشـروع فـي إجـراء تغييـر عميـق فـي مهـن التدريـس. من خلال تعميـم مسـار التكويـن الأولـي لمـدة خمـس سـنوات علـى جميـع المدرسـين، والـذي لا يشـمل حاليـا سـوى 01% مـن الملتحقيـن الجـدد بالمهنـة، مـع تمكيـن المدرسـين الممارسـين مـن تكويـن مسـتمر منتظـم وإشـهادي يمكنهـم مـن تعزيـز قدراتهـم المهنيـة، فضلا عن تصـور مسـار مهنـي جديـد للمـدرس يهـدف إلـى تقويـة جاذبيـة هـذه المهنـة لـدى الطلبـة المتفوقيـن، مـع حـث المدرسـين الممارسـين علـى تحسـين أدائهـم عـن طريـق توفيـر المزيـد مـن إمكانيـات الترقـي والتطـور فـي الأجـرة المشـروطة حصريـا بالنتائـج.

وفي هذا الصدد تقترح لجنة بنموسى وضـع نظـام جديـد لتقييـم المدرسـين يأخـذ بعيـن الاعتبـار أثرهـم الملحـوظ علـى تعلـم التلاميذ وتطورهـم المهنـي. ويجـب أن يكـون إعـداد نظـام تدبيـر المسـار المهنـي المقتـرح موضـوع حـوار مـع كافـة الشـركاء.

إعـادة تنظيـم المسـار الدراسـي ونظـام التقييـم

أما الرافعة الثانية فتتمثل في إعـادة تنظيـم المسـار الدراسـي ونظـام التقييـم لضمـان نجـاح كل متعلـم، إذ “يجـب علـى المدرسـة الوطنيـة أن تحـدد طموحـات عاليـة لـكل طفـل وألا تتخلـى عـن أي تلميـذ رغـم الصعوبـات التـي قـد تعترضـه. فجـزء مهـم مـن التلاميذ معـرض حاليـا لتراكـم النواقـص التـي يصبـح مـن الصعـب تجاوزهـا فـي ظـل تعلمـات ضعيفـة قـد تفاقـم معضلـة الهــدر المدرســي”.

ولوضــع حــد لهــذه الوضعيــة، توصــي اللجنــة بإنشــاء منظومــة متكاملــة للنجــاح التربــوي تتضمـن خمسـة مكونـات: أولها تطويـر تعليـم أولـي ذي جـودة، وثانيها تنظيـم مسـار التلميـذ فـي عـدة مسـتويات للتعلـم عبـر تحديـد المعـارف والمهارات والســلوكيات التــي يجــب اكتســابها مــن طــرف المتعلــم فــي كل مرحلــة مــن مســاره الدراســي قبــل المــرور إلـى المرحلـة المواليـة بشـكل يحـد مـن تراكـم النواقـص.

أما المكون الثالث فيتمثل في وضــع آليــة لمحاربــة الهــدر المدرســي تتيــح التدخــل عنــد كل مرحلــة مــن الحيــاة المدرســية للطفــل لأجــل تجنـب تراكـم فجـوات التعلـم والحـد مـن مخاطـر الانقطـاع عـن المدرسـة والرفـع مـن فـرص النجـاح الأكاديمـي والمهنـي. ولأجـل مضاعفـة حظـوظ نجـاح هـذه الآليـة، يقترح التقرير وضـع رهـن إشـارة المؤسسـات التعليميــة الابتدائيــة والثانويــة مختصيــن فــي معالجــة النقائــص، خصوصــا مقومــي النطــق ومختصيــن تربوييـن نفسـيين ومسـاعدين بيداغوجييـن.

أما المكون الرابع فيتجلى في تعزيـز نظـام التوجيـه المدرسـي مـن خـال وضـع المشـروع الشـخصي للتلميـذ كأسـاس لعمليـة التوجيـه، في حين يتمثل المكون الخامس في تثميـن مسـار التعليـم المهنـي بجعلـه مسـلكا جذابـا يمنـح فـرص عمـل ملموسـة فـي سـوق الشـغل.

تجديـد المحتويـات والمناهـج البيداغوجيـة

وحدد التقرير الذي أعدته اللجنة الرافعة الثالثة في تجديـد المحتويـات والمناهـج البيداغوجيـة لتعليـم فعـال ومحفـز. حيث يتعيـن علـى المدرسـة المغربيـة إجـراء تحديـث عميـق لبرامجهـا ومقارباتهـا البيداغوجيـة لانخـراط كليـا فـي القـرن الواحـد والعشـرين.

وشددت الوثيقة على ضرورة تطويــر البحــث والتجريــب فــي ميــدان التعليــم لتجديــد طــرق التدريـس علـى أسـس علميـة ،ومراجعة البرامـج قصـد تنميـة القـدرات الأفقيـة، لا سـيما التفكيـر المسـتقل والفضـول المعرفـي والتواصـل وروح التعـاون. ويجـب أن تكـون لأنشـطة التفتـح الثقافيـة والفنيـة والرياضيـة مكانـة أكثـر أهميـة فـي هـذه المناهـج.

كما دعت اللجنة إلى تحسـين إتقـان اللغـات بالاعتمـاد علـى العلـوم الإدراكيـة لتحديـث طـرق التدريـس، مـع مراجعـة مراحـل إدخـال اللغـات والانتقـال اللغـوي، وذلـك بهـدف إخضـاع خيـارات التدريـس لمعاييـر الفعاليـة التـي تحتـرم كيفيـة اشـتغال دمـاغ الطفـل الـذي قـد يكـون حاليـا معرضـا لوضعيـة التشـبع بسـبب الحمولـة المرتفعـة مـن التدريـس اللغـوي.

وأشار التقرير إلى ضرورة اسـتغلال الفـرص التـي تتيحهـا الرقميـات لجعلهـا رافعـة قويـة لتحويـل النظـام التربـوي وحاضنـة لممارسـات بيداغوجيـة جديـدة، عـن طريـق تطويـر منظومـة مغربيـة لتكنولوجيـا التربيـة “Edtech” تُدمـج كل المقـاولات والشـركات الناشـئة المسـتعملة للتكنولوجيـات الجديـدة ،لأجــل تحويــل عالــم التربيــة، وربـط كافـة المـدارس العموميـة بشـبكة الأنترنيـت.

مؤسسات تتحمل المسؤولية

ودعت اللجنة في الرافعة الرابعة إلى جعل المؤسسات التعليمية تتحمل مسؤولياتها في التغيير وتعبئة الفاعلين، داعية إلى اعتماد آلية تحفيزية تدبرها هيئة مستقلة لمنح “شهادة الجودة” للمؤسسات على أسـاس تطـوع الفريق البيداغوجـي تحـت إشـراف مديـره.

وأشارت اللجنة أن عمليـة الإشـهاد هـذه يمكنها أن تفــرض احتــرام مجموعـة مــن الممارسـات الجيــدة فيمـا يتعلــق بتسـيير المؤسسـة والبيداغوجيـا والحيـاة المدرسـية، وأن تمنـح بالمقابـل امتيـازات للمؤسسـات التعليميـة والمدرسـين.

وأضافت أنه يمكـن للتنزيـل التدريجـي لهـذا النظـام علـى مسـتوى بعـض المؤسسـات التابعـة لبعـض الجهـات أن يمكِّـن مـن تقييـم فعاليتـه قبـل تعميمـه علـى مجمـوع التـراب الوطنـي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *